كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
لم نكد نسأل د.عيسى أمين في دار الاعتماد هل كانت بلادنا محمية أم مستعمرة، حتى بدأت الوثائق تنهمر من كل حدب وصوب بين وثيقة ورسالة سرية كانت أم علنية، لنجد أن كلمة محمية ذكرت عشرات المرات في كل مرة تحدثت فيها بريطانيا عن البحرين أو البحرين عن علاقتها ببريطانيا، بينما لم تذكر كلمة مستعمرة أي مرة، فيما يؤكد د.أمين أن الوثائق تضمنت إشارات واضحة للفرق بين المحمية التي تعني تأمين الحماية وهي كانت للبحرين من إيران، وذلك لم يمنع البحرين من فرض ضرائب على البريطانيين، وبين المستعمرة التي تعني نهب ثروات البلاد.
ويبدأ د.عيسى أمين حديثه بالقول إنه «بين فترة وأخرى يأخذ الجدل حيزاً واسعاً حين يطرح موضوع إذا ما كانت البحرين مستعمرة أو محمية؟، وإذا كانت هي في الفئة الأخيرة لماذا إذاً محمية، ولماذا إذاً نطلق على يوم 15 أغسطس 1971 يوم الاستقلال، ونحتفل بالاستقلال يوم 16 ديسمبر «وهو ذكرى تولي المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة» مقاليد الحكم.
كان يوم 15 أغسطس 1971 هو المناسبة التي ألغت فيها حكومة البحرين كل الاتفاقات السابقة مع حكومة بريطانيا، وتم توقيع معاهدة صداقة بديلة لها وبذلك أصبحت البحرين مستقلة في القرار إذ لم تكن البحرين وفي المدونات السياسية والأرشيف البريطاني تعتبر مستعمرة بل كانت في كل المراسلات محمية مما يجعلنا نعود إلى الأرشيف ونقدم أولاً تعريفاً للمستعمرة والمحمية ومن ثم نقرأ في الوثائق السرية في شأن هذا الموضوع إذ ربما نعطى تفسيراً لما أثير في الجدل المذكور في بداية هذه المقالة.
الاستعمار نهب موارد
ويعرف د.أمين الاستعمار بأنه «استيلاء قوة عظمي على أمة من الأمم الضعيفة، يصاحبه عملية انتقال أعداد كبيرة من مواطن الأمة القوية وتأسيس مستعمرات في مناطق الأمة الضعيفة إلى جانب السيطرة الكاملة على موارد المستعمرة، وإدارة دوائرها وسن قوانينها وتعيين حكومة من قبل القوة العظمي لتحكم المستعمرة وتطبق الأنظمة والتعليمات الصادرة من حكومة القوة العظمي على سكان المناطق التابعة للأمة الضعيفة وعدم إعطاء سكان هذه المناطق أية حقوق تتعارض مع مصالح القوة المستعمرة وخلق مزيج ثقافي تضيع فيه الجذور الثقافية والإثنية للبلد المستعمر، وتكاد الغالبية من الدول الأوروبية قد مارست الاستعمار على مناطق كثيرة من آسيا وأفريقيا وقامت أمم أخرى شرقية بأخذ نفس المنهج، مثل الدولة العثمانية وإمبراطورية اليابان وإمبراطورية الصين، وقد قاد نضال الشعوب ضد الحكم الاستعماري إلى إعادة تشكيل العالم ورسم الحدود المعروفة حالياً بين الدول المختلفة.
الحماية تصد للأخطار
تعني أن تكون البلاد أو المنطقة المحمية بواسطة قوة أكبر وأقوى وتكون المحمية عادة في حالة ضعيفة وتطلب الحماية من القوة الكبيرة من خلال توقيع معاهدات تقوم فيها الأخيرة بحماية المحمية من أي أخطار داخلية أو خارجية ولكنها في نفس الوقت من المفروض أن لا تتدخل في أمورها الداخلية، وفي بعض الحالات تقوم القوة الكبرى بمساعدة المحمية مالياً وفنياً وإدارياً ولكنها لا تطبق السيطرة المباشرة على هذه الأمور ولا تضع قوانينها.
وفي السرد التاريخي يتضح أن اتفاقية 31 مايو 1861 كانت مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وبداية دخول البحرين في الحماية البريطانية، وفي 31 مايو 1861 تم توقيع اتفاقية الحماية بين الشيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين ممثلاً للسلطة في البحرين والمقيم السياسي لحكومة صاحبة الجلالة الملكية في بوشهر الكابتن فيلكس جونز نائباً عن الحكومة البريطانية.
