حمد بن عيسى زار لندن سنة 1925 لوضع أسس المشروع الإصلاحي
الشيخ حمد يعود من لندن وهو يحمل خطط التطوير والعلوم والحضارة
دار الاعتماد البريطاني تضع زيارة حمد بن عيسى في خانة «السرية»
المحكمة الكبرى أغلقت بغياب الشيخ حمد لعدم إجادة سميث للعربية
ضابط من مسقط لإدارة شؤون 200 شرطي أثناء غياب ديلي عن البحرين
الشيخ حمد يتكفل بمصاريف ديلي أثناء زياته إلى لندن ذهاباً وإياباً




كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:
تؤرخ وثائق دار الاعتماد البريطاني لأول زيارة لولي عهد البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى لندن سنة 1925، والغاية «وضع أسس مشروع إصلاحي في البحرين، بالاستفادة من التجربة البريطانية»، على ما تشرح الرسائل المتبادلة بين المقيم السياسي في بوشهر وحكومة الهند البريطانية.
ويعرض الباحث د.عيسى أمين جانباً من وثائق دار الاعتماد، وهي تؤرخ أيضاً للزيارة الثانية للشيخ حمد بن عيسى عام 1936، وخلالها قلد ملك إنجلترا إدوارد الثامن، الشيخ حمد، وسام «قائد وفارس إمبراطورية الهند».
حمد بن عيسى في لندن
ينقل د.عيسى أمين عن مدونات «دار الاعتماد»، أن أول زيارة للشيخ حمد بن عيسى إلى بريطانيا كانت عام 1925، وسبقه عام 1919 الشيخ عبدالله بن عيسى في زيارة رسمية، لتهنئة الملك البريطاني بالنصر في الحرب العالمية الأولى.
وتقول المدونات البريطانية أن زيارة الشيخ حمد بن عيسى الأولى، جاءت بعد عامين من توليه نيابة عن والده الشيخ عيسى بن علي أمور إدارة البلاد، ورغبة من الحكومة البريطانية في زيارته الشخصية للمؤسسات البريطانية، وإعطائه فكرة عن أهمية التطور الإداري، وحاجة البحرين للتعليم والأنظمة الإدارية الحديثة، ووضع بداية للمشروع الإصلاحي المؤمل تطبيقه في البحرين عند عودة الشيخ حمد من لندن لبلاده.
وتشير دار الاعتماد إلى الزيارة في رسائلها السرية المؤرخة في 22 فبراير 1925، في برقية موجهة من المعتمد البريطاني في البحرين إلى المقيم السياسي في بوشهر، وجاء فيها «يطيب لي أن أقدم لكم تقريراً عن الزيارة المؤملة للشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ومرافقيه في هذا التقرير التزم في نصه بالفصل الخامس الفقرة 38 من قانون توجيهات العاملين في الإدارة السياسية».
وتضيف البرقية «يتكون الوفد من الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وحرمه، والشيخ عبدالله بن عيسى وحرمه، واثنين من الخدم رجل وامرأة، إلى جانب عدد من المرافقين للشيخ المزمع أن يرافقوه إلى العراق، ويكونوا في استقباله عند عودته إلى بغداد.
ويغادر الشيخ مع مرافقيه عن طريق بغداد ثم بيروت ومارسيليا، وربما يكون تاريخ المغادرة 2 أو 16 مايو، ويتوقع وصولهم إلى لندن 26 مايو 1925، وعنوان المراسلة مع الشيخ ـ البنك الشرقي المحدود ميدان كروسبي لندن».
وتتابع برقية المعتمد البريطاني «أرجو ملاحظة بأنه ستكون هناك مقابلة مع جلالة الملك، وماعدا ذلك فإن الشيخ يرغب في أن تكون زيارته إلى لندن خاصة، وسيقدم للشيخ برنامج زيارته حال وصوله، ونسخه منه إلى وزير الدولة».
ويقول عيسى أمين إن مدونات دار الاعتماد تحتوي على رسالة أولى بخصوص الزيارة كتبها المعتمد ديلي في 22 يونيو 1924، ووجهها إلى المقيم السياسي في بوشهر فرانسيس بيغل بريدو يقول فيها «قابلت جارستين اليوم وأخبرته عن احتمال زيارة الشيخ حمد بن عيسى إلى لندن، وأخبرني أن السفينة لورنس ستكون موجودة في رحلتها القادمة في البحرين بتاريخ 20 يوليو 1924، وأعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للمغادرة».
