فيديو رائع أعادني لقراءة التاريخ من جديد
الوصول إلى سواحل أمريكا الشمالية قبل ما يزيد
على 600 عام
الربان في منطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة
شهدنا في المحيط أمواجاً عظيمة كالجبال ترتفع
إلى السماء
لنوصل لأطفالنا شيئاً من أمجاد الماضي تسهم في وضع بذور المستقبل




كتب - علي الشرقاوي:
وصفته بلاده بـ«رسول المهمات الدبلوماسية» ورجل السلام الذي جاب المحيطات ولم يشعل حرباً ولم يقتل أحداً، هو الربان الصيني المسلم تشنغ خه أو حجي محمود شمس الذي اكتشف أمريكا قبل كولومبس بفترة طويلة.
التحريض فعل قوي يحول الإنسان من حالة السلب إلى حالة الإيجاب، قد يكون هناك تحريض لمزيد من السلبية، ولكن هناك أيضاً التحريض الإيجابي، التحريض الذي يحفزك على الدخول في حالة من حالات النظر بشكل مختلف إلى ما قرأت وما وضع في رأسك من معلومات، قد لا تكون صحيحة.
وهذا ما حدث معي بالفعل، فقد أرسل لي الصديق محمد المحميد، من خلال قروبه «متابعي الأخبار» فيديو عن حلقة من حلقات كتاب عمالقة الإسلام الذي يعمل عليه بعد كتاب «عظماء الإسلام المائة» الذي نشر قبل عدة سنوات، وبعد أن شاهدت حلقته، انبهرت بكم المصداقية والبحث الرصين الذي قام به الشاعر والباحث الفلسطيني جهاد الترباني، لإيصال هذه المعلومات المهمة إلينا، نحن المتعطشين إلى المعرفة.
تحريض المحميد الإيجابي، دفعني للدخول في عوالم الصديق الكوني غوغل، والبحث عن محتوى الحلقة وعن شيء من الدراسات عن الشخصيات الإسلامية الخالدة، والبحث عن كتاب الترباني، ولكني توقفت عند الربان الصيني المسلم الذي اكتشف أمريكا قبل كولومبس بفترة طويلة، إضافة إلى دخولي إلى قناة جهاد الترباني التي أسعدتني كثيراً وأنا أتابع بلهفة ما يطرح فيها من إضاءات لم نجدها من قبل، فمن هو هذا الربان الذي اخترق الزمان ليأتي لنا مرة أخرى.
تشنغ خه أو الصيني حجّي محمود
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، نقرأ شيئاً عن حياة هذا المغامر الصيني العظيم، تشنغ خه، وهو صيني، اسم العائلة هو: تشنغ اسمه باللغة العربية هو حجّي محمود شمس تشنغ خه ويسمى بالعربية حجّي محمود وشمس كان بحاراً صينياً مسلماً ولد عام 1371 م في أسرة مسلمة تدعى «ما» من قومية هوي بمقاطعة يونان في جنوب غربي الصين. تربى في بلاط الأمير تشو دي من أسرة مينغ، أمير منطقة يان (منطقة بكين حالياً).
ومن قرأ التاريخ وتعرف على كتاب الترباني سيلاحظ أن العملاق الصيني حجي محمود قام برحلات عديدة زار فيها البلدان التي تقع على سواحل المحيط الهندي وجنوب آسيا وأفريقيا وصل إلى منطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة وكان ذلك في سبع رحلات بحرية استغرقت 28 عاماً حاملاً معه بضائع كثيرة من المنسوجات الحريرية والمجوهرات والعقاقير الطبية الصينية.
تعتبر رحلات تشينغ خه سباقة لرحلات البحار الإيطالي كريستوفر كولومبس والبحار البرتغالي فاسكو ديجاما والبحار البرتغالي ماجيلان. فقد وصل إلى سواحل أمريكا قبل كولومبوس وإلى أستراليا قبل كوك، واحتفلت الصين عام 2005 بمرور 600 سنة على أولى رحلاته الضخمة البحرية التي عبر بها المحيط، بعرض بعض الآثار ذات العلاقة وإصدار مجموعة من الطوابع بهذه المناسبة، معتبرة إياه «رسول المهمات الدبلوماسية» ورجل السلام الذي جاب المحيطات ولم يشعل حرباً ولم يقتل أحداً، ولم يفعل ما فعله كولومبس بالهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين ولا ما فعله كوك البريطاني بسكان أستراليا الأوائل «الأبورجنيين» !
