أكد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أن جائزة عيسى لخدمة الإنسانية تتعدى الحدود المكانية، دون أي اعتبار عقائدي أو جغرافي أو قومي.
وقال جلالته لدى رعايته حفل تسليم الجائزة في نسختها الثانية بمركز عيسى الثقافي أمس، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس الوزراء، إن الجائزة تخطو خطوات واثقة لتتميز عربياً وعالمياً بمجال الخدمة الإنسانية.
وأضاف جلالته أن المنجز الإنساني للراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أكسبت شخصه وبلاده احترام العالم، معتبراً شعب البحرين مثالاً للانسجام والتآخي على أساس العلاقات الإنسانية المتينة.
وأوضح العاهل المفدى أن الفائز بالجائزة أكاديمي هندي كافح من أجل عالم خالٍ من الفقر والجوع والجهل، وعمل على احتضان المعدمين والفقراء، ليوفر لهم فرص العمل والحياة الأفضل.
وذكر جلالته أن د.أشيوتا سامنتا من دولة الهند الصديقة الفائز بالجائزة في مجالي الرعاية الاجتماعية والتعليم، قدم مشروعاً عملاقاً للتعليم والسكن المجاني، ضمن حرم جامعي مستقل، يضم الآلاف من الأطفال والشباب من أفقر العائلات، في إنجاز متفرد لا مثيل له، يعطي مثالاً في البذل والعطاء ونكران الذات.
من جانبه قال نائب رئيس الوزراء رئيس مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، إن الجائزة تكرس جهود الملك ليسود التسامح بين كافة بني البشر حيثما وجدوا.
وأضاف سموه أن الأمير الراحل عيسى بن سلمان كان متصدراً لجموع المحسنين سباقاً لفاعلي الخير باراً بالمعوزين، لافتاً إلى أن أعضاء اللجنة انتقلوا إلى بقاع نائية من العالم لمعاينة المشروعات المقترحة.
وذكر سموه أن سامنتا أنقذ آلاف الأطفال من كل الأجناس والأديان من براثن الفقر لآفاق الأمل، لافتاً إلى أن مؤسسته تؤوي 25 ألف معوز مع مدينة جامعية شاسعة لتعليمهم.
بدوره قال سامنتا إن الجائزة البالغ قيمتها مليون دولار تخصص لإنشاء فرع لمعهد «كالينجا» باسم الأمير الراحل، لافتاً إلى أن شعب البحرين العظيم قدّر ما أنجزه للارتقاء بحياة الفقراء والمجتمعات المهمشة.
ولخص رؤيته بالوصول لمجتمع بشري غني فكرياً ولا جائع فيه ويتمتع الناس فيه بالسلام والرخاء، مؤكداً أن الفقراء تسيطر عليهم الخرافات والمحرومون ينتهجون مسار العنف والإرهاب.
ونصت كلمة العاهل المفدى «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أصحاب السمو والمعالي والسعادة، ضيوفنا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشهد معكم في هذا اليوم نتائج أعمال جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الثانية، وهي تخطو خطوات واثقة على مختلف الصعد، لتتميز كجائزة عربية عالمية في مجال الخدمة الإنسانية، تتعدى الحدود المكانية، دون أي اعتبار عقائدي أو جغرافي أو قومي، غايتها المثلى الحث على خدمة البشرية، وهي ذات القيم والمبادئ التي آمن بها صاحب العظمة الوالد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله، مستلهمة ذلك من تواضعه الجم وقربه الحميم من أبناء شعبه.
إن المنجز الإنساني للراحل الكبير، عبرت عنه روحه السمحة الودود، التي أكسبت شخصه وبلاده احترام العالم، فكانت حافزاً لكل إنسان يسعى ويعمل لخدمة بني البشر والتخفيف من معاناة الإنسان أينما كان.
وهو أمر طالما ألهم مساعينا ليكون شعب البحرين مثالاً للانسجام والتآخي، على أساس العلاقات الإنسانية المتينة مع مجتمعه العالمي، ليعيش في أجواء الانفتاح المستنير، من خلال تثبيت دعائم التكاتف والتسامح، معبرين بهذه المناسبة التي نعتز بها، عن تقديرنا وشكرنا لكل الهيئات والأشخاص الذين عملوا ويعملون لخدمة الإنسانية وخيرها.