وتضيف الرسالة «أخبرني جارستين أنه مستعد أن ينقل الجميع في السفينة لورنس إلى البصرة، ولكنه طلب مني إبلاغه تلغرافياً في حال الاتفاق على الموعد المذكور، وبطبيعة الحال قدمت الشكر له، وأود أن أطلب الإذن منكم أولاً ومن حكومة الهند قبل اتخاذ أي إجراء».
وتتابع الرسالة «كنت لدى الشيخ حمد في قصر الصخير الليلة الماضية مدعواً على العشاء، وطلب مني إبلاغك رغبته في الحصول على رد الحكومة البريطانية بأسرع فرصة، وذكر لي أن الشيخ سلمان ابنه الأكبر، سيكون من ضمن مرافقيه، لكنه موجود في الحج الآن، ويود أن يعرف إن كان يستطيع مقابلة الشيخ في بيروت، وإذا ما كان سيأخذ حرمه معه ويرغب في الاتصال به برقياً حين أخذ القرار في ذلك».
وتواصل الرسالة «وأخبرني الشيخ حمد أنه لا يرغب في الإقامة بالفنادق، وأنها لن تكون مريحة لمرافقيه من الحريم، ولذا كتبت لزوجتي للبحث عن شقة مفروشة مع خادم، وسترسل لي برقية حال ترتيب المسألة، ويريد الشيخ أن تكون زيارته شخصية قدر الإمكان، ماعدا مقابلة صاحب الجلالة الملك، ذلك لأن الشيخ عبدالله في زيارته الأولى تمكن من مقابلة جلالة الملك».
ويقول ديلي «لا أعتقد أننا نستطيع إغفال أهمية مقابلة الشيخ للملك في لندن، وتأثير ذلك على الشارع في البحرين، ربما تكون المقابلة في إحدى حفلات أو استقبالات الحديقة الملكية، وهي عادة ما تكون من أغسطس إلى سبتمبر، ولكني أعتقد أن كل ذلك يعتمد على ترتيبات السكرتير السياسي في مكتب الهند بلندن، المزمع أن أقابله حال وصولنا إلى هناك».
ويعرب عن اعتقاده «أنه بتوصيات منكم ومن حكومة الهند، فإن مكتب الهند في لندن يؤدي الواجب، ومن ناحيتي سأصدر استمارات عن كل مسافر تقوم مقام جواز السفر، أنا مشغول في الوقت الحالي، خاصة أني مسؤول عن الإعداد لكل شيء، وجعله بسيطاً وسلساً سواء كان بالنسبة للسفر أو أعمالي عندما أغادر مع الشيخ، وسوف يكون سميث مسؤولاً عن أعمالي».
ويتابع ديلي «زدنا الأيام الخاصة بالمحكمة، كي لا تتأخر أية حالة أثناء سفرنا، ولأن سميث لا يتحدث العربية فإن الشيخ حمد يرى ضرورة إغلاق المحكمة الكبرى أثناء غيابنا، وأنا أؤيد ذلك وستراجع المحكمة الحالات الضرورية، أما ما عداها فإن المدعين يستطيعون الانتظار، أما المحكمة الصغرى فتباشر الحالات الخاصة بها دون تأخير، أرجو أن تبلغوني بأية أمور ضرورية أخرى».
الرحلة برفقة ديلي
وعرض أمين الرسالة الثالثة من دار المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية بحكومة الهند دائرة الخارجية «سيملا» والمؤرخة في 8 يونيو 1924.
وجاء في الرسالة «يطيب لي أن أبلغكم بأني استلمت رسالة من الماجور ديلي المعتمد السياسي في البحرين، يخبرني فيها الرغبة الشديدة من قبل الشيخ حمد بن عيسى ولي عهد البحرين في زيارة أنجلترا هذا الصيف لحضور معرض ويمبلي، ربما أذكركم بزيارة الأخ الأصغر الشيخ عبدالله بن عيسى بدعوة من صاحب الجلالة الملك في يونيو 1919، ورافقه في تلك الزيارة المعتمد السياسي في البحرين الكابتن نورمان نابيير إيفلين براي، أما عن الشيخ حمد فإنه لم يزر الهند أو حتى العراق وأنه -أي الشيخ حمد- يرغب بشدة مرافقه الماجور ديلي له، ويقول إن لم يتمكن ديلي هذا العام فإنه يؤجل السفر للعام المقبل.