حياة المكتشف المختلف
ولد جينغ هي سنة 1371 من جماعة هوي Hui العرقية ومن المؤمنين بالإسلام في محافظة يونان Yunnan المعاصرة ، أحد آخر المالكين من المغول من سلالة يوان المنغولية Yuan من قبل أن تغزى من قبل سلالة مينغ Ming عمل كمستشار قريب للإمبراطور يونغلي Yongle Emperor الصيني «حكم من1403 إلى 1424ط، وهو الإمبراطور الثالث لسلالة مينغ. من أسلاف جينغ هي الجنرال جينكيز خان.
تبعا لسيرته الذاتية في تاريخ المينغ، كان اسمه جينغ هي الأصلي هو « ما سانباو « Ma Sanbao، ولقد أتى من طائفة سيمو التي تعتنق الإسلام. كان سليل الجيل السادس من السيد شمس الدين عمر، حاكم مشهور ليونان من محافظة بخارى التي موجودة في وقتنا المعاصر في أوزبكستان، اسم عائلته «ما» أتى من الابن الخامس لشمس الدين واسمه منصور. سافر كلا من أبيه Mir Tekin وجد «Charameddin» إلى الحج في مكة، وساهمت رحلاتهما في تعليم الولد الصغير. في 1381، بعد سقوط سلالة يوان، بُعث جيش من المينغ لوقف الثأر المغولي في يونان. وأخذ الولد الصغير الوحيد ذو الأحد عشر عاماً الذي هو جينغ هي أسيراً من قبل الجيش وخُصي، وهكذا أصبح مخصياً. فلقد كانت العادة لدى الصينيين أن يخصوا بعض أسراهم ويجعلوهم يعملون في بلاطهم وقصورهم كخدم لهم ويطلق عليهم جماعة الخصيان، وبذلك أصبح جينغ هي خادماً في البلاط الإمبراطوري. ولقب جينغ هي «الذي يعتبر لقباً ذا مقام رفيع» أعطي له من قبل الإمبراطور اليونغلي لخدمته العظيمة في تمرد يونغلي ضد الإمبراطور جيانوين Jianwen Emperorr، درس في الكلية الإمبراطورية المركزية.
سافر جينغ هي إلى مكة، رغم أنه لم يقم بفريضة الحج، في بداية سنة 1980 رممت مقبرته على أسلوب إسلامي، رغم أن جثمانه قد تم دفنه في البحر. تستخدم جمهورية الصين الشعبية جينغ هي كشعار لدمج الأقلية الإسلامية للأمة الصينية. ويعتبر هناك رمزاً للتسامح الديني.
خلال عام 1431، قام جينغ هي بتنصيب نصب تذكاري في أحد المعابد لإلهة طاوية صينية وتسمى تيان في Tian Fei في محافظة فوجيان، وهو وبحارته صلوا إليها من أجل سلامتهم في البحر. وقد سجل هذا النصب تبجيله لهذه الإلهة وتصديقه في قوتها الإلهية مع بعض التفاصيل القليلة عن رحلاته البحرية. وزُوار Jinghaisi في نانجينغ Nanjing يُذكّروا بتبرعات ومساهمات جانغ هي لهذه المنطقة غير مسلمة.
البعثات البحرية للربان الصيني
بين عام 1405 و1433، بعثت حكومة مينج بسبع رحلات بحرية، ولقد صممها إمبراطور اليونغلي لكي يثبت الوجود الصيني وليفرض سيطرة إمبراطورية على التجارة ولكي يثير إعجاب الشعوب في حوض المحيط الهندي. ويعتقد أيضاً أنه أراد أن يوسع نظام الجزية «العطايا» التي كانت الطريقة التقليدية الصينية الإمبراطورية للتعرف على الشعوب الأجنبية.
عُين تشينغ هي قائداً أعلى على أسطول ضخم وقوة مسلحة التي قادت هذه البعثات، ولقد تضمنت الرحلة البحرية الأولى من أسطول مكون من 317 سفينة محملة ب 28000 قوة مسلحة. لقد تضمنت هذه السفن سفناً ضخمة جداً سميت باسم «سفن الكنز» والتي تعتبر من أضخم السفن البحرية التي عرفها العالم. ويعتقد أن أساطيل تشينغ هي تضمنت العديد من الأجانب كمسلمي تاميل من جنوب الهند وجنوب شرق آسيا.
وكان أسطول زينغ هي يتألف من 62 مركباً عملاقاً، يقدر طول المركب الواحدب 400 قدم، وعرضه ب 170 قدماً، وفيه 9 صور، ومساحة سطحه الرئيسي50000 قدم مربع، حسب تقديرات خبراء الملاحة. وكانت طواقم هذه السفن تضم حوالي 30 ألف بحار وجندي ومئات المسؤولين و180 طبيباً و 5 منجمين وعشرات من المهنئين كالدادين والنجارين والطهاة والخياطين فضلاً عن حشود من المترجمين الذين يتقنون العديد من لغات العالم.