لقد سرنا أن يتقدم عدد من الأجلاء العاملين في مجال الخدمة الإنسانية، أفرداً وهيئات من مختلف البلدان، لنيل هذه الجائزة في دورتها الثانية، وأن يتولى التحكيم بينهم خبراء اختصاص عالميين، وأن يفوز بالجائزة أكاديمي عصامي وإنسان متواضع من جمهورية الهند الصديقة، بنى خدماته الإنسانية المتطورة بكفاح متواصل، سعى من خلاله إلى إيجاد مبادرات إنسانية فاعلة من أجل عالم خالٍ من الفقر والجوع والجهل، وعمل على احتضان المعدمين والفقراء، ليوفر لهم فرص العمل والحياة الأفضل.
وأصبح مشروعه واحداً من المشاريع العملاقة، في شرق الهند يقدم التعليم والسكن المجاني، بأحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات، ضمن حرم جامعي مستقل، يضم الآلاف من الأطفال والشباب الذين ينتمون لأفقر العائلات، في إنجاز متفرد لا مثيل له، يعطي بذلك مثالاً يحتذى في البذل والعطاء ونكران الذات، فتحية تقدير وإعجاب للدكتور أشيتا سامنتا على هذا الإنجاز الرائد.
إننا إذ نعرب للدكتور سامنتا عن التهنئة بفوزه المستحق لجائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الثانية، يسرنا أن نشكر سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس أمناء الجائزة على جهوده، مشيدين بدوره وإنجازاته خلال مسيرة عمله، وأثناء قربه من الراحل الكبير.
كما نشكر أصحاب المعالي والسعادة أعضاء المجلس ولجنة التحكيم على ما بذلوه جميعهم من جهد، ولما تميزت به مداولاتهم ومشاوراتهم من حيطة واحتكام للمعايير الموضوعية والإنصاف والتجرد في اختيار الفائز لهذه الدورة، مسترشدين في عملهم بما أكدنا عليه من مبادئ نراها والحمد لله مجسدة في هذا الاختيار الموفق.
ونسأل الله أن تكون جائزة عيسى لخدمة الإنسانية قيمة مضاعفة وداعمة لصرح العمل الإنساني في مملكة البحرين وفي العالم، كما نأمل أن تصبح الجائزة مرجعاً نستحضر من خلاله مبادئ وأعمال فقيد الوطن والإنسانية والد شعب البحرين العزيز صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح الجنان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
من جانبه ألقى سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة كلمة هذا نصها «صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
بهدي من الله عز وجل بادرتم جلالتكم بإحداث جائزة رفيعة القدر، عميقة الدلالة، تحمل اسم والدكم المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، إكراماً لروحه واستحضاراً لذكرى مولده التي تهل علينا اليوم، جائزة يكافأ بها أي فرد أو مشروع أو مؤسسة، تخلص في تقديم خدمة إنسانية، في مجالات مكافحة الفقر والجوع والعناية بالتعليم والصحة والبيئة، وتحسين ظروف المعيشة، وفي مجمل الأعمال والمبادرات التي تعيد البسمة والأمل والسعادة والطمأنينة لمستحقيها في مشارق الأرض ومغاربها.
صاحب الجلالة.. تكمن الرمزية العميقة لهذه الجائزة التي تجمعنا الآن، في كونها تشير إلى ما يميز خصال جلالتكم وشعبكم، كفاعلين دؤوبين على خدمة قضايا الإنسانية في مختلف مجالاتها، تكرسون جهدكم وسعيكم الموصول، من أجل أن يسود التوافق والتسامح والتآخي بين كافة بني البشر، حيثما وجدوا.
شرفتموني جلالتكم للمرة الثانية بترأس مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية، وهي التفاتة كريمة معهودة من جلالتكم أعتز بها لعدة أسباب، في طليعتها أني تشرفت بالقرب من الراحل الكبير، وكنت شاهداً طوال سنوات على ما كان يتصف به المغفور له بإذن الله تعالى والدكم القائد الإنسان، من أخلاق نبيلة وسجايا إنسانية رفيعة وتواضع جم، تجلت كل تلك المناقب في حبه لعمل الخير، والرأفة بالضعفاء، والعطف على المحتاجين.
