عايش أعمال ألكسندر دوما وأشعار هيجو وفلوبير وكتابات ميشليه ونيتشه
مالرو: من بذر قمحاً في الأرض لابد أن يجد من يرويه ومن يحصده
نشر أولى محاولاته «دراسة عن أصول الشعر التكعيبي» سنة 1920
حكم عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة التحريض على العصيان
زوجته كلارا قادت حملة صحافية في باريس أثمرت إطلاق سراحه
مالرو ومولينييه يعثران على أوابد سبأ في اليمن 7 مارس سنة 1934
الانخراط في كتيبة الألزاس واللورين وخوض معارك طاحنة ضد النازيين
ديجول عينه كاتبه الخاص للشؤون الثقافية وبعد شهرين أصبح
وزيراً للإعلام
سنة 1958 أصدر مالرو مع سارتر ومورياك بيان إدانة لحرب الجزائر




كتب ـ علي الشرقاوي:

عايش أعمال ألكسندر دوما وأشعار هيجو وفلوبير وكتابات ميشليه ونيتشه، نشر أولى محاولاته «دراسة عن أصول الشعر التكعيبي» سنة 1920، قبل أن ينخرط في كتيبة الألزاس واللورين ويخوض معارك طاحنة ضد النازيين، إنه الكاتب الفرنسي الشهير أنديه مالرو.
حكم عليه بالسجن في «بنوم بنه» 3 سنوات بتهمة التحريض على العصيان، وزوجته كلارا قادت حملة صحافية في باريس أثمرت عن إطلاق سراحه.
* لو تأملنا حياة العظماء والأدباء منذ بدايات معرفة الكتابة إلى يومنا هذا.. لوجدنا أنهم استطاعوا بصورة أو بأخرى إبراز أهم ملامح مرحلة حياتهم وطبيعة المجتمع المنتمين إليه.
هذا صحيح، لأن الإنسان ابن البيئة كما يقولون، ولا يمكن لأي إنسان أن يبتعد عن بيئته مهما شطح به الخيال، فالعصر حيث عاش لابد أن يظهر على السطح عبر الكتابة.
* أنت أحد هؤلاء الأدباء الذين عبروا عن مرحلة حياتهم خير تعبير.
هناك آخرون عبروا أكثر مني عن الحركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع، بحيث تبدو أحياناً أية عملية تتبع لسيرهم نوعاً من التأريخ لتلك العصور والتدوين لأحداثها الجسام.
* المتأمل في سيرتك أو بالأحرى مسيرتك القاسية في الحياة، يصل إلى تكوين رؤية واسعة لأبرز ملامح القرن العشرين بما عرفه هذا القرن من آلام ومآس، وبما طفح به من رؤى وأيديولوجيات.
على شرط أن يعرف هذا المتأمل أن مالرو نفسه عاش مواسم وأدواراً راوحت بين دور المثقف والأديب والمحارب والمكتبي والسجين الهارب، وغيرها من مواقف تعكس مصير الإنسان المعاصر، وتعبر عن ثراء الحياة وتنوعها وقسوتها أيضاً.
* عن هذه الأدوار نحب أن نتحدث مع أندريه مالرو.
وأنا على أتم الاستعداد لتوضيح بعض الأمور ربما تكون غائبة عن ذهن المتلقي.
* إذا سمحت لنبدأ حديثنا عن طفولتك؟
اسمي الكامل جورج أندريه مالرو، ولدت بباريس 3 نوفمبر 1901 من عائلة تعود لمنطقة دونكرك الشهيرة بموقعتها.
* كيف كان وضعك العائلي؟
كان سيئاً لدرجة كبيرة، وربما تكون كلمة سيئ أقل من واقع عشته في طفولتي.
* حدثنا عن هذه الطفولة السيئة والمرة.
أقل ما يمكن أن أقول عنها، أني عشت طفولة مضطربة بعد انفصال والدي.
* هل هذه الطفولة المضطربة جاءت نتيجة لعيشك في كنف أبيك؟
بل نتيجة لاضطراري بالعيش بين زوجات والدي الثلاث تباعاً.
* هل نستطيع القول إن هناك ثمة جفوة بينك وبين أبيك وبالتالي بين زوجاته الثلاث؟
الآن أرى من بعيد أن تلك الجفوة كانت في صالحي على المستوى العام.
* هذه النقطة تحتاج إلى شيء من الشرح.
أجواء الجفوة يا بني ساهمت في تكويني ودفعتني إلى الانكباب على قراءة الأدب بديلاً عن دفء العائلة.
* وهكذا اكتشفت في سن مبكرة عوالم الأدباء الفرنسيين.
عايشت أعمال ألكسندر دوما وأشعار هيجو وفلوبير وكتابات ميشليه ونيتشه، ولكن الأهم من ذلك تعرفت على شخصية ساهمت في تشكيل فهمي للحياة والأدب وأنا في سن المراهقة.