في الثلاث الرحلات البحرية الأولى، زار تشينغ هي جنوب شرق آسيا، الهند، وسيلون التي هي الآن سيريلانكا. الرحلة الرابعة اتجهت إلى الخليج العربي وشبه الجزيرة، والرحلات البحرية التي بعدها جازفت بالتوجه إلى أسفل الساحل الأفريقي الشرقي إلى ماليندي التي تعرف الآن باسم كينيا. قام تشينغ هي خلال رحلاته بتوزيع الهدايا والعطايا الصينية المكونة من الحرير والخزف وبضائع وسلع أخرى. وفي المقابل حصل تشينغ هي على هدايا غير عادية من مستضيفيه ومنها الحمير الوحشية الأفريقية والزرافات والتي وضعت في حديقة الحيوانات الإمبراطورية لمينغ، فكان أول من جلب الزرافة من الصومال الى الصين .
اتبع تشينغ هي في تحقيق أهدافه الطريقة الدبلوماسية، ولقد أخاف جيشه الضخم الكثير من أعدائه وجعلهم يستسلمون له، ولكن في أخبار معاصرة أخبرت أن تشينغ هي سار كالنمر ولم ينكمش عن استعمال القوة عندما اعتبرت ضرورية، فلقد قمع القراصنة الذين أفسدوا المياه الصينية والجنوب شرق آسيوية من دون رحمة، ولقد تدخل أيضاً في حرب أهلية لكي يثبت سلطته في سيلون، ولقد صنع عروضاً لقوته العسكرية عندما هدد مسؤولون محليون أسطوله في بلاد العرب وشرق أفريقيا. جلب تشينغ هي من رحلته البحرية الرابعة المبعوثين من 30 ولاية سافر إليها وأحضرهم إلى البلاط ليظهروا احترامهم لمينغ.
في سنة 1424 توفي الإمبراطور اليونغلي، ووريثه الإمبراطور الهونجزي الذي حكم من 1424 إلى1425 قرر بكبح هذه الرحلات في البلاط. ولقد قام تشينغ هي بآخر رحلة له تحت قيادة الإمبراطور زوندا الذي حكم من 1426 إلى 1435، لكن بعد ذلك انتهت سفن الكنز. توفي تشينغ هي خلال رحلة سفن الكنز الأخيرة. رغم أن لديه قبرا في الصين - وهو فارغ - لكنه في الحقيقة كأي قائد بحري عظيم دفن في البحر، فلقد توفي في أثناء الإبحار.
تشينغ هي في رحلته السابعة، قام بنقل بنجاح عدد من مسلمين الصين إلى ملقا وسومطرة وسورابيا فيإندونيسيا وأماكن أخرى. وأصبحت ملقا مركزا تعليميا إسلاميا وأيضا مركزا تجاريا إسلاميا ضخما للمناطق الجنوبية.
يشير الكثير من الباحثين إلى أن أساطيله الهائلة جابت أرجاء العالم، بما في ذلك الوصول إلى سواحل أميركا الشمالية قبل مايزيد على 600 عام. ويقول البعض إنه تمكن من بلوغ أمريكا قبل «اكتشافها» على يد الرحالة الأوروبي كريستوف كولمبوس..
أظهرت رحلات تشينغ هي قدرات تنظيمية هائلة وقوة تكنولوجية، ولكنها لم تؤد إلى تجارة هامة، لأن تشينغ هي كان قائد أسطول ومسئول حكومي وليس تاجرا. استمر التجار الصينيون بالتجارة في اليابان وجنوب شرق آسيا ولكن المسئولين الإمبراطوريين تخلوا عن أي خطة لاستمرار بقاء الوجود الصيني في المحيط الهندي ولقد دمروا أيضا أكثر المخططات الملاحية الذي قام تشينغ هي بإعدادها بكل دقة. بقيت سفن الكنز الضخمة متوقفة على الموانئ الصينية حتى تهالكت، ونسي الحرفيون الصينيون تقنية بناية مثل هذه السفن الضخمة.