وتضيف الرسالة «مضت 4 أعوام على ديلي في البحرين، ولم يأخذ أية إجازة غير واحدة قصيرة في الهند، وأنه يستحق إجازة الآن لمرافقه الشيخ الذي ينوي أن يغادر البحرين عن طريق بغداد نهاية يوليو، ويعود إلى البحرين أكتوبر من نفس العام».
وتتابع الرسالة «يتولى معاون المعتمد السياسي الكابتن د.ر.سميث، أعمال ديلي أثناء غيابه، أما بالنسبة للشرطة البالغ عددها 200 شرطي سيصل إلى البحرين ضابط تم تعيينه حديثاً في مسقط لإدارة الشرطة أثناء غياب ديلي، ونعتقد أنه يستحق 3 أشهر إجازة بعيداً عن الجو الحار، ومع أنه يقترح أن تكون إجازته على نفقته الخاصة، إلا أني أرى أنه من الأفضل أن تكون هذه الإجازة مهمة رسمية، وتدفع له المصاريف اليومية، وإذا ما تمت الموافقة من قبل حكومة الهند على محتوى الرسالة، فإني سأقترح على المعتمد ديلي أن يكون هناك مجلس إدارة للبحرين أثناء غياب الشيخ حمد بن عيسى».
واقترح المقيم السياسي في رسالته «تعيين الشيخ عبدالله بن عيسى قائماً بالأعمال أو النائب، تعيين عدد من الأخوة الشيخ عبدالله والشيخ محمد في مجلس للحكم».
توقيع المقيم السياسي في بوشهر فرانسيس بيفل بريدو، في السابع من مايو 1925.
ويضيف عيسى أمين أن رسالة وصلت من وكيل الخارجية في حكومة الهند إلى المقيم السياسي في بوشهر، بخصوص إعارة الماجور ديلي لمرافقة الشيخ حمد بن عيسى أثناء زيارته لإنجلترا».
وجاء بالرسالة «وافق وزير الدولة على مرافقة ديلي للشيخ حمد أثناء زيارته إلى إنجلترا، على أن يتكفل الشيخ حمد بمصاريف الماجور ديلي، ويشمل ذلك عودته من إنجلترا إلى مارسيليا في طريق العودة إلى البحرين، وبعد موافقة حكومة الهند تأتي الترتيبات للزيارة المرتقبة، ويستلم المعتمد القائم بأعمال ديلي الكابتن جورج ليزلي مالم من سكرتير صاحب السعادة الوصي على العراق رسالة بتاريخ 23 يوليو 1925»، وكان ديلي غادر إلى أنجلترا من أجل ترتيب الزيارة يقول فيها «نشكرك على رسالتك المؤرخة 11 يوليو 1925، اتصلنا بكل المؤسسات العراقية، والتي لها صلة بزيارة الشيخ حمد ومرافقيه، على أن يسهلوا كل ما هو مطلوب منهم، ويبذلوا قصارى جهدهم لجعل الزيارة ناجحة، لذا أعتقد بأن الشيخ والمرافقين لن يلاقوا أية صعوبة في العراق».
تطويع التجربة البريطانية
ويقول أمين إنه بعد عودة الشيخ حمد من زيارته إلى إنجلترا في يوليو 1925، أقيم احتفال بهذه المناسبة بواسطة المجلس البلدي في دار الجمارك «المقر المؤقت لبلدية المنامة».
وألقى الشيخ محمد صالح خنجي كلمة ترحيبية بهذه المناسبة، وبعد انتهاء حفل الترحيب بعودة الشيخ حمد بن عيسى من لندن، المنعقد في مبنى الجمارك في 31 يوليو 1925، كتب القائم بأعمال المعتمد السياسي في البحرين الكابتن جورج ليزلي مالم رسالة، إلى صاحب الفخامة تشارلز جلبرت كروس وايت المقيم السياسي في بوشهر بتاريخ 17 أغسطس 1925.
ونصت الرسالة «أود إبلاغ فخامتكم أن الشيخ حمد ومرافقيه عادوا من أنجلترا، ووصلوا إلى ميناء المنامة في السفينة اس.اس بارودا، وكان سموه في صحة طيبة وازداد معرفة بأمور أوروبا، وعندما نزل سموه إلى رصيف الميناء أطلقت المدافع 7 طلقات تحية له، وتفقد سموه حرس الشرف من الشرطة، بعدها أكمل ماشياً على الرصيف الذي تم فرشه بالسجاد الفارسي، وعلقت الزينة احتفالاً بعودة سموه، وانتقل إلى المجلس الذي امتلأ بالناس الذين انتظروا ساعات طويلة لحظة وصوله برغم الجو الحار».
