بقلم - د.محمد أحمد أونور:
المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة دولية دائمة يفترض أن تكون مستقلة – أنشئت بمدينة روما الإيطالية، وتم اعتماد نظامها الأساسي في يوليو 1998 بموافقة 120 دولة ومعارضة 7 دول وامتناع 21 دولة.
ودخل نظامها الأساسي حيز التنفيذ في يوليو 2002 بعد مصادقه 6 دول وإلى اليوم لم تتجاوز الدول المصادقة للنظام الأساسي 100 دولة.
أنشئت هذه المحكمة لأغراض التحقيق الجنائي ومحاكمة الأشخاص الذين تثبت إدانتهم عند ارتكابهم الجرائم مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان كما يحدث الآن من حولنا جرائم الأسد في سوريا وصالح والحوثيين في اليمن وحفتر في ليبيا والمالكي في العراق والتي ارتكبها من قبل الرئيس الكيني أوهورو كنياتا وبوش في العراق والنظام الإيراني حيال السنة وغيرهم.
وتعد المحكمة قائمة أصلاً على معاهدة ملزمة فقط للدول الأعضاء أي للدول التي صادقت للانضمام إليها.
فهي ليست كياناً طاغياً على الدول بل كياناً مماثلاً لغيره – فهي أيضاً ليست بديلاً عن القضاء الجنائي الوطني إنما هي مكملة له م «17-1».
فالمحكمة الجنائية الدولية بهذه الصفة لا تقوم بأكثر مما تقوم به كل دولة من دول المجتمع الدولي في إطار القانون الجنائي الدولي القائم. وبالتالي فهي امتداد للاختصاص الجنائي الوطني.
وبناء على ذلك فإن المحكمة الجنائية الدوليـة لا تتعـــدى عـلـــى السيـــادة الوطنية ولا تتجاوز نظم القضاء الوطني لأية دولة مستقلة طالما الدولة المعنية قضاؤها قادراً وراغباً في مباشرة دورة القضائي بعدالة.
وتمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصـها وفـــقاً للمادة «13-15» كالآتي:
- قيام دولة طرف في نظامها الأساسي بإحالة القضية إلى المدعي العام «م14».
- قيام مجلس الأمن الدولي بإحالة القضية إلى المدعي العام متصرفاً بمقتضى صلاحياته بموجب الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة «م13».
- شروع المدعي العام تلقاء نفسه بالتحقيق حول معلومات خاصة بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.
مع ملاحظة أنه لا يمكن للمحكمة الشروع في ممارسة اختصاصها إلا في حالتين:
الأولى إذا كانت الدولة المعنية غير قادرة على القيام بالمحكمة حيال تلك الجريمة، والثانية إذا كانت الدولة غير راغبة في القيام بدروها الأصيل في المحاكمة.
عندما تتم إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية سواء عن طريق مجلس الأمن أو الدولة الطرف أو الدولة غير الطرف – يقوم المدعي العام بمباشرة التحقيق للتأكد من وجود أسباباً معقولة للسير في الإجراءات من عدمه «م53» – وما يسفر عنه ذلك التحقيق من أدله كافية يشكل أساساً معقولاً للمحاكمة – لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي آليات المدعي العام لهذا التحقيق؟ هل هي فعلاً آليات عادلة أم المدعي العام يستقي معلوماته من مصادره الخاصة ؟.
والتساؤل الأهم كيف يأخذ مجلس الأمن والدولة غير الطرف العلم بالجريمة موضوع التحقيق أو المحاكمة هل بالإعلام العام أم من جانب الادعاء دون معرفة إفادات الدفاع؟. واضح من ذلك أن المعادلة أو ميزان العدالة هنا مفقود بل غير متزن فهي في أحيان كثيرة ظلت تنصب نفسها شرطي العالم وتتحرك وفق عوامل سياسية بتوجيه الدول الكبرى وبالتالي انحرف ميزان العدالة.
