لقد فسر البعض إلحاح الولايات المتحدة على الشفافية الدولية، بأنه يعود إلى خسارة الشركات الأمريكية للعديد من الصفقات الدولية، بسبب براعة الشركات الأخرى في إقامة صلات مشبوهة بكبار مسؤولي الدول التي عقدت فيها هذه الصفقات.
وبغض النظر عن الجهة التي أثارت إشكالية الشفافية، فإنها تلقى قبولاً من الدول كافة التي أدركت بأن غياب الشفافية والمساءلة ورجاحة الحكم تفضي إلى إلحاق خسائر فادحة بالمجتمعات التي تفتقر إلى مثل هذه الضوابط، وعلى المستويات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية كافة.
فعلى الصعيد الأخلاقي، تختفي النظرة إلى العمل بوصفه الحاجة الحيوية الأولى للإنسان بل وتهتز نظرة الناس إلى الإخلاص والأمانة والنزاهة، وعلى الصعيد السياسي والاقتصادي تتجذر النظرة إلى كون من يملك المال يملك السلطة، ومن يملك السلطة يملك المال، مستغلين مواقع المسؤولية لتحقيق مزايا ومكاسب تخالف القوانين والأعراف السائدة في المجتمع.
وإذا كانت دوافع القرارات الاقتصادية تحقيق مكاسب آنية ضيقة لكبار المسؤولين وأصدقائهم، عندها يفقد النظام السياسي شرعيته، أي قبول وتفاعل المواطنين مع مؤسسات الدولة وإدارتها، فيحصل الركود السياسي والاقتصادي والاغتراب السيكولوجي، ويعزف الناس عن المشاركة في برامج الحكومة التي تفقد مصداقيتها وتهتز ثقة المواطنين بها، وهذا ما حصل في رومانيا واندونيسيا والبرازيل وصولاً إلى الكونغو، والحبل على الجرار.
لقد اقترنت العديد من التجارب التنموية بحالات من الفساد السياسي والإداري والمالي، كما حصل في ظل الجمهورية الثالثة في فرنسا أو في إيطاليا أو في كوريا الجنوبية، ولكن التنمية المستدامة تشترط وبالضرورة مكافحة الفساد، من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال الاستجابة لطموحات المواطنين وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة، تتيح لهم فرص المشاركة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية التي من شأنها تحقيق التنمية المنشودة وتحول دون إثراء المسؤولين الحكوميين بطرق غير مشروعة تملي ضرورات محاسبتهم ومساءلتهم وفقاً للقانون.
والشروط اللازمة لتحقيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بنجاح هي: الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد، بالإضافة إلى شروط أخرى مثل: فعالية الحكومة وتمتعها بالكفاءة والخبرة الإدارية اللازمة، وهذه الشروط الثلاث وغيرها هي التي تحصن المجتمع من آفة الفساد، وما يقترن به من مظاهر الفوضى والتسيب واللامبالاة، وانعدام الحس بالمسؤولية الرفيعة. وعليه إذا كانت القواعد الناظمة للحياة العامة قواعد موضوعية وعلنية، وإذا كانت القرارات الحكومية موضوعية من حيث خياراتها ومرتكزاتها ومبرراتها ودوافعها، وإذا كان المسؤولون كل في مجال عمله على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية يخضعون للرقابة الوقائية واللاحقة وإذا تم تغيير المسؤولين الذين خرجوا على القوانين واخترقوها في الوقت المناسب، سواء ارتكبوا هذه المخالفات عن قصد أو غير قصد، فإن توافر الشروط الثلاث للتنمية لا بد وأن تؤدي بالضرورة إلى دفع عجلة التنمية من جهة والتقليل من الفساد وهدر الموارد من جهة أخرى.
عبداللطيف بن نجيب
متطوع بدار يوكو لرعاية الوالدين
ناشط اجتماعي