وتقول الرسالة «انطلق الناس لتحيته من كل مكان، ولولا وجود الشرطة لما تمكنا من مساعدته في الوصول إلى مكان جلوسه، وبعد خطاب الترحيب والتحيات والسلام، انتقل سموه إلى المحرق لمقابلة والده الشيخ عيسى بن علي، وعاد في المساء إلى منزله الواقع قرب القلعة، وفي الرابع من أغسطس توجه الشيخ حمد إلى اجتماع للبلدية، وشكر أعضاء المجلس لحسن ترتيب استقباله عند عودته».
وتضيف «وجدت خلال حديثي معه أن الشيخ حمد كان سعيداً من نتائج رحلته إلى بريطانيا، وشاهد الكثير من التطور وازداد إعجابه بالملك أثناء اللقاء، وكان على ما يبدو لهذا اللقاء تأثير كبير، فلقد عاد الشيخ حمد وهو يحمل في عقله خطط التطوير والعلوم والحضارة، وكل ذلك من أجل وطنه، وامتدح وشكر الماجور ديلي على حسن الاستقبال والترتيب الجيد للزيارة في الثامن من أغسطس، وفي مجلسه الخاص حضر وبدعوة منه كبار الشخصيات من المواطنين والمقيمين، وألقى فيهم خطاباً شكر فيه جلالة الملك الذي أتاح له فرصة زيارة إنجلترا، وانتهزت أنا هذه المناسبة وألقيت كلمة شكر له على حديثه عن إنجلترا، وعما شاهده هناك ورغبته الصادقة في تطبيق التقدم في وطنه».
الزيارة الثانية
ويشير أمين إلى أن مستشار حكومة البحرين تشارلز بلجريف أصدر إعلاناً يوم 30 مايو 1936 في التاسع من ربيع الأول 1355هـ جاء فيه «نود أن ننقل إلى المواطنين الكرام نبأ الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى لندن، ويغادر سموه في الرابع من يونيو 1936 على السفينة ديبتفورد، ولقد عين سموه الشيخ عبدالله بن عيسى والشيخ سلمان بن حمد كنواب له أثناء فترة غيابه».
تشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين.
ونشرت صحيفة البلاد في بغداد نبأ وصول الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى العراق في 9 يونيو 1936، وفي 14 يونيو 1936 نشرت جريدة الأوبزرفر اللندنية مقالة بخصوص زيارة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى لندن، كما تنشر جريدة البلاد في بغداد مقالة أخرى في 16 يونيو 1936.
ونصت مقالة البلاد «إن سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين سوف يزور ولمدة أسبوعين مع ابنيه أنجلترا، وبدعوة رسمية حيث يلتقي بالملك الذي يقلده وسام K.C.I.E قائد وفارس إمبراطورية الهند، ويقابل حاكم البحرين اللورد زيتلاند حال وصوله، ويزور الأسطول في بورتسموث والكلية العسكرية في ساندهيرس، وعرض السلاح الجوي في هندون والمشاة في الدرشوت بورتسموث، ويكون حاضراً في مناورة عسكرية للقوات البريطانية في 23 يونيو، ويقابل في نفس الوقت الملكة ماري يوم 18 يوليو 1936 في لندن».
رسالة الشيخ حمد لملك بريطانيا
كتب الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رسالة إلى صاحب الجلالة ملك بريطانيا إدوارد الثامن إمبراطور الهند جاء فيها «بعد تحياتي واحترامي لجلالتكم، أنتهز هذه الفرصة لأعبر لكم عن مدى سعادتي بهذه الزيارة، ومدى ارتياحي لمقابلتكم، وكذلك شعوري بالسعادة من المعاملة الراقية التي تلقيتها وحفاوة شعبكم النبيل، ولقد أزعجني كثيراً هذا النبأ -التنازل عن العرش- الذي أثار قلق كل الإنسانية، وإني أدعو الخالق أن يطيل في عمركم، وأن يحمي شخصكم النبيل، إني يا صاحب الجلالة في طريق عودتي إلى البحرين، أحمل في قلبي كل مودة وتقدير لشخصكم النبيل، عسى أن يسعدنا الخالق بإطالة عمركم وكل أفراد العائلة المالكة».
حمد بن عيسى آل خليفة.
يتواصل الحوار مع د.عيسى أمين عن دار الاعتماد السبت المقبل.