المدعي العام يباشر التحقيقات أحياناً من تلقاء نفسه للأسف على أساس معلومات مغلوطة.
وكيف تكون محكمة وهي تحاكم وتحقق بذاتها وفق معلوماتها، هي إذن الحاكم والجلاد وحكم القوي على الضعيف.
واضح من قواعد النظام الأساسي للمحكمة أن هناك خللاً كبيراً في هذه القواعد وحسناً فعلت الدول التي رفضت الانضمام لهذه المحكمة التي أصبحت محكمة تحكم بمعايير سياسية أكثر منها جنائية – وعمل هذه المحكمة حالياً ظل يعمل خرقاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وانتهاكاً لسيادة الدول.
إذا كانت هناك عدالة فلماذا لم يقدم بشار الأسد وحفتر وعبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح للمحاكمة، وغيرهم كثر ؟؟!! أوضحت المحكمة الجنائية الدولية بالأمس القريب في كل الوسائط الإعلامية أنها غير مختصة بمحاكمه جرائم النظام السوري !! وكذلك أسقطت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للرئيس الكيني اوهورو كينياتا الاتهامات والملاحقات التي اتهم بها لارتكابه جرائم ضد الإنسانية لعدم توافر الأدلة.
السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأدلة التي تحيط بالرئيس السوداني عمر البشير الذي انتخب مجدداً ديمقراطياً بواسطة شعبه بما فيه شعب دارفور، ولماذا لم تسقط عنه الاتهامات كما أسقطت من أوهورو هل السبب أنه مسلم واهورو مسيحي أم هناك أجندة أخرى؟.
إذا نظرنا للأحداث حول العالم الان نجد أن ما يجري في دارفور لا يمثل 1% مما يجري في أجزاء أخرى من العالم، وإن ما جرى في دارفور أعطى إعلاماً في بادئ الأمر والأنظمة التي كانت ومازالت في خلاف سياسي مع حكومة السودان هي التي دعمت طرف ضد طرف آخر لتصل في النهاية إلى محاكمة النظام في شخص رئيسها البشير وأدلل على ذلك بفوزه في الانتخابات التي جرت أخيراً.
وهذا يؤكد المؤكد أن كل الذي أحيك ضد السودان كان ومازال ظلم للشعب السوداني الذي تضرر كثيراً جراء ذلك الحصار الجائر ولكن لم يزد ذلك الشعب إلا قوة وتماسك.
توقيف البشير الذي طالب به المدعي العام للمحكمة هو طلب غير قانوني لأنه يتعارض مع نظام الحصانة الذي يمنع ملاحقة رؤساء الدول وفيه خرق كبير لسيادة الدولة، خاصة وأن نظام الأمم المتحدة يقوم على احترام تلك السيادة، ومع معاهدة روما التي تشير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها طلب توقيف الرؤساء خلال وجودهم في السلطة وعلى أرض أية دول لأن ذلك يتسبب في خرق التزامات الدولة المضيفة وفق القانون الدولي والحصانة الدبلوماسية لعام 1961.
إنني أؤكد وبحكم خبرتي الطويلة في مجال القانون الدولي الجنائي أن تدخل مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأيادي الداعمة لمسألة السودان بهذه الصورة شيء يخالف المنطق القانوني والعرفي وخالي حتى من العدالة المنشودة، ومن واقعة السودان اكتشف العالم الثالث أن ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية أنشئت لأغراض سياسيه مغرضة ولها معايير مزدوجة، لذلك افتعلت واقعة دارفور من غير مصداقية، لذلك نجد أن قرار ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية القاضي بتوقيف رئيس السودان البشير قرار يخالف العدالة ومنظومة العلاقات الدولية، ويتجاهل حصانة رؤساء الدول التي ضمنتها اتفاقية فيينا. وما جرى للسودان ينبئ أنه سينسحب لدول أخرى بنفس السيناريو إذا لم تتكاتف دول العالم الثالث لإفشال هذا المخطط اللئيم.
* أستاذ القانون الجنائي الدولي