اتفاقية بين البحرين وبريطانيا
ويقول د.عيسى أمين إن نص الاتفاقية بين البحرين وبريطانيا تضمن ما هو منسوب لحاكم البحرين: «إنه بسبب الخلافات القبلية التي تؤدي إلى صراعات بحرية في الخليج فأنا الشيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين المستقل من طرفي ونيابة عن أبنائي والتابعين لي وفي حضور الشيوخ والكبار من أتباعي والذين هم شهود على هذه الوثيقة فإني أوافق على اتفاقية الأمن والسلام مع الحكومة البريطانية والتي سوف ينتج عنها ازدهار التجارة والأمن لكل المقيمين على سواحل الخليج أو المسافرين فيه».
المادة الأولى: إنني ألتزم بكل الاتفاقات السابقة الموقعة بين شيوخ البحرين والحكومة البريطانية سواء بصورة مباشرة أو من خلال الوكلاء المعتمدين نيابة عن الشيوخ.
المادة الثانية: إنني أوافق على الامتناع عن أية اعتداءات بحرية بكل أنواعها سواء كانت اعتداءات حربية أو أعمال نهب أو التجارة في الرقيق عن طريق البحر بشرط أن أكون أنا وبلدي في موضع حماية من قبل الحكومة البريطانية ضد أية اعتداءات مماثلة من الأطراف الأخرى.
المادة الثالثة: بناء على ذلك فإنني أتعهد بأن أقوم بإبلاغ المقيم السياسي في الخليج عن أية تعديات على شخصي أو بلدي أو المواطنين وبأسرع فرصة مناسبة وترك الأمر له للتحقيق في ذلك ومعالجة الأمور المترتبة عليها، مؤكداً مرة أخرى أنه لن يحصل أي عمل عدائي تجاه أية قبائل أخرى في مياه البحرين أو باسمها سواء من قبلي شخصياً أو التابعين لي، وذلك دون موافقة المقيم السياسي أو الحكومة البريطانية، وفي هذه الحال سوف نطالب من المقيم السياسي شخصياً بالحصول على التعويضات اللازمة في أي اعتداء على البحرين أو توابعها في مياه الخليج.
وبالمثل أتعهد أنا الشيخ محمد بن خليفة بتعويض أي طرف وقع عليه اعتداء من قبلي أو من قبل المواطنين التابعين لي، وذلك بعد صدور الحكم العادل في مثل هذه القضايا.
المادة الرابعة: من حق الرعايا البريطانيين -أياً كانت انتماءاتهم- في الإقامة والتجارة بكل حرية في البحرين على أن تكون هناك ضريبة وقدرها 5% على بضائعهم سواء كانت مدفوعة بالدراهم أو البضائع ولن تكرر هذه الضريبة على البضائع العابرة إلى مناطق أخرى من موانئ البحرين في حال تصديرها إلى الخارج، وفي حال حدوث خلاف أو القيام بأي عمل مخالف للقانون فإن القرار بعد التحقيق سوف يكون للمقيم السياسي وخاصة إذا ما لم يتمكن الوكيل المحلي من الفصل في هذه المواضيع، وبالمقابل سوف يبذل المقيم السياسي جهده للحفاظ على أمن مواطني البحرين في كل موانئ الخليج التابعة للقبائل العربية والمتحالفة مع حكومة بريطانيا.
المادة الخامسة: سوف تكون هذه الاتفاقية وموادها نافذة حال موافقة الحكومة البريطانية عليها.
كتبت في البحرين في 20 ذي القعدة 1277 الموافق 31 مايو 1861.
وتم التوقيع عليها من قبل فيلكس جونز المقيم السياسي في الخليج الشيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين، الشيخ علي بن خليفة «أخ الحاكم» الشهود: الشيخ حمد بن محمد ابن عم الشيخ محمد بن خليفة، الشيخ أحمد بن مبارك ابن عم الشيخ محمد بن خليفة، الشيخ خليفة بن محمد ابن عم الشيخ محمد بن خليفة، وقد تمت الموافقة على هذه الاتفاقية بواسطة رئيس المجلس الحاكم في التاسع من أكتوبر 1861 وصدق عليها بواسطة حكومة بومبي في 25 فبراير 1862.
وبالموافقة على هذه الاتفاقية دخلت البحرين تحت الحماية البريطانية.
بناء على تلك الاتفاقية وفي أعوام قادمة أثبتت بريطانيا بأنها ملتزمة بحماية البحرين، ولذا فإن الأرشيف البريطاني يحتوي على مراسلات وبرقيات سرية ومهمة بهذا الصدد نعرض البعض منها في أزمنة مختلفة ولكنها كلها تتحدث عن موضوع الحماية.