ورغم جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه، فإنها لم تشغله أبداً عن التفكير المستمر والاهتمام بقضايا شعبه الوفي، كان رحمه الله متصدراً لجموع المحسنين، سباقاً لفاعلي الخير، باراً بالضعفاء والمعوزين، عطوفاً ومواسياً للمرضى، متابعاً ومستفسراً عن أحوال معاناتهم، فهم الأبناء الطيبون، وهو الأب الحنون، يبادلهم المحبة بتلقائية ويقاسمهم المودة بصفاء.
وحين ننظر إلى أعماله الإنسانية طيب الله ثراه، نرى كيف عبرت عنه روحه السمحة الودود التي أكسبت شخصه وبلاده احترام العالم، فكانت حافزاً لكل إنسان يسعى ويعمل لخدمة بني البشر، والتخفيف عن معاناة الإنسان أينما كان.
والتزاماً بنص المرسوم الملكي المؤسس للجائزة، انكبت لجنة التحكيم لتختار من يستحق هذا التكريم الاستثنائي، معتمدة منهجية دقيقة وأسلوباً تشاورياً شفافاً، بالاستماع إلى كل رأي حصيف ومفاضلة موضوعية بين الأسماء والمشاريع والمؤسسات.
وفي سياق الحرص على النزاهة، وتوخي العدل والإنصاف، بذلت لجنة التحكيم جهوداً متصلة، فاستطلعت وتحرت بشأن مختلف المبادرات والمشاريع التي تصب في خانة العمل الإنساني بمختلف أرجاء العالم، متوخية استيفاءها للشروط المؤهلة، حيث انتقل بعض أعضاء اللجنة إلى بقاع نائية لمعاينة المشاريع المقترحة والتأكد منها على الطبيعة، بغية التحقق من جدواها، قبل اختيارها ومعاينة قيمتها وأهدافها، وهل تصل حقاً إلى الشرائح المستهدفة؟
ويساور أعضاء اللجنة اطمئنان وقناعة أنهم اجتهدوا قدر الإمكان، واعتمدوا أهم المعايير، آخذين بعين الاعتبار الحيثيات السليمة قبل الحكم، حيث سادت مداولاتهم في كل أطوارها روح التكامل والتشاور، فوقع اقتراح اللجنة على من توسمت في مشروعه الخير، ومن تتوفر فيه الشروط المؤهلة للفوز بنيل هذه الجائزة المميزة.
ونحمد الله الذي هدانا ووفقنا في تطبيق المعايير المؤسسة للجائزة، فوقع اتفاقنا بوعي وإجماع، على اختيار الفائز أشيوتا سامنتا مدير ومؤسس معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية بجمهورية الهند الصديقة، الذي تعتبره اللجنة قدوة في عمل إنساني رائد ومميز، يتمثل في إنقاذ آلاف الأطفال واليافعين بناتاً وذكوراً، من كل الأجناس والأديان، يخرجهم من براثن وآفات الفقر والتشرد والحرمان، إلى آفاق الأمل والعمل والإنتاج.
تؤوي مؤسسته قرابة 25 ألف نزيلاً معوزاً، وبموازاة ذلك، شيد الدكتور أشيوتا سامنتا صرحاً تعليمياً هو عبارة عن مدينة جامعية شاسعة، تستقبل آلاف الطلاب، يتلقون في معاهدها وكلياتها التعليم والتدريب في مختلف التخصصات.
صاحب الجلالة.. لم يكن مجلس الأمناء ليصل إلى هذه النتيجة، لولا متابعتكم واستفساركم عن عمل المجلس والأشواط التي قطعها، بغية تقديم أي مساعدة يتطلبها السير الطبيعي والناجح لأعماله، معبرين عن الشكر والتقدير لجلالتكم، ولكل من ساهم في هذه الجهود الخيرة وبخاصة أصحاب المعالي والسعادة أعضاء مجلس أمناء الجائزة ولجنة التحكيم الدولية.
ونتمنى أن تستمر هذه الجائزة منارة إنسانية، دالة على ما يختزنه شعب مملكة البحرين من نزوع متأصل نحو فعل الخير، والإسهام بكل إمكاناته وطاقته، بما يسعد الإنسانية ويؤلف بينها، داعيين الله التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وشاهد جلالة الملك المفدى والحضور فيلماً وثائقياً تناول سيرة الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
بينما ألقى عضو لجنة التحكيم الجائزة بنسختها الثانية أمين عام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» د.جاك ديوف كلمة قال فيها «إنه لشرف كبير أن نسعد اليوم بترأس جلالتكم حفل تسليم جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الثانية، وفق توجيهاتكم السديدة والتزاماً بنص المرسوم الملكي بإنشاء الجائزة، عملت لجنة التحكيم طوال السنة والنصف الماضية على دراسة وتتبع وتحليل مختلف المشاريع والأسماء التي عرض عليها لاختيار الشخص أو المشروع أو المؤسسة الجديرة بهذه الجائزة.
