كتب - عبدالله الطاهر:
حينما تغنى لأفريقيا ورفع صوته «يا أخا أعرفه.. رغم المحن... إنني مزقت أكفان الدجى»، لم يكن يدور بخلد الشاعر السوداني محمد الفيتوري أن صرخته ستدوي في الأرجاء لأعظم شاعر عرفته أفريقيا والعروبة، وسيظل يمزق كل الأكفان وهو يتحدى محاربة السياسة له في عهد الرئيس جعفر نميري، وها هو اليوم يمزق آخر الأكفان، ليرتدي آخر يشابه لون قلبه، ويرحل، تاركاً خلفه كلمات ليست كالكلمات، وأشعار لا يقايسها الزمن، ولا يوازنها الذهب، «وَسِّدْ الآنَ رَأْسَكَ ... فَوْقَ التُّرَابِ المقدَّس».
ذهب الذي غنى «أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقٍ» حينما ثار الشعب السوداني في انتفاضته الشهيرة عام 1985 ضد الرئيس جعفر نميري، وكان لأغانيه الثورية وجود خاص في وجدان الشعب السوداني.
غيّب الموت الشاعر الفيتوري عصر أمس في مستشفى الشيخ زايد بالعاصمة المغربية الرباط عن عمر يناهز 85 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض.
ويعتبر الفيتوري من رواد الشعر الحديث، ويلقب بشاعر أفريقيا والعروبة، وأنشد للقارة السمراء ونضالها ضد المستعمر، وألف دواوين كثيرة فيها، منها أغاني أفريقيا 1955، وعاشق من أفريقيا 1964 واذكريني يا أفريقيا 1956.
وواكب الراحل ثورات التحرر من الاستعمار في أفريقيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وأسهم في كتابة المسرح الشعري العربي.
ويعد الفيتوري أحد كبار شعراء التفعيلة في العصر الحديث ونزع إلى الصوفية في كتاباته، وقد نال كثيراً من الأوسمة والجوائز في عدة أقطار عربية كالسودان والعراق ومصر وليبيا والمغرب.
ولد محمد مفتاح رجب الفيتورى، في 24 نوفبر 1936م بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور الحالية بالسودان، ووالده هو الشيخ مفتاح رجب الفيتوري وكان خليفة صوفي في الطريقة الشاذلية، العروسية، الأسمرية، ونشأ في مدينة الإسكندرية بمصر وحفظ القرآن الكريم في مراحل تعليمه الأولى، ثم درس بالمعهد الديني وانتقل إلى القاهرة حيث تخرج من كلية العلوم بالأزهر الشريف.
عمل الفيتوري محرراً أدبياً بالصحف المصرية والسودانية، وعُيّن خبيرًا للإعلام بجامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة ما بين 1968 و 1970. ثم عمل مستشاراً ثقافياً في سفارة ليبيا بإيطاليا. كما عمل مستشاراً وسفيراً بالسفارة الليبية في بيروت بلبنان ، ومستشاراً للشؤون السياسية والإعلامية بسفارة ليبيا في المغرب.
أسقطت عنه الحكومة السودانية في عام 1974 الجنسية السودانية وسحبت منه جواز السفر السوداني لمعارضته للنظام آنذاك وتبنّته الجماهيرية الليبية وأصدرت له جواز سفر ليبي، ولاحقا سحبت منه السلطات الليبية جواز السفر الليبي فأقام بالمغرب مع زوجته المغربية رجات في ضاحية سيدي العابد، جنوب العاصمة المغربية الرباط. وفي عام 2014 عادت الحكومة السودانية ومنحته جواز سفر دبلوماسياً.