الرحلات البحرية
الرحلة الأولى 1405-1407 م شامبا (فيتنام حاليا) – جافا (جاوة حاليا) – باليمبانج (في إندونيسيا) – مالقا (في ماليزيا) – آرو (في إندونيسيا) – سومطرة (في أندونيسيا) – لامبري – سيلون (سيريلنكا حاليا) – كولام (في الهند) – كوتشين (في الهند) – كلاكوت (في الهند) الرحلة الثانية 1407-1408 م شامبا – جافا – سيام (تايلاند حاليا) – سومطرة – لامبري – كلاكوت – كوتشين – سيلون الرحلة الثالثة 1409-1411 م شامبا – جافا – مالقا – سومطرة – سيلون – كويلون (كولام حاليا - في الهند) – كوتشين – كلاكوت – سيام – لامبري – كايا – كويمباتور (في الهند) – باتمبور الرحلة الرابعة 1413-1415 م شامبا – جافا – باليمبانج – مالقا – سومطرة – سيلون – كوتشين – كلاكوت – كيال – باهانج (في ماليزيا) – كيلانتان (في ماليزيا) – آرو – لامبري – هرمز (جنوب إيران وتواجه سلطنة عمان) – جزر المالديف – مقديشو (في الصومال) – مايليندي (في الشاطئ الشرقي لساحل أفريقيا) – عدن (في اليمن) – مسقط (عمان) – ظفار (عمان) الرحلة الخامسة 1416-1419 م شامبا – باهانغ – جافا – مالقا – سومطرة – لامبرا – سيلون – شارواين – كوتشين – كلاكوت – هرمز – جزر المالديف – مقديشو – براوا (في أفريقيا) – مايليندي – عدن الرحلة السادسة 1421-1422 م هرمز – شرق أفريقيا – الدول التي في شبه الجزيرة العربية الرحلة السابعة 1430-1433 م شامبا – جافا – باليمبانج – مالقا – سومطرة – سيلون – كلاكوت – هرمز... المجموع الكلي لها 17 منطقة قاد جينغ هي 7 حملات لما يسميه الصينيون المحيط الغربي (المحيط الهندي). ولقد أحضر معه الكثير من الهدايا والمبعوثين من أكثر من ثلاثين مملكة، متضمناً ملك سيلون الذي حضر إلى الصين لكي يعتذر للإمبراطور. السجلات للرحلتين البحريتين لجينغ هي والتي تعتقد أنها الأبعد دمرت عن طريق إمبراطور المينغ وليس من الواضح أين أبحر جينغ هي في هاتين الرحلتين. وجهة النظرة التقليدية أنه توجه إلى فارس. والآن النظرة المقبولة بشكل واسع أن رحلاته البحرية اتجهت إلى أقصى قناة موزمبيق والذي دل على ذلك هو اكتشاف مصنوعات صينية أثرية موجودة هناك. وجهة النظر الأخيرة والتي قدمت من قبل «جافين مينزيز» (مؤلف إنجليزي لكتاب: العام الذي اكتشفت فيه الصين العالم «كُتب عام 2002») قال أن جينغ هي قام بالترحال في كل جزء من أجزاء العالم، لكن كل سلطة عملية تعمل في هذا الحقل رفضوا هذه النظرية وقالوا أنها بلا إثبات.
هناك تخمينات وتوقعات أن بعض سفن جينغ هي قد سافرت ما أبعد «رأس الرجاء الصالح». وبالتحديد، وصف الراهب الفينيسي ورسام الخرائط فرا مايرو Fra Mauro في خريطته رحلة سفينة جنك (أكبر السفن الصينية آنذاك) ضخمة من الهند «2000 ميل» إلى المحيط الأطلسي سنة 1420.
ولقد كتب جينغ هي بنفسه عن رحلاته:
«لقد سافرنا أكثر من مئة ألف لي (و هو ما يعادل خمسين ألف كيلو متر) من مساحات البحر الهائلة وشهدنا في المحيط أمواج عظيمة كالجبال ترتفع إلى السماء، ولقد وقعت أنظارنا على مناطق بربرية بعيدة مخبئة تحت أبخرةٌٌ زرقاء خفيفة وشفافة، بينما كانت أشرعتنا تُنشر مثل الغيوم ليلاً ونهاراً مواصلة سيرها بسرعة كسرعة النجوم مخترقة تلك الأمواج الوحشية وكأننا كنا نمشي على طريق عام...». - مأخوذة من لوحة مكتوبة عن طريق جينغ هي، في Changle، فوجيان، 1432.
لنفتح عيون أطفالنا على مناطق قوتنا
النقطة المهمة ونحن نتكلم عن هذا المكتشف الصيني مسلم حجي محمود ـ هو أن نرى جيداً إننا استطعنا أن نقوم بدور حضاري عظيم ، وبدلاً من الاعتماد الكلي على التاريخ الغربي ، علينا العودة لقراءة تاريخنا من جديد . تاريخنا الحافل بالإنجازات الإنسانية العظيمة . ولنوصل لأطفالنا شيئاً من أمجاد الماضي والتي ستساهم في وضع بذور المستقبل الأجمل والأروع والأفضل، وبكل حب أشد على يد الشاعر والباحث الفلسطيني زياد الترباني على عمله المضئ لنا جميعاً.