مرت الأيام سريعاً جداً، وجاء الوقت الذي يحصد فيه الطلاب ثمرة جهدهم طوال العام، ويذوقون فيه لذة نجاحهم وتفوقهم، فمن زرع خلال العام الجهد والاجتهاد حصد النجاح والتوفيق، فالامتحانات ما هي إلا أداة لقياس ما تعلمه الطالب وإظهار ما جمعه واكتسبه خلال ذهابه للمدرسة قال الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت أكله ...لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر.
وفترة الامتحانات فترة عصيبة يغلب عليها التوتر والضغط النفسي بالنسبة لأولياء الأمور والطلبة على حد سواء، حيث يطلب الآباء من الأبناء بذل جهد إضافي في هذه الفترة لتعويض ما فاتهم من نقص في الدرجات خلال العام، أو للحصول على المراتب الأولى والدرجات العليا بين الطلاب من أمثالهم.
ويلجا أولياء الأمور لتحقيق ذلك الحلم عن طريق منع الطالب من اللعب، وحرمانه من الراحة، وحثه على مواصلة الليل والنهار في الدراسة والمذاكرة، وتوجه إليه عبارات اللوم والتوبيخ في حال انشغاله أو مطالبته بوقت للراحة.
وهذا الأسلوب خاطئ تربوياً ونفسياً حيث يزيد من خوف الطالب ورهبته من الامتحان وبالتالي يقل تركيزه الذهني في المذاكرة والمراجعة، فعملية المذاكرة للامتحانات هي عملية تراكمية تعتمد على ما تم تحصيله وجمعه منذ بداية العام وحتى الامتحانات النهائية.
فمن فرط في البداية في الإعداد الجيد والمذاكرة المستمرة كان قلقه في فتره الاختبارات أكثر من غيره، وتصبح عملية المذاكرة تقلقه وتمثل بالنسبة له حملاً كبيراً يريد التخلص منه بأي وسيلة.
وهنا نوجه الآباء إلى أهمية تنظيم الوقت للأبناء أثناء عملية المراجعة فالوقت هو الأغلى في هذه الفترة والتفريط فيه قاتل قد يفقد الطالب سنة من عمره، ويضيع جزء من جهده وتعبه.
قال الشاعر:
الوقت أغلى ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
الطالب الناجح هو الذي ينظم وقته ويضع له جدولاً يراعي فيه أوقاته بحيث لا يغفل جانب على آخر، والطالب الذي لا يذاكر إلا في وقت الامتحان، وليس لديه جدول لتنظيم وقته فإنه سيعيش في جو مشحون ومتوتر لا يعرف كيف يبدأ المذاكرة وما هي الأشياء المهمة فيها، فيلجأ إلى طرق ملتوية كالغش أو السهر إلى ساعات الليل المتأخرة فيكون له نتائج عكسية لم يكن يتوقعها وكما قيل:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ...إن السفينة لا تجري على اليبس.
إن تنظيم الوقت فكرة بسيطة جداً لا تأخذ منا الكثير ولكن لها تأثير كبير في مستوى أدائنا وراحتنا النفسية.
وجميل أن يشارك الآباء أبناءهم في هذه الفترة في وضع خطه إرشادية للمراجعة للامتحانات بحيث تكون هذه الخطة شامله يناقش فيها كل ما يتعلق بهذه المرحلة، ويجب أن يراعى عند وضع الخطة تخصيصها وقت للمذاكرة، ووقت للعب والراحة، ووقت للممارسة بعض الأنشطة المرغوبة لدى الأبناء في هذه الفترة كمشاهدة التلفاز، والاتصال بالأصدقاء، أو زيارة قريب ومزاولة أمر محبوب للطالب لفترة قصيرة، الأمر الذي يساهم في رفع الدافعية ويزيد من تحصيله الدراسي، ويسهم في خفض الضغط النفسي والقلق والتوتر لدى الطالب بالإضافة إلى كونه يمثل دافعاً له للإقبال على المذاكرة والدراسة مما يكون له أثر إيجابي على نتائجه في الامتحانات النهائية فيما بعد.
ولعلي أتطرق في هذا المقال إلى ذكر قواعد عامة حري بالآباء مراعاتها عند وضع جدول للمراجعة يراعى فيها احتياجات الطالب النفسية الجسمية والروحية ومنها:-
أولاً:- مراعاة أوقات الصلاة قال تعالى «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً»، فهي العبادة التي من أداها نجح وفاز وتيسرت أعماله، ومن ضيعها خسر وخاب وتعسرت أعماله وجانبه التوفيق في حياته كلها.
ثانياً: مراعاة أوقات الراحة والترويح عن النفس، فكثرة المذاكرة تؤدي إلى الملل والسأم وتزيد التوتر وبالتالي يقلل من استيعاب الطالب فيما يذاكره بعكس الطالب الذي يروح عن نفسه فأنه يكتسب نشاطاً وحيوية تدفعه للمراجعة والمذكرة بلهف وشوق.
ثالثاً: مراعاة فترات النوم وأن الطالب لابد أن يحصل على وقت كاف من النوم لا يقل عن سبع ساعات تقريباً، فإن كثرة السهر تنهك الجسد وتشتت الذهن وتمنع التركيز.
رابعاً: التركيز على الأوقات التي يكون فيها الذهن في أقصى نشاطه وتوهجه وخصوصاً وقت الفجر فإنه وقت مبارك دعا فيه النبي بالبركة لمن استغله.
خامساً: لا بد من البعد عن المغريات والملهيات التي تمنع التركيز، وتشتت الذهن، وتهيئة الجو المناسب للطالب للمذاكرة وعدم إظهار المشاكل في هذه الفترة الحرجة من حياة الأبناء.
وفي الختام نهمس للآباء في هذه الفترة ونقول إن الامتحانات ليست هي نهاية المطاف في حياة الطالب، وإنما هي أمر لا يستحق أن نعطيه أكثر من حجمه، ونحاول أن نخفف عن الأبناء الضغط والتوتر في هذه الفترة بأن نكون بقربهم دائماً وتقديم الدعم والمساندة لهم فيما يحتاجونه.
محمد علي الخلاقي