برقية (1)
هذه البرقية يجب أن تعامل على أنها سرية ويحتفظ بها كل من تصل إليه.
من البحرين إلى وزارة الخارجية 17 نوفمبر 1948 «سري»:
- لقد أبلغت شيخ البحرين بمحتوي البرقية رقم 185 ولكنه أصر مجدداً على طلبة بالتأكيد كتابياً.
- وأنا على علم بما حدث في مجلس العموم في سبتمبر 1941 حين ذكر العضو السيد مايهو بأن حكومة إيران مدركة بأن البحرين بلد عربي مستقل يتمتع بوضع خاص مع بريطانيا والتي تؤكد حمايته.
- حيث إن الموضوع تمت طباعته ونشره فإني لا أرى أي سبب يمنع إرسال نسخة منه للشيخ في البحرين للاطلاع عليه وربما هذا يعطيه التأكيد المطلوب، لذا أرجو إرسال نسخة من السؤال والجواب في مجلس العموم لكي أقدمها للشيخ البحرين.
- في نفس اللقاء طلب الشيخ ضرورة تأكيد الحماية ضد أي عدوان خارجي وإنني بصدد البحث في هذا الموضوع.
برقية (2)
23 ديسمبر 1948، من البحرين إلى وزارة الخارجية «سري»:
- لقد أصر الشيخ في لقائي الأخير معه على تعهد مكتوب من حكومة بريطانيا يؤكد أن البحرين تحت الحماية البريطانية وضمان عدم اعتداء أحد عليها أو على مواطنيها.
- لذا علينا أن نشير إلى اتفاقية 1861 وأن نطلب من جانبنا من الشيخ الالتزام بمواد الاتفاقات معنا.
- أرجو إبلاغي بموافقتكم على إذا ما كنت أستطيع إبلاغ الشيخ بموافقة حكومة بريطانيا على طلبه وعليه الالتزام من جانبه بما هو مطلوب منه «نسخة إلى السفارة البريطانية في القاهرة».
رسالة 1949
- عزيزي السير روبرت «المقيم السياسي في البحرين روبرت ويليام هاي»، حيث انتقلت دار المقيمية إلى البحرين في 1947، ولقد حصلت على الكفاية من الوقت لدراسة طلب شيخ البحرين، والذي تم ذكره في رسالتك بتاريخ 23 ديسمبر 1948، لقد استطعت صياغة رسالة بهذا الخصوص تعطيه التأكيد على مطلبه أرجو أن تقرأها، وربما نطلب من وزارة الخارجية الموافقة على محتواها.
- لا يعجبني طلب الشيخ في حماية رعاياه خارج البحرين وربما طلب الشيخ هذا المطلب، بعد أن أدرك أننا نعطيه التأكيد المطلوب، فأعتقد بأننا في موقف حرج ولذا سوف نوافق على كل مطالبه.
أرجو أن تذكر للشيخ بأننا سوف نستخدم علاقاتنا المميزة مع الكثير من الدول للتوصل إلى اتفاق ودي لاحترام مواطني البحرين المقيمين في مناطق نفوذهم.
وهذا في الحقيقة ما نقوم به تجاه مواطنينا الإنجليز، وهذا يأتي ضمن أهدافنا في حماية البحرين في الخارج وتمثيلها مع القوى الأجنبية.
وبعد عدة مراسلات بين المقيم السياسي في البحرين والخارجية في لندن ترسل الأخيرة برقية سرية إلى المقيم في البحرين بتاريخ 12/5/1949، تستطيع الآن أن تقدم مكتوباً إلى حاكم البحرين تعطيه التأكيدات على الحماية حسب ما ذكرتم في رسالتكم سابقاً مع بعض التغيير في النص بحيث تكون الفقرة التي تقول فيها «إن بريطانيا ستبذل كل جهدها للحماية»، يتم تغييرها إلى أن بريطانيا سوف تقوم بالحماية مثل أية منطقة تابعة لبريطانيا، وتغيير التابعين بكلمة المواطنين.
- أرجو أن تدرك أن كلمة مثل المناطق التابعة لبريطانيا تعني ضرورة التخلي عن منطقة معينة لظروف خاصة، ولكن لا يعني ذلك بطبيعة الحال تخلي حكومة صاحبة الجلالة عن هذه المنطقة بصورة نهائية، إذ إنها سوف تقوم باسترجاعها سواء عن طريق الحرب أو السلم، على ألا تذكر ذلك للشيخ، ولكن إذا أخذك الحديث إلى ذلك الاتجاه تستطيع أن تؤكد ذلك.