إنكم بهذه الجائزة الإنسانية الفذة، تعبرون عن روح الوفاء التي تكنونها وشعبكم المعطاء لوالدكم المرحوم صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، مشيدين بما قدمه رحمه الله لشعب البحرين الوفي.
وتعربون جلالتكم بهذه الجائزة أيضاً عما تتحلون به وشعبكم من خصال إنسانية قوامها الانفتاح والتسامح والاحتفاء بالإنسان، دونما اعتبار لجنسه أو لعرقه أودينه أو هويته، وبذلك تساهمون جلالتكم في زرع بذور التفاهم والسلام والخير بين بني البشر.
إن هذه الجائزة التي أسستموها يا صاحب الجلالة عام 2009، بهدف تكريم وتثمين جهود الأفراد والهيئات التي تقدم خدمات عالمية ومميزة للبشرية في قطاعات خدمة الإنسانية، تؤكد اليوم أهدافها النبيلة والسامية في هذا الحفل الذي تشرفونه برعايتكم الكريمة.
ويغمر أعضاء لجنة التحكيم شعور عميق بالسعادة والارتياح، أن تم اختيار الدكتور أشيوتا سامنتا من دولة الهند الصديقة ليفوز بجائزة عيسى لخدمة الإنسانية، وذلك لدوره الريادي وتضحياته الهائلة من أجل محاربة الفقر والعوز، وتوفير سبل التعليم لمئات الآلاف من الأطفال، فهنيئاً له بهذا التقدير المستحق.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل إلى سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس أمناء الجائزة، وأصحاب المعالي والسعادة أعضاء المجلس، والشكر موصول إلى أمين عام الجائزة والعاملين في جهاز الأمانة العامة، على ما تلقيناه منهم من عون وتشجيع وصبر وتفهم.
بتلك الروح الإنسانية العالية، عملنا في لجنة التحكيم على تقصي الفائز بالجائزة، آملين أن نكون قد وفقنا في طرح الاختيار».
بينما عرض فيلم وثائقي خاص عن حياة ومنجزات د.أشيوتا سامنتا الفائز بالجائزة، بعدها تفضل جلالة الملك بتسليم الجائزة إلى سامنتا.
وقال الفائز بالجائزة في كلمته «صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، معالي رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، فخامة نائب رئيس مجلس الوزراء محمد بن مبارك آل خليفة، أعضاء مجلس الأمناء الأجلاء، حضرات السيدات والسادة.
لقد كرمني مجلس أمناء جائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية تكريماً بالغاً، وشرفني أسمى درجات التشريف، باختياري لنيل جائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية المرموقة للدورة 2013 - 2015، يتملكني الفخر والاعتزاز، وينبض قلبي بعظيم الامتنان لحصولي على هذه الجائزة التي تُعنى بخدمة الإنسانية، ولتلقيها من الأيادي الميمونة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين.
أود أن أتوجه بأسمى آيات الشكر للجميع، ولشعب البحرين العظيم الذي لمس كل ما قدمته من تضحيات، وقدر ما أنجزته للارتقاء بحياة الفقراء والمجتمعات المهمشة، وقد رفعت هذه الجائزة معنوياتي، وشجعتني على المضي قدماً، ومن المؤكد أنها ستظل مصدر إلهام لي في كل اللحظات.
أنا مدين بهذا التقدير الكبير لهؤلاء الأطفال الصغار في معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، ولحبهم الكبير، الذي لا يعرف حدوداً أو شروطاً، ولكل من يدعون لي بالخير والتوفيق في كل بقاع الأرض، وفي المقام الأول لله العلي القدير، الذي يهديني للدرب القويم، يعجز لساني عن وصف الامتنان، وعن شكركم.
في طفولتي، كافحت من أجل لقمة العيش، ومازلت أكافح لإطعام الأفواه الجائعة، فالفقر والجوع ما زالا يكتسحان أطفال القبائل، ولابد لي من أن أواصل المشوار والنضال من أجل الوصول إلى كل طفل محروم في العالم، حتى يتم القضاء على الفقر كلياً ومحوه عن سطح الأرض.
