كتبت - سلسبيل وليد:
كشفت اللقية الأثرية النادرة في موقع تنقيب قلعة البحرين وهي لوحة طينية مسمارية تعود إلى العام 503 - 504 قبل الميلاد عن معلومات تثبت حكم الإمبراطورية البابلية للمنطقة إذ كتب عليها: «العام التاسع عشر من حكم داريوس، ملك بابل والأراضي الأخرى»، فيما مازال فريق البحث بهيئة الآثار والثقافة يدرس ويحلل اللقية الأخرى المتمثلة بقطعة ذهبية فيها طبع لشكل امرأة تعود إلى فترة تايلوس، فيما قالت رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لـ»الوطن»: «نحن اليوم أمام اكتشافات أثرية ستغير فهمنا لتاريخنا العريق».
وأظهر مؤتمر صحافي عقدته هيئة الآثار أمس، أن «اللوحة الطينية هي أبرز المكتشفات، حيث كتب عليها باللغة الأكادية عقد بين طرفين لتبادل التمور، وينص العقد على أن كمية التمور يجب أن ترد خلال شهر تشريت (بين سبتمبر وأكتوبر) من العام التالي للعقد»، فيما أشار تحليل اللوحة إلى أن «العقد قد تم محو جزء منه من الجهة الخلفية، وهي عادة اتبعها الأفراد في تلك الفترة عند انتهاء مدة العقد». وأهم ما تشير إليه اللوحة الطينية، بحسب المتحدثين بالمؤتمر «إثبات حكم الإمبراطورية البابلية للمنطقة إذ كتب على اللوحة: «العام التاسع عشر من حكم داريوس، ملك بابل والأراضي الأخرى».
وقالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في مؤتمر صحافي في متحف البحرين الوطني أمس، إن «ما تحمله أوطاننا من تراث وإرث عريق هو المكّون الأول لتأسيس سياحة ثقافية فيها، وما نحن بصدده من إنجازات لمملكتنا هو بالدرجة الأولى عائد إلى المواقع التي حفظت لنا ذاكرة أجدادنا وآبائنا.
وعبرت عن سعادتها بالاكتشاف الذي حققه فريق عمل التنقيب الفرنسي الذي يرأسه د. بيير لومبار.
وحول التراث العمراني لمدن البحرين القديمة والمعرّض لخطر الزوال، قالت الشيخة مي: «في سعينا للكشف عن ماضينا الغني بالجمال، علينا أن نركز على حفظ هويتنا الوطنية المحفوظة في تراثنا العمراني».
وأكدت ضرورة الوقوف إلى جانب ذاكرة الإنسان البحريني، والحفاظ على مدن البحرين القديمة التي تتعرض لحملة تغيير في ملامحها»، داعية «جميع الأطراف للمشاركة في الحفاظ على هوية البحرين وترتيب لقاءات حول أهمية المدن القديمة في جذب سياحة ثقافية لطالما عملت المملكة على إيجادها وصناعتها». وأشادت بـ»حماس المواطنين للحفاظ على المكتسبات الحضارية لوطنهم البحرين»، مؤكدة أهمية «مد جسور التعاون المشترك وضرورة قيام الجميع بدورهم للمحافظة على الإرث العمراني، خلال فترة انتظار عمل المؤسسات الرسمية على تطويره وترميمه». وفي تصريحها لـ»الوطن»، قالت الشيخة مي إن «تاريخنا ما زال قادراً بتفاصيله الحضارية والإنسانية على فتح أبواب جديدة نحو التمسّك بإرث أجدادنا الأوائل»، مشيرة إلى ان «التراث وسيلة لنعبر عن فخرنا بهويّتنا وثقافتنا، التي لا زال رهاننا عليها يصنع وطناً جميلاً ولغة أخرى للتواصل مع العالم». وأضافت أن «المملكة، بتقدير تراثها، استحقت وبجدارة أن تسجل موقع قلعة البحرين على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو». وأوضحت أن «هذا الموقع هو الشّاهد الأجمل على القلعة ومدينتها الدّلمونيّة التي سُجّلت على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ كأوّل موقعٍ تراثيّ بحرينيّ، لذا فهو بدايةُ السّيرة لجعل هذه الحضارات التّاريخيّة مشاعةً بجمالها وعمقها ومقوّماتها لكلّ العالم». وأكدت أن «المواقع التراثية