أكد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، أن التراجع المتسارع في أسعار النفط عالمياً، أحدث انتقالاً ملحوظاً للثروة من مصدري النفط إلى المستوردين، وأصبح من غير الممكن الاستمرار في الإنفاق الحكومي بمعدلات مرتفعة جنباً إلى جنب مع الهبوط في الأسعار، إذ تتجه دول عديدة إلى تقييد الإنفاق الحكومي على نحو يسمح بتقوية مراكزها المالية والتحوط لأية أزمات طارئة.
وأكد أن الإصلاحات التدريجية للدعم المعمم وغير الفعال، ستؤدي إلى تحقيق وفورات متراكمة يمكن توجيه حصص منها إلى شبكات الأمان الاجتماعي للفقراء، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، والرعاية الصحية، والتعليم.
جاء ذلك، خلال مشاركته في اجتماعات لجنة التنمية واللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، والتي عقدت على هامش اجتماعات الربيع لمجلس محافظي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بمقر البنك الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
وفي البيان الذي ألقاه أمام لجنة التنمية -باسم كل من البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمالديف وسلطنة عمان وقطر والإمارات واليمن- أشار الوزير إلى أن جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد 2015، يمثل فرصة سانحة للبناء على التقدم الذي تم إحرازه في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
وقال «ومع ذلك، يظل الانتعاش الاقتصادي العالمي غير متوازن وعرضة لمخاطر كبيرة يمكن أن تعيق النمو وتزعزع ثقة المستثمرين، ومن هنا فإن النمو الاقتصادي الشامل والمضي في إيجاد فرص عمل جديدة يتطلب تضافر الجهود عبر نهج استراتيجي تحدد فيه بوضوح أدوار البنوك التنموية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية والحكومات».
وحدد الشيخ أحمد بن محمد 3 عناصر تمثل جزءاً لا يتجزأ من نجاح الإنفاق العام، وهي وجود توزيع متوازن للموارد العامة بين البنية التحتية ومشاريع التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق النمو الأمثل والحد من الفقر، ضمان كفاءة وفاعلية الإنفاق، بجانب الأخذ بمبدأ الشفافية والمساءلة، منوهاً بدور بنوك التنمية متعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي في تحسين إدارة المالية العامة.
وقال الوزير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خضم تحول سياسي واقتصادي تاريخي وتواجه تحديات اقتصادية كبيرة بالإضافة إلى مخاطر عالية لانتكاس النمو وفجوات تنموية ملحوظة، الأمر الذي يدعو إلى أقصى درجات الاهتمام من مجموعة البنك الدولي.
ولفت إلى أنه على الرغم من هذه التحديات الهائلة، فإن المنطقة ماضية في تنفيذ إصلاحات صعبة، وهنا يمكن لمجموعة البنك الدولي أن تلعب دوراً أساسياً في دعم وتسهيل مبادرات الدول الرامية إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية ينتج عنها نمو يقوده القطاع الخاص وإيجاد مستدام لفرص العمل ورفاهية مشتركة.
وأضاف أن مشاركة بنوك التنمية متعددة الأطراف، ينبغي أن تكون جزءاً من استجابة منسقة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، مرحباً بزيادة التعاون مع المؤسسات الإقليمية وداعياً البنك الدولي لمواصلة حفز هذه الشراكات الاستراتيجية.
ونوه بأهمية تحسين بيئة الأعمال، ومعالجة الثغرات في البنية التحتية، وتعزيز فرص الحصول على التمويل، وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها عوامل أساسية لإنتاجية أفضل وتطوير قطاع خاص ديناميكي.
وأشار إلى أن الجهود المنسقة يمكن أن يكون لها مردود تنموي عال من خلال توفير بيئة تزدهر فيها فرص التعليم والمساواة في التمكين الاقتصادي بين الجنسين وفرص العمل، حيث إن الهياكل الاقتصادية المتنوعة التي يسودها مبدأ تكافؤ الفرص هي الأقدر على تعزيز الإدماج الاجتماعي، خاصة بالنسبة للنساء والشباب، وفي الوقت نفسه دفع النمو المستدام، على أنه أكد أن أهم الحقوق الأساسية يتثمل في العيش في بيئة خالية من العنف والصراعات، حيث يمثل ذلك مكوناً جوهرياً لبناء اقتصادات حية ومجتمعات مزدهرة.
وحث الوزير، مجموعة البنك الدولي على الاضطلاع بدور قيادي والأخذ بمنهج استراتيجي في تعبئة الموارد لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات، حيث إن الانعكاسات السلبية للأزمات التي تشهدها هذه المناطق لا تقتصر على تدمير المكاسب التنموية التي حققتها هذه البلدان، بل يمتد إلى زعزعة الاستقرار عبر نطاق أوسع.
وشدد على أهمية مكافحة كافة أشكال التهرب الضريبي من قبل الشركات متعددة الجنسيات والتدفقات المالية غير المشروعة والدور الهام لمجموعة البنك الدولي في هذا المجال، بالتعاون والتنسيق مع بنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية.
وفي البيان الختامي للجنة التنمية، تمت الإشارة إلى أن الاقتصاد العالمي ينمو بمعدل أسرع قليلاً مما كان عليه في عام 2014، وإن كانت معدلات النمو تختلف على نطاق واسع بين دول العالم المختلفة، ومن هنا أهمية التيقظ للمخاطر المرتبطة بتقلبات محتملة في أسواق المال، ووتيرة حركة أسعار الصرف، وأسعار النفط والسلع الأخرى، وتباطؤ حركة التجارة العالمية.
ودعت اللجنة كلاً من مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لدعم جهود الدول الرامية إلى تحفيز النمو الشامل وإيجاد فرص عمل جديدة وبناء القدرة على مقاومة الصدمات والمستجدات الطارئة، وصولاً إلى تحجيم مشكلة الفقر وتعزيز الرخاء المشترك والمستدام، وحماية المكاسب التي تم تحقيقها بصعوبة بالغة في هذا المجال.
وأشارت إلى أن توافر النفط بأسعار أرخص، سيؤدي إلى تحول ملحوظ في الدخل من الدول المصدرة للنفط إلى الدول المستهلكة، مع تأثير إيجابي حقيقي على النمو في البلدان النامية، الأمر الذي سيخلق تحديات لصانعي السياسات في الدول المصدرة للنفط، لكنه سيوفر أيضاً بيئة مواتية لدعم الإصلاحات الضريبية وتلك الخاصة بالدعم الحكومي على نحو يفتح الطريق لنمو مستدام وأكثر شمولاً.