التشكيلي والفوتوغرافي عبدالعزيز الزباري.. اسم وإن غيبة الموت أمس الأول إلا أنه سيظل باقياً في ذاكرة الوطن.
يجسد عبدالعزيز الزباري بسنوات عمره 78 ذاكرة خصبة سجلت تاريخ وطن من الثلاثينات حتى يومنا هذا، إذ يملك آلاف الصور التي يمكن أن تغطي مساحات شاسعة من المناطق التي اندثرت أو في طريقها إلى الاندثار، ليبقى هذا الإرث أمام وزارة الثقافة لطباعتها ونشرها ليستفيد منها الباحثون في تاريخنا الحديث، وتعطي للجيل الجديد صورة بانورامية عن كيفية حياة الآباء والأجداد.
لم يطله التكريم الذي حظي به كثيرون أقل إبداعاً وعطاء وتميزاً، رغم مساهمته كفنان تشكيلي مع إخوته الذين رحل منهم من رحل واعتزل من اعتزل بعد أن أتعبه العطاء دون مردود أو شكر أو تكريم.
ليس فناناً تشكيلياً فحسب ، بل هو مربٍ فاضل عمل في سلك التعليم، وهو أحد مؤسسي أسرة هواة الفن، حيث ساهم في إنجاح المسرح البحريني، وهو مؤلف و«مكياجيست» ومصمم ديكور للعديد من الأعمال الفنية المسرحية في الخمسينات والستينات.
أسس الزباري مطبعة ساهمت في نشر الثقافة وطباعة العديد من الأعمال الثقافية، ولم يبخل بها تالياً على أبناء أعز أصدقائه عندما اضطرتهم الظروف الصعبة أن يستدينوا فتنازل بها إلى ورثة الصديق مبتسماً، متمنياً أن تساعدهم في إصلاح حال الأسرة، تركها لهم دون مقابل رغم حاجته لها،
تبنى الزباري الكثير من المواهب الفنية في مجالي الفن التشكيلي والمسرحي، وخرج من تحت يديه العديد من أهل الفن. بعد أن أخذت الحياة زهرة شبابه وكل ما يقوى على تقديمه أحيل إلى التقاعد، وأصبح لا يملك شيئاً رغم سنين أفناها في الكد والعمل، فهو رجل يموت كالأشجار واقفاً. يعد الفنان الراحل من بين أهم وأبرز فناني الرعيل الأول في الحقل الفني التشكيلي، كانت له إسهاماته الفنية والثقافية، التي كانت سبباً في تأسيس عدد كبير من الفنانين الشباب آنذاك فكرياً ومعرفياً، كما كان الراحل من بين أربعة وثلاثين فناناً تشكيلياً عملوا في ثمانينات القرن الماضي، على تأسيس «جمعية البحرين للفنون التشكيلية» وتكللت جهودهم بالنجاح، ففي قرارها الصادر يوم 10 أبريل من العام 1982 الموافق للسابع والعشرين من شهر جمادى الثاني من العام 1403 للهجرة، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك إشهار جمعية البحرين للفنون التشكيلية، حيث كان لإسهامات الفنان الزباري الدور الكبير في ترجمة أهداف الجمعية إلى واقع ماثل، كما أنه كان من بين أولئك النخبة التي وضعت بصمتها الواضحة في مسيرة الحركة التشكيلية في الداخل البحريني والخليجي، مثل عبدالله المحرقي، عباس المحروس، وأحمد باقر.
نشأ عبدالعزيز الزباري في فضاء مفتوح على كل الأجواء والديانات والألوان واللغات، فقال عن ولادته في أحد المقابلات الصحافية معه: «جئت مع أكبر حريق في المنامة سنة 1936، ولعل كل هذه الحرارة في داخلي منه». نشأ في حي الفاضل، كان ورفاقه يدخلون البحر، وفي (دكان) والده وسط سوق المنامة تقريباً، وحوله مجموعة دكاكين لتجار يهود.. ففي تلك الأجواء لم يكن هناك مجال للطائفية أو للتعصب الديني.
أحب الزباري النشاط الرياضي في المدرسة، كما أحب مادتي الجغرافيا والتاريخ، انطلق حبه للكاميرا من خلال «أسرة التصوير الفوتوغرافي» في المدرسة، ليدخل من خلالها لعالم الصورة، وتبدأ عينه في التقاط المشاهد ليضعها في أطر إبداعية مختلفة.
بين الأسواق والفرجان وعيون الماء، جالت كاميرا زباري تلتقط الصور، هذه الكاميرا التي كان اقتناؤها حلماً له في فترة من الفترات.. ليرحل اليوم بعد سنوات من حملها تاركاً إياها على منضدة الحياة، مع كنز من الصور التراثية.