إن رؤيتي تتمثل بالوصول لمجتمع بشري غني فكرياً، لا جائع فيه، يتمتع فيه الناس بالسلام والرخاء بغض النظر عن طائفتهم أو عقيدتهم أو جنسهم أو عرقهم أو أيديولوجياتهم.
الفقر يفرض التحديات الهائلة على الأطفال، أبناء الفقراء، ويحول بينهم وبين غاياتهم، ويحرمهم فرص التعلم بل ويؤثر في نموهم العقلي، وتؤثر العوامل الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية على تعلم الأطفال بشكل كبير، وبالتالي لا بد من النظر في كافة السبل التي تضمن التعليم للفقراء، لابد التفكير فيها بشكل شمولي، لتمكين الأطفال الفقراء أثناء فترة نموهم.
ربما أدرك ما الذي يجدر بنا فعله، لأنني أنا ذاتي نشأت في فقر مدقع، عانيت الفقر والحرمان، وخبرت غصة الفقير ومكمن ألمه، وترحلت وأنا في العشرين من عمري في الأماكن النائية في بلادي، وفي مقاطعة أوديشا التي أعيش فيها، واطلعت عن قرب على فظائع الفقر في المناطق القبلية، وأدركت كيف يقضي الفقر على بواعث الحياة والدوافع الإيجابية لدى المرء.
الفقر لا يفتك بالنفوس فقط بل يقضي على العقول، فمن يقع تحت طائلة الفقر والحرمان، تسيطر عليه الخرافات، ويقبل بالعوز والفاقة مصيراً حتمياً، بل إن بعض المحرومين ينتهج نهجاً متطرفاً، ويختار مسار العنف والإرهاب، فالفقر، مع غياب التعليم، من الأسباب الرئيسة لجميع الشرور التي تستشري في المجتمعات البشرية.
لقد عقدت العزم منذ فترة طويلة على مكافحة الفقر في المجتمعات القبلية الفقيرة في الدولة، مؤمناً بأثر التعليم والتدريب في تغير حياة الملايين، فقد شهدت تحولاً كبيراً في حياتي بسبب ما توفر لي من فرص للتعلم، فأردت أن أمنح فرص متكافئة للأطفال الفقراء للحصول على التعليم والتدريب، وعلى المهارات اللازمة لتنمية حياتهم على أكثر من صعيد، وتمكينهم من كسب رزقهم.
وكانت أول خطوة لي على مسار الدرب الطويل، في عامي 1992 - 1993، تأسيس معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، الذي بدأ بـ125 طفلاً من أطفال أفقر القبائل، بدأنا في مسكن مستأجر، يشتمل على غرفتين، وباستثمار لم يزد عن 5000 روبية (100 دولار تقريباً)، ادخرتها مما كنت أتقاضاه من راتب متواضع نظير عملي الأكاديمي.
لم أكن أتصور أن معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، سيغدو مؤسسة تعليمية عملاقة، ويحظى بدعم العديد من المنظمات العالمية، إنها نعمة كبيرة من الله تعالى، فكل ما تم إنجازه كان بمشيئته، فما أنجز على مر السنين لا يمكن تصوره، فلا يمكن لأحد أن يتخيل، أن من قام به كان فقيراً معوزاً.
أطفالنا، الذين كانوا يوماً عبئاً اجتماعياً، غدوا متفوقين في كل الميادين، يتفوقون في التعليم وفي الأنشطة الرياضية على المستويين الوطني والعالمي، ويحظون بعد إتمام تعليمهم، بفرص كريمة للعمل، ويواصلون دراساتهم العليا بروح متوثبة عظيمة، وهذا يرسخ ما تطلعت إليه، منذ البداية، وهو منحهم الفرصة المناسبة، حتى يتمكنوا من المنافسة في كل مجال.
ما أخطر أن نتعلم القليل، فأنصاف المتعلمين عناصر مدمرة لأي مجتمع من المجتمعات، لذلك أخذنا على عاتقنا، في معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، أن نوفر فرصاً متكاملة للتعليم، واليوم يتعهد المعهد بتعليم أكثر من 25000 طالب، من أبناء القبائل الأشد فقراً، يتعهدهم من رياض الأطفال، ويوفر لهم التعليم المهني والتدريب، ويزودهم بالمهارات الحياتية، ويوفر لهم السكن المجاني والمأكل والملبس والرعاية الصحية.