- لا أعتقد أننا نحتاج إلى نص مكتوب يؤكد للشيخ التزامنا بحمايته، حيث إن الواقع الحالي يبدو للعالم بأن علاقة حكومة صاحبة الجلالة مع المناطق التابعة لبريطانيا هي علاقة بعيدة عن الأمور السياسية، لذا لا أعتقد أنه هناك حاجة للإعلان عن هذه الرسالة، وأقترح وضع كلمة محمية قبل منطقة، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فإن وضع البحرين في المناطق «ذات اللون الأحمر» على الخريطة يعطيها الحماية الكافية من قبل حكومة صاحبة الجلالة. في 31 مايو 1949، يرسل المعتمد البريطاني في البحرين رسالة إلى المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رسالة يطلب فيها بالمقابل تأكيداً منه على التزامه هو ومن سوف يخلفه بالمعاهدات مع حكومة بريطانيا، ويطلب تأكيداً على أن حكومة البحرين سوف تستخدم مستشاراً مالياً بريطانياً دائماً ويجب أن يكون مقبولاً لدى حكومة صاحبة الجلالة، وأن التعهد المقدم بالحماية للبحرين يقابله موافقة «مكتوبة « من الشيخ على الطلب الأول، وألا تنشر نصوص المراسلات ولكن بالإمكان عرضها على أفراد العائلة الحاكمة والأشخاص الذين يهمهم الأمر.
رسالة لندن 1949
يقول المقيم السياسي في البحرين في رسالته إلى وزارة الخارجية في 21 يونيو 1949 إن «شيخ البحرين وافق على محتوى الرسالة السابقة والتي تعني بأن حكومة بريطانيا سوف تقوم بحماية البحرين ورعاية أمور مواطنيها في البلدان الأجنبية وهو على أتم الاتفاق في تقديم ما طلب منه كتابياً، أما بالنسبة إلى المستشار المالي والبريطاني الجنسية فإن الشيخ أكد موافقته على ذلك ووافق على أن يكون مقبولاً لدى حكومة صاحبة الجلالة، ولكنه طلب بأن يكون هذا المطلب قائماً بذاته ولا علاقة له بطلب الحماية، وفي نفس الوقت أبدى رغبته في الحصول على الدعم من طرف الحكومة البريطانية في مطالبته بالزبارة قبل أن يقدم موافقته الكتابية على مطالبنا منه.
نحن لم نعد نسمع عن مطالب إيران في البحرين، ولذا أعتقد بأن الشيخ لن يصر كالسابق على ضمان الحماية، وفي هذه الظروف لا أعتقد بأني سوف أتمكن من الحصول على وعد منه بخصوص المستشار المالي الأمر الذي ربما إذا تمت موافقتكم التخلي عنه في أية مناقشات قادمة، أرجو منكم تأكيد ذلك.
إلى السيد ب أب بوروز ، وزارة الخارجية في لندن.
رسالة 1951
ويقول المقيم السياسي في البحرين في رسالة سرية بعث بها في 10 يوليو 1951 إلى الوزير الأول في وزارة الخارجية في لندن..
سيدي: أرسل لكم نسخة من الرسالة التي تقدمت بها إلى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين في 9 يوليو 1951، وأكدت فيها حمايتنا له حسبما ورد في برقيتكم رقم 393 في الخامس من يوليو 1951، عندما استلم الشيخ سلمان الرسالة أبدى ارتياحه وتقدم بالشكر لحكومة صاحبة الجلالة على تأكيدها حماية البحرين ضد أي تدخل أجنبي وعلى كل المواقف السابقة التي أثبتت ذلك وأنه يدعو دائماً في صلاته أن تستمر هذه العلاقة بين البحرين وبريطانيا للأبد وأخبرني بأنه يدرك الآن عدم ضرورة نشر هذه الرسالة، وأنا من طرفي سوف أرسل نسخة من هذه الرسالة إلى سفارتنا في طهران وواشنطن.
توقيع: وليام روبرت هاي، المقيم السياسي في البحرين
وبهذه الرسالة المترجمة أصبح من الضروري تأكيد ما بدأت به بأن البحرين ومنذ اتفاقية، 13 مايو 1861 وإلى إعلان الاستقلال في 15 أغسطس 1971 كانت محمية بريطانية وليست مستعمرة.

«السبت القادم يتواصل الحوار مع د.عيسى أمين ليفتح ملف الأندية والجمعيات في البحرين»