جاء الأمر السامي للعاهل المفدى مطلع الشهر الجاري بطباعة "مصحف البحرين الشريف" ليضيف إنجازا جديدا في سجل الخدمات التي قدمتها المملكة ولا زالت تقدمها في مجال العمل الإسلامي برمته ولحفظة وقراء كتاب المولى عز وجل بشكل خاص.
ويأتي المصحف الجديد وهو الأول من نوعه الذي يُنسب جهد تدشينه للبحرين، كتابة ومراجعة وطباعة، على غرار تلك المصاحف الشريفة المشهورة التي طُبعت في كبريات الدول الإسلامية في مصر والسعودية وغيرها، وكانت نبراسا هاديا لكل من يعمل في مجال العمل الإسلامي، وعكست اهتمام هذه الدول الرائدة ورعاية أجهزتها وقيادتها بالقرآن الكريم من حيث نشره وتعليمه وتلاوته.
وقد تزامن الاحتفال بهذه المناسبة الجليلة التي جاءت في العشرة أيام الأخيرة من أيام شهر رمضان المبارك مع عدد من المناسبات الجليلة الأخرى، التي شَرُفت بها البحرين وكرست من دورها في خدمة الإسلام والمسلمين، فضلا عن كتاب الله عز وجل..
ولعل من بين أهم هذه المناسبات المتزامنة مع حفل تدشين مصحف البحرين الشريف، اختيار العاهل المفدى من قبل الهيئة العالمية للقرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي كشخصية العام 1434 ه في خدمة القرآن الكريم، كما كانت البحرين وقبل نحو أسابيع وتحت رعاية العاهل المفدى أيضا ملتقى لحفل ختام مسابقة البحرين الكبرى الرابعة عشر لحفظ القرآن الكريم، التي عكس استمرارها ورعاية القيادة السياسية لها مدى عناية المملكة بكتاب الله عز وجل، هذا بالإضافة إلى استضافة المملكة قبل عدة أشهر للمؤتمر العالمي الثاني لتعليم القرآن الكريم، الذي أكد حرص البحرين وقيادتها على خدمة القرآن الكريم ورعاية حفظته.
وواقع الأمر أن "مصحف البحرين الشريف" لم يكن وليد اللحظة الراهنة، وإنما هو خلاصة جهد متواصل تبذله المملكة بتوجيهات كريمة من العاهل المفدى لأهل القرآن وحفاظه، خاصة بعد أن وصل عدد مراكز التحفيظ في البحرين إلى نحو 116 مركزا للذكور فضلا عن 69 مركزا للنساء بعدد طلاب إجمالي يصل إلى نحو 23 ألف طالب وطالبة، الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إخراج المصحف الجديد إلى النور بعد أن مر بعدد من مراحل التجهيز والإعداد والتدقيق، وكانت سببا في أن يحظى بهذه الأهمية والعناية القصوى، ولعل ما يؤكد ذلك:
1 ـ تميز المصحف الجديد بسمات مختلفة عن غيره من حيث الطباعة والإخراج وما إلى ذلك، حيث زيدت المسافات بين أحرفه مما يساعد في إراحة الأعين الناظرة إليه وبما يسهل من قراءته ودراسة وحفظ آياته، وإضافة إلى أن مخطوطته هي نسخة مملوكة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وخُطت وصممت زخارفها خصيصا للبحرين، وستكون أصلا لطباعته وتداوله مستقبلا، فإنه سيجعل من المصحف المتداول في أيدي القراء والحفظة والمتعلمين نسخة بحرينية بالأساس ولأول مرة في تاريخها، مما سيضمن بالتأكيد من توزيعه وزيادة رقعة انتشاره وقفاً لله تعالى داخل البلاد وخارجها.
2 ـ مستوى الدقة والاحتراف الذي حظي به المصحف الجديد، حيث استغرقت عملية التنفيذ نحو عام ونصف العام منذ يناير 2012، وشُكلت لجنة عليا مكونة من 14 عضوا من كبار علماء القراءات والمتخصصين في الرسم والوقف والضبط وعد الآيات من عشر دول عربية وإسلامية للمراجعة والتدقيق، بل وتمت دعوة الحفظة والقراء ورؤساء الحلقات للتدقيق بطريقة التهجي في مسجد الفاتح في نهاية مايو الماضي، الأمر الذي أتاح قدرا من المشاركة الشعبية الواسعة في عملية التنقيح والمراجعة، ومن ثم سيكفل إحداث تطور نوعي في دراسة العلوم الشرعية المرتبطة بكتاب الله داخل البلاد.
3 ـ الأثر القيمي، الديني والأخلاقي والاجتماعي، الذي يمكن أن ينتج عن طباعة مصحف شريف باسم المملكة، إذ لا يخفى ما قد يحدثه ذلك في نفوس النشء من جهة والكبار من جهة أخرى، فإضافة لتكريس الوعي والإدراك بأهمية القرآن في حياة الناس، وأنه يقع على رأس أولويات الدولة وضمن تصورات صانعي القرار بها، فإن للقرآن الكريم أثره الذي لا يُنكر في تقويم المجتمع وأفراده ودفعهم دفعا إلى المضي قدما في مسيرة التقدم والتطور التي اختطوها لأنفسهم وقوامها الأمن والاستقرار المجتمعي بعيدا عن بواعث ومسببات الإثم والشرور.
وحقيقة الأمر أنه ليس بغريب على المملكة هذا الجهد الدؤوب في العناية بالقرآن الكريم والقيام على خدمته ورعاية حفظته وقرائه وأهله، خاصة منذ أن افتتح سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 1967 مركز أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه، وهو العام الذي كان بداية تدشين البحرين لسلسلة من المراكز والحلقات القرآنية التي انتشرت في أرجاء المملكة.
ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن، شهدت البحرين نقلات نوعية في مجال خدمة القرآن الكريم والعلوم المرتبطة به، ومن بين أهم هذه النقلات:
ا ـ إنشاء إدارات متخصصة لمتابعة وتطوير مراكز تحفيظ القرآن الكريم ومعاهد العلوم الشرعية، وذلك ضمن جهود العمل الخيري التي شملت من بين ما شملت إعمار المساجد وتزويدها بما يلزم ومساعدة المحتاجين في شتى أنحاء البلاد.
ب ـ الانخراط والمشاركة بفاعلية في المسابقات المتخصصة في حفظ وتلاوة وتجويد وتفسير القرآن الكريم والتي احتل فيها مواطنون مراكز متقدمة نتيجة الجهد المبذول في تأهيلهم لهذه المحافل الكبرى.
ج ـ التوسع والانتشار عالميا في مجال نشر رسالة الإسلام، سيما في الدول ذات الحاجة لكتاب الله عز وجل، وهنا يمكن إبراز حملة المليون مصحف التي دشنتها البحرين في يناير 2012 وهدفت إلى جمع تبرعات لطباعة المصحف الشريف وإهدائه لدول أفريقية.