* هل يمكن أن نتعرف نحن أيضاً على هذه الشخصية؟
تعرفت على مثلي الأعلى الشاعر ماكس جاكوب (1876 ـ 1944) وكان في الوقت نفسه رساماً عالمياً مشهوراً، ورائداً للحركة السريالية في الأدب والتشكيل.
* كيف أصبح السريالي ماكس جاكوب مثلك الأعلى؟
في مجالس هذا المبدع الكبير سمعت لأول مرة تمجيداً لأعمال تولستوي وبايرس ودستويفسكي، فانكببت على قراءة أعمالهم الخالدة.
* من خلال تتبعي لشيء من حياتك، عرفت أنه لم يتم قبولك في المدرسة الثانوية.
هذا صحيح فلما رفضت ثانوية كوندرسيه بباريس قبولي اضطررت للانقطاع عن الدراسة.
* ماذا فعلت عندها؟
عملت بائعاً متجولاً للكتب سنة 1918.
* ألم تضع المهنة عليك الفرصة في مزيد من التعلم؟
المهنة سمحت لي بالتعرف على الناشر دويون رينييه صاحب مجلة «المعرفة» سنة 1920.
* بماذا أفادك التعرف على الناشر رينييه؟
بعد جلسة استماع، تحمس دويون لتجربتي النثرية، فنشر أولى محاولاتي «دراسة عن أصول الشعر التكعيبي» في عدد مجلته فبراير 1920.
* ماذا بعد دراستك لأصول الشعر التكعيبي؟
أتبعتها بنشر مقالات أخرى ومنها «قراءة في ثلاثة من أعمال لوران تايلهاد»، و«نقد لكتاب الحقل المغناطيسي لفيليب سوبولت»، و«زنجية للقلب المقدس» لأندريه سالومون، وقدمت لنشرة دفاتر حميمة للوران تايلهاد.
* أصبحت بهذه الطريقة ناقداً.
لأني أقحمت نفسي بهذه الطريقة المفاجئة في عالم الناشرين والأدباء، أقحمت أيضاً نفسي في علاقات تلمذة مع كبار الأدباء الباريسيين أيامها.
* عرفت أنك كنت تلهث يومياً وبحماس الشباب وراء أندريه سالومون.
وماكس جاكوب، وبول موران، وجان كوكتو، وريمون ريديجيه، وأندريه.
* ماذا عن فنانين تشكيليين كان صوتهم مدوياً في تلك الفترة؟
بدأت الاهتمام في هذه الفترة أيضاً بأعمال بيكاسو وكلوديل التي كانت موضة تلك الأيام.
* تعرفنا على شيء من كتاباتك النقدية في المجلات الأدبية.. لكننا لم نتعرف على كتب احتوت تلك الدراسات.
في سنة 1921 ظهر كتابي الأول «أقمار على الورق».
* قرأت عبر بعض الدراسات عن تجربتك الأدبية أنك أتبعت «أقمار على الورق» بجزأين صغيرين من «كتابات للأصنام».
كما نشرت دراسة سنة 1922 عن «ديرتيفانس» للمفكر العرقي الكونتدي جوبينو، وأخرى عن «الفن الشعري عند ماكس جاكوب».
* ماذا عن حياتك العائلية ونضالاتك السياسية وتسكعك في أوروبا وشرق آسيا وغيرها من المدن؟
هذا موضوع يطول شرحه، ويحتاج إلى وقت أملكه شخصياً ولكن وقت البرنامج لا يسمح بذلك، أليس كذلك؟
* المعروف لنا أنك دخلت مرحلة من عدم الاستقرار فجبت أنحاء أوروبا وتونس، واستقر بك الأمر مع زوجتك كلارا في كمبوديا وكانت وقتها مستعمرة فرنسية.
نعم.. ومن هناك نشرت دراسات في باريس.
* غير أن زوجتك كلارا كما عرفنا عادت إلى باريس سنة 1924، لماذا تركتك؟
لأن محكمة «بنوم بنه» حكمت علي بالسجن 3 سنين بتهمة تحريض الأهالي على العصيان.
* هل تخلت عنك زوجتك كلارا وأنت في تلك المحنة؟
زوجتي كلارا قادت في باريس حملة صحافية لجمع التوقيعات لصالحي، أثمرت عن إطلاق سراحي في سايجون.
* معنى هذا أن اسمك بدأ يلمع عند الفرنسيين.
تردد اسمي على ألسنة جميع أفراد الشعب الفرنسي بفعل جهنمية حملة كلارا والمثقفين والصحافة التي جعلتني بطلاً من أبطال الحرية.
* إلى أين توجهت بعد أن أطلق سراحك من السجن؟
عشت ما بين تسكع وأسفار، وفي سايجون أصدرت مع محامية 1925 مجلة «الهند الصينية»، ودخلت في مواجهة مع الوالي العام والإدارة الاستعمارية.
* كيف انتهت مواجهتك مع الوالي والإدارة الاستعمارية.
كالعادة انتهت بإبعادي عن سايجون وعن مجلة الهند الصينية على متن باخرة متوجهة إلى باريس، لكن رغم ذلك كان الإبعاد في صالحي.
