ولعل أبرز نماذج بيوت المحرق العتيقة بيت الغوص، وهو آخر بيت من جهة الجنوب في جزيرة الحالة، وكان مطلاً قبل أن تحدث التغييرات المدنية على القناة التي يستخدمها البحارة للوصول إلى قلعة بوماهر أثناء الجزر.
ويقال إن هذا البيت سكن واستخدم من قبل العديد من الغواصين، ومر به العديد من الزوار الرسميين عند عبورهم لحالة بوماهر في طريقهم للسوق أو بيت الحاكم.
بني هذا البيت ذو الطابع المعماري التراثي في بدايات القرن العشرين، وهو نموذج عما كانت عليه بيوت الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وتغيرت ملكيته عدة مرات على مر السنين، حتى آلت في آخر المطاف لعلي الأنصاري.
ولا يمكن اعتبار هذا المنزل شاهداً على حياة فرد بعينه، بقدر كونه ممثلاً لحياة هذه الطبقة بشكل عام، ولهذا تم تسميته بهذا المسمى المستحدث «بيت الغوص».
وفي ذات السياق الحفاظي العالمي، تمكنت هيئة البحرين للثقافة والآثار، من استعادة تاريخ اقتصاد البحر والغوص من خلال مشروع «طريق اللؤلؤ.. شاهد على اقتصاد الجزيرة»، حيث فتحت أمام الزوار أبريل 2014 بيت الغوص، كأول بيتٍ تراثي من بعد مركز زوار قلعة بوماهر بدعم من عائلة الشيخ راشد بن حسن آل خليفة. واستعاد هذا البيت فصلاً جديداً من تاريخ المكان، وتمكنت «الثقافة» عبر ترميم البيت القديم من حفظ طرازه المعماري الأصيل، وإعادة توظيف فراغاته لتشكل كل واحدةٍ منها تفصيلاً لحياة الغواصين والباحثين عن اللؤلؤ.
وتضمن العرض المتحفي لبيت الغوص في إحدى غرفه، مجموعة من أدوات الغواصين وبعض الوثائق، مثل دفتر خاص بالغواص صادر عن حكومة البحرين، يدون فيه المعلومات الخاصة بالأجور والديون المترتبة على الغواص للنوخذة، وإعلان من حكومة البحرين بخفض سعر دفاتر الغوص، وإعلان آخر بخصوص تنظيم وتحديد تاريخ بداية موسم الغوص ورواتب العاملين على ظهر السفينة، وتنويه بالسماح لأحد الغواصين بالالتحاق بموسم الغوص.
فيما احتوت الغرفة الثانية على تدوينات لأغاني البحارة من خلال فن «الكاليغرافي»، إلى جانب شاشة عرض تستدرج أصواتهم وبعضاً من مشاهد حياتهم، بينما الغرفة الأخيرة، فهي أكثر الغرف التي مازالت تحتفظ بالملمس الطبيعي لجدرانها وتضم معرضاً فنياً يرصد الغوص بقطع نحتية كبيرة.
الغرف الثلاث جميعها منسقة حول الفناء الداخلي المفتوح «الحوش»، حيث تنمو شجرة وارفة الظلال، تضفي عنصراً جمالياً على هذا البناء البسيط، وكانت قديماً تساعد على تلطيف جو البيت قبل عصر الكهرباء وأنظمة تكييف الهواء العصرية.
يمثل البيت نموذجاً لبيت عائلة بسيط ومتواضع بني في أوج عقود صيد اللؤلؤ، تضاف لموقع استراتيجي يوثق للعلاقة الجغرافية بين الجزر الثلاثة.