في البحرين تثبت أنها كانت وما زالت قادرة على أن تكون ملتقى للحضارات والثقافات من حول العالم»، مشيرة إلى أن «الثّقافة والتّاريخ والحضارات هي وسيلتنا لأن نجعل من بنيتنا التحتية الثقافيّة تجربة رائدة على الخارطة العالمية ووجهة للسياحة الثقافية التي تعتمد عليها الدول التي تقدّم إرثها وحضاراتها بالشكل الصحيح». من جهته، قال مستشار شؤون الآثار لدى هيئة البحرين للثقافة والآثار ورئيس البعثة الأثرية الفرنسية في البحرين د. بيير لومبار إنه «كان من المؤسف أن يزيل محو المعلومات من على خلف اللوحة اسم المدينة التي شهدت كتابة العقد». وأضاف أن «الاكتشاف الثاني يتمثّل في إناء خزفي مع غطائه، وهو في حالة شبه سليمة، ويحتوي بداخله على بعض الرمل وقطعة ذهبية عليها صورة امرأة، ولا يزال فريق البحث يعمل على تحليل أهمية هذين الاكتشافين وأهمية تأثيرهما على تاريخ البحرين». وتقدم بالشكر للشيخة مي بنت محمد آل خليفة لعملها الدائم وجهودها المستمرة في العمل على رفع الوعي بأهمية التراث الإنساني في المملكة.
وقدم د. بيير عرضاً مفصّلاً حول المكتشاف الأثرية في مكان التنقيب في موقع قلعة البحرين، حيث تم إيجادها خلال آخر فترة تنقيب ما بين شهري مارس وأبريل 2015.
وأشار إلى أن موقع قلعة البحرين يعد واحداً من أهم الموانئ القديمة، موضحاً أن هذه الميزة كانت من أبرز الدوافع لدخول الموقع على قائمة التراث العالمي لليونيسكو عام 2005. وأكد على أهمية متحف موقع قلعة البحرين في حفظ ذاكرة الموقع وحفظها، حيث كان المتحف قد أقيم عام 2008 بدعم من بنك أركابيتا. وأشار العرض الذي قدمه دكتور بيير لومبار إلى أن في موقع قلعة البحرين حوالي 8 أمتار من الطبقات التاريخية الأثرية منذ عصر الإسلام وحتى حضارة دلمون المبكرة. بدوره أكد مستشار الحفاظ على التراث بهيئة البحرين للثقافة والآثار د. علاء الحبشي عند ضرورة الحفاظ على المدن التاريخية والاهتمام ببيوتها القديمة التي تحكي سيرة أبنائها وتاريخهم، معبّراً عن أسفه من التوجه العام من قبل بعض أفراد المجتمع والإدارات المحلية في تشجيع هدم المباني التاريخية وطمس معالمها القيّمة. وأوضح د. الحبشي أن أهداف هيئة البحرين للثقافة والآثار للحفاظ على التراث العمراني في البحرين وبالأخص مدينتي المحرق والمنامة، تتركز حول إلغاء استغلال مسمى «مباني آيلة للسقوط» لهدم مبانى ذات قيمة عمرانية تاريخية وإيجاد آلية لترميمها، وإعادة تأهيلها لتصبح صالحة لسكن أهلها البحرينيين، مع توضيح المسؤولية المشتركة لأفراد المجتمع والمؤسسات الرسمية في الحفاظ على هذه المباني والارتقاء بالمشهد العمراني العام. يذكر أن موقع قلعة البحرين، مسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونيسكو) منذ العام 2005، وهو أول مواقع المملكة التي تسجل على القائمة إلى جانب موقع طريق اللؤلؤ المسجل عام 2012. وبجانب الموقع يوجد متحف موقع القلعة الذي ومن الجدير بالذّكر افتتح في 18 فبراير 2008، ليكون شاهداً على أهمية الموقع الأثري ولحماية الملامح التاريخية وتوثيق الحقبات الأركيولوجية التي شكلت جغرافيا وتكوين هذه المنطقة. ويقع المتحف في السّاحل الشّمالي لمملكة البحرين، ويشكّل موقعه الحافّة التي يطلّ فيها على أجمل المشاهد الطبيعية والعفوية التي تنسجم فيها البيئة البحرية مع الحزام الأخضر للمنطقة. شهد المؤتمر الصحافي حضوراً دبلوماسياً وإعلامياً وثقافياً من المهتمين بالشأن الثقافي في المملكة.