* كيف كان إبعادك في صالحك؟
لأنني على ظهر تلك الباخرة كتبت عملي الشهير المعادي للاستعمار.
* تعني «إغراء الغرب» أليس كذلك؟
نعم.. وبعودتي أصبحت مسؤولاً في النشر، وأصدرت طبعات نقدية لأعمال مورياك وفاليري وآخرين.
* كما نشرت عملك الآخر المناصر للحرية وهو «الغزاة».
وكتبت عن الروائي الفرنسي جورج برنانوس (1888 ـ 1948) دراسة يستحقها هي «دجل برنانوس»، وفيها عرض واسع لعوالم هذا المبدع الطالعة من أعماله «مذكرات خوري من الريف»، و«المقابر الكبرى تحت القمر»، و«حوار الكرمليات» وغيرها.
* بدأت بعد أن تحسنت أحوالك المادية مرحلة تسكع وموجة أسفار جديدة سنة 1929، قادتك إلى إيران ونابولي وإسطنبول.
وباكو وبغداد ودمشق وبيروت، وعدت من هذه الجولة لأنشر «الطريق الملكي» وفازت بجائزة «أنترالييه».
* عرفت أنك خضت تجربة أسفار أخرى طويلة عريضة كما يقولون سنة 1931.
وعدت منها بمخطوط عملي الشهير «المسألة الإنسانية»، وفور صدوره فزت بجائزة «جونكور».
* وبهذا أصبحت أحد مشاهير الأدباء الذين يشار إليهم بالبنان وأحد وجوه المجتمع أيضاً.
في سنة 1933 تزعمت حركة «الأدباء المعادين للفاشية»، وقدت لجنة للدفاع عن ديمتروف المتهم بحرق الرايشتاج ببرلين.
* قرأت أنك في مطلع 1934 أقلعت بمعية النقيب مولينييه إثر تمويل من إحدى المجلات لتحلقا فوق اليمن بغية العثور على آثار عاصمة سبأ.
هذا صحيح.. وبعد انطلاقتين من القاهرة وجيبوتي أعلنا عثورنا على أوابد سبأ يوم 7 مارس 1934.
* في طريق العودة استقبلكما الإمبراطور هيلاسيلاسي بحفاوة وأكرمكما، وعدت مع النقيب منتشيين بهذا الاكتشاف العظيم.
ملكن عاصفة كادت تقضي علينا فوق بونه «عنابة» في الجزائر، وقد خلدت هذه التجربة في عملي «زمن اللامبالاة».
* من يونيو إلى سبتمبر 1934 عرفت أنك استقريت مع عائلتك في موسكو حيث نشرت مقالات طاحنة في «البرافدا».
وأشرفت على مؤتمر دولي للأدباء الثوريين أعلن فيه «أن الفن كفاح أولا يكون»، وهو الشعار نفسه الذي رفعته حين أسست مع أندريه جيد سنة 1935 المؤتمر العالمي للكتاب المدافعين عن الثقافة، كما التقيت مكسيم جوركي في أيامه الأخيرة.
* مع اندلاع حرب الجنرالات في أسبانيا سافرت سنة 1937 إليها لماذا؟ هل تحب أن تكون دائماً في قلب المعركة؟
أولاً لأشهد هناك عن قرب طبيعة الربيع المأساوي، ثانياً لأشارك في المعارك الجوية متطوعاً مع القوى الثورية، لأني أصبحت مناضلاً «على الصعيد العالمي».
* وبانتصار أصحابك الجمهوريين ذهبت في حملة دولية لجمع التبرعات لهم من أمريكا.
في الواقع أني جبت معظم مدنها المهمة ألقي محاضراتي وأجمع التبرعات.
* على نحو يذكرنا ببعض تقاليد الشعراء الملحميين الجوالين القدامى أليس كذلك؟
نعم هذا صحيح، وعند عودتي نهاية 1937 بدأت نشر محاولاتي عن «علم نفس الفن»، وكذلك عملي «الأمل» المختلف عن عمله الآخر «نوع من استمرار الأمل» 1938.
* كما نشرت «خريطة الأدب الفرنسي» 1938.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية تطوعت في سلاح الدبابات لكن بلادي انهارت بسرعة وسقطت باريس.
* ماذا حدث لك بعد سقوط باريس؟
تفرغت لرئاسة تحرير مجلة «علم نفس الفن» ونشرت دراستي «علم نفس السينما».
* بهذا المعنى انسجمت مع النظام الألماني المسيطر على فرنسا.
ليس انسجاماً، إنما أبديت روحاً مسالمة، إلا أن سلطات فيشي والألمان ارتابوا في أمري، ولكي يقطعوا الشك باليقين زجوا بي في معسكر سخرة
حيث عملت حطاباً ومكتبياً وفيما بعد مدرساً.
* بالطبع هذه الظروف الصعبة أبعدتك عن الكتابة.
رغم كل ذلك كتبت في هذه الظروف كتابي «جوزات ألتنبورج»، وانتهى بي الأمر إلى الهروب من المