بدأ صغار الباعة والمدخرون في سوريا التحول إلى متعاملين بالدولار الأميركي بشكل غير مسبوق، حيث لم يعد التداول بالدولار حكراً على الحكومة وكبار التجار لتغطية وارداتهم من الخارج.
وتحولت السوق السورية إلى اسفنجة كبيرة تمتص كل ما يعرض فيها من دولارات في ظل تهافت السوريين على استبدال الليرة المتذبذبة بالدولار لحماية مدخراتهم، فيما جنح العديد من الباعة إلى تسعير سلعهم بالدولار بدلاً من الليرة، وتعديل الأسعار وفق سعر الصرف اليومي.
وتشير بعض التقارير، منها ما صدر حديثاً عن مركز أوكسفورد أناليتيكا للأبحاث والدراسات، إلى بداية لما يعرف بـ"الدولرة غير الرسمية" التي يصبح معها الدولار قطب الرحى في التعاملات الداخلية، في ظل التدهور السريع للعملة المحلية وضعف قوتها الشرائية، وفقدان المواطنين للثقة في اقتصادهم، ومن ثم في عملتهم الوطنية.
وقد خطت الليرة السورية خطوات سريعة نحو الهاوية، حيث شهدت هبوطاً قوياً منذ اندلاع الثورة في سوريا وما تلا ذلك من عمليات عسكرية لوأدها، غير أن الأشهر الأخيرة شهدت سقوطاً حراً للعملة السورية من حوالي 90 ليرة مقابل الدولار في بداية العام الحالي إلى 350 ليرة/للدولار، إذ شهد شهر يونيو المنصرم انخفاضاً غير مبرر اقتصادياً للعملة السورية حين هبطت خلال بضع ساعات من 175 ل/د إلى 210 ل/د، لتنحدر بعدها إلى ما فوق 300 ل/د بعدما كانت في حدود47 ل/د فقط قبل تطور الأزمة، أي أنها فقدت حوالي 85% من قيمتها حتى الآن.
وقد تم الحديث مؤخراً عن مشروع قانون يقضي بحبس وتغريم المتلاعبين بسعر صرف الليرة، يراه الكثيرون غير كافٍ للحد من المضاربة التي يتهم النظام السوري نفسه بانتهاجها لاغتنام الفارق الضخم الذي يخلفه تدني قيمة الليرة لدى صرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي على حساب هؤلاء.
ويرى عماد غليون، البرلماني السوري السابق والخبير الاقتصادي، أن "ما يؤخر انهيار العملة السورية ليس إلا الدعم المتواصل من قبل حلفاء النظام"، أمر أكدته صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية التي أفادت بأن كلاً من إيران وروسيا والصين يدعمون النظام السوري بنصف مليار دولار شهرياً من المعاملات المالية.
ويضيف غليون أن "المساعدات المالية التي تصل إلى المناطق المحررة والتي تجد طريقها إلى بقية المناطق السورية، تساهم أيضاً بشكل كبير في تأجيل الانهيار المدوي للعملة السورية".
وقال "إن استمرار تجار دمشق وحلب في جلب الدولار من أرصدتهم في الخارج لتمويل عملياتهم التجارية، فضلاً عن ارتفاع وتيرة الطلب على الدولار من قبل تجار العملة في المناطق المحررة، قد يجر سوريا نحو الدولرة"، معتبراً أن الوصول إلى هذه المرحلة أمر حتمي سوف يسبق سقوط النظام، معللاً ذلك بارتباط سعر صرف الليرة بالوضع الميداني، فكلما تقدم الثوار على الأرض تراجعت قيمة الليرة.
ويرى غليون أن عملية إسقاط النظام اقتصادياً مرتبطة بشكل رئيسي بالقرار السياسي للدول الداعمة له كروسيا وإيران، وفي حال انهيار الدولة في سوريا فإن الليرة ستنهار معها، ليتم اللجوء إلى الدولار وعملات دول الجوار.