وأنا أقف أمامكم الآن تتراءى لي صور لأولئك الآلاف من الأطفال الفقراء في مدينتي بوبانسوار، يواصلون دراساتهم، ويبنون حياتهم، لبنة لبنة، في معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية.
أنا حقاً لا أعرف كيف تم ترشيح اسمي لجائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية، أو كيف تم اختياري لهذه الجائزة المرموقة السامية، جائزة الإنسانية.
هذا يعني الكثير بالنسبة لي، وبالنسبة لكل الأطفال الفقراء، أنا مدين بهذا الشرف لهم، هذه الجائزة ليست لي، هي لهؤلاء الأطفال الفقراء الذين يحتاجون إلى التعليم والتمكين، إنها لهؤلاء الأطفال الذين يقفون على عتبة الفناء، لأولئك الذين يأتون إلى هذا العالم دون أن نلتفت إليهم، وربما يقضون دون أن نلتفت إليهم، لقد مُنحت هذه الجائزة نظير خدمتي للفقراء وسوف أنفقها في خدمتهم.
تُعد أوديشا، المقاطعة التي ولدت فيها، واحدة من أفقر المناطق في بلادي الهند، لذا لدي الرغبة في فتح فرع واحدٍ على الأقل لمعهد كالينجا للعلوم الاجتماعية في كل من منطقة من مناطقها الثلاثين، وأود إنشاء فرع لمعهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، في واحدة من هذه المناطق، وتسميته باسم والد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى، الذي تسمى جائزة خدمة الإنسانية السامية باسمه، وذلك بالاستفادة من قيمة الجائزة الكريمة التي تبلغ مليون دولار، بعد موافقة جلالة الملك الكريمة.
ولست بحاجة للتأكيد على دور التعليم، فالأغنياء يدركون دوره الكبير ويرسلون أطفالهم إلى المدارس والمؤسسات التعليمية، ولكن من للفقراء المحرومين؟ ألم يحن الوقت لأن نلتفت إليهم.
أنا بحاجة إلى دعم من جميع قادة العالم وصانعي السياسات وأساطين الصناعة، للمضي قدماً في مهمتي وتحقيق رؤيتي، يجدر بنا تغيير ملامح عالمنا، يجب أن يبرز لنا وجه العالم مشرقاً صافياً دون أن يؤرقه الجوع أو يشوهه الفقر.
وأنهي كلمتي بأبيات للشاعر الشهير روبرت فروست.
ما أروع اللحظات في الغابات
ما أروع السكون
لكن تثني عزيمتي الأعباء والعهود
والذي ألقاه من مشقة السفر
وكل ما ينتاب من صراعات الحياة
قبيل لحظات السكون
شكراً لصاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، شكراً لمعالي رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، شكراً لنائب رئيس مجلس الوزراء محمد بن مبارك آل خليفة، شكراً لأعضاء مجلس أمناء الجائزة الأجلاء، شكراً لكل البحرين، شكراً لكم أيها السيدات والسادة».
وتشرف أعضاء مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية وأعضاء لجنة التحكيم، بالسلام على جلالة الملك، بينما شكرهم جلالته على جهودهم الطيبة والموفقة، متمنياً لهم استمرار التوفيق والسداد.
ولدى وصول جلالة الملك إلى مكان الاحتفال، كان في استقباله نائب رئيس الوزراء رئيس مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية، بينما عزفت الفرقة الموسيقية السلام الملكي، واختتم الاحتفال أيضاً بعزف السلام الملكي.
وحضر الاحتفال كبار أفراد العائلة المالكة الكريمة، ورئيسا مجلسي النواب والشورى، والوزراء ورؤساء اللجان بمجلسي النواب والشورى، وأعضاء مجلس أمناء عيسى لخدمة الإنسانية، والمحافظون وكبار ضباط قوة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الوطني، ورجال السلك الدبلوماسي، ورؤساء الجامعات والجمعيات الخيرية ورجال الأعمال والإعلام والصحافيين، وأعضاء الوفد المرافق للفائز بجائزة عيسى لخدمة الإنسانية، وطلبة الجامعات المميزين وعدد من المدعوين.
ويذيع تلفزيون البحرين برنامجاً خاصاً عن الجائزة بعد نشرة الثامنة من مساء اليوم.