مع انتشار الأجهزة الذكية واتساع دائرة مستخدمي الشبكة العنكبوتية، أصبح التسوق اليوم عبر قنوات مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام... إلخ) متاحاً للجميع وبكل سهولة ويسر، إذ تكفي كبسة زر واحدة لاقتناء ما هو مطلوب، وهي بلاشك نعمة نحمد الله عليها.
إلا أن المتتبع لها يجد في كثير من الأحيان أن بعض الحسابات الخاصة بترويج وبيع السلع قد انزلقت لتغليب المصلحة المادية البحتة فيها على حساب المصداقية والثقة المفترضة!
وأمام هذا الانتشار والاتساع كماً وكيفاً؛ يثور التساؤل حول ماهية الضوابط القانونية الكفيلة بحفظ حقوق جميع أطراف عقد البيع (البائع والمشتري)؟ لاسيما أن بعض عمليات الشراء قد تتخطى أثمانها الآلاف من الدنانير؟
ويثور تساؤل آخر أيضاً، كيف يحمي المشتري نفسه من الوقوع في شراء سلع مغشوشة أو ضارة بالصحة، خاصة إذا ما علمنا أن الغالب الأعم من حسابات التسويق في مواقع التواصل الاجتماعي غير مقيدة في السجل التجاري، أو أن تتوفر لها قاعدة بيانات ثابتة ومعتمدة لدى الجهات المعنية بحماية المستهلك على أقل تقدير؟
في حقيقة الأمر، إن المحلات التجارية المرخصة من الجهات المعنية تملك حساباً ترويجياً في مواقع التواصل الاجتماعي لا تثور معها أدنى مشكلة في حالة حصول أي لغط بين أطراف البيع، طالما أن بيانات أصحابها مقيدة في السجل التجاري، وتخضع في ممارسة نشاطها للرقابة والفحص الدوري من أجهزة الدولة المختصة، كقسم التفتيش على الأغذية بوزارة الصحة، أو إدارة حماية المستهلك.
إلا أن المشكلة تكمن في الحسابات التي تسوق مبيعاتها دون أن يكون لأي جهة حكومية سلطة مراقبتها وتنظيمها، ويزداد عمق المشكلة أكثر مع الحسابات التي تسوق منتجات ذات علاقة بالصحة البدنية والنفسية، كحسابات بيع الأعشاب والعقاقير الطبية وبيع مستحضرات التجميل وما إلى آخره.
لم أقصد من وراء هذا المقال التقليل أو الطعن في مصداقية أي حساب تسويقي بقدر شعوري بضرورة تنظيم هذه المسألة بما يتناسب مع التطور الحاصل في طرق ووسائل البيع الحديثة من ناحية، وبما يصون حقوق أطراف البيع وبشكل خاص المشتري من ناحية ثانية.
إن فضاء مواقع التواصل الاجتماعي مفتوح، ومع هذا الانفتاح لابد أن يقترن معه التنظيم القانوني السليم المواكب له، فكم من مشتر دفع مبالغ لشراء سلعته من أحد مواقع التواصل الاجتماعي كالإنستغرام مثلاً، ثم ما يلبث أن يجدها بخلاف طلبه، أو أن «يغتش» بعقار طبي أو مستحضر تجميلي، فيكتشف أنه مضر بصحته ويعرضه لمخاطر لم تكن في الحسبان، هذا إن لم يكن العقار أو المستحضر ممنوعاً من التداول أصلاً من الجهات الطبية.
في مثل هذه الحالات، كيف يمكن للمشتري المتضرر أن يرجع السلعة المباعة على البائع ليضمن حقه بالتعويض مع حساباتٍ مجهولة الهوية.
صحيح أنه يقع على عاتق المشتري مهمة تقصي الحسابات الموثوقة، ولكن تظل المشكلة عالقة وقائمة إن لم نجد لها الحل المناسب والناجع لها.
وفي هذا السياق، أقترح تنظيم حسابات التسوق المحلية وبشكل أساسي الحسابات الخاصة ببيع المستحضرات والعقاقير الطبية، عبر تقييد وتحديث بياناتها سنوياً بشكل مجاني في السجل التجاري بوزارة الصناعة والتجارة، كأن يكون هناك سجل للأنشطة التجارية الإلكترونية، وأن تسري عليها الاشتراطات والمعايير المناسبة لها.
كما يمكن لإدارة السجل التجاري أن تضع علامة ظاهرة على أيقونة الحساب الخاص للبائع أو المروج، لتمكين المشتري من معرفة الحساب المستوفي لشروط مباشرة النشاط في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخيراً أتمنى أن يؤخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار مراعاة للمصلحة العامة، للوطن والمواطنين. والله من وراء القصد.
حسن المعولي
باحث متخصص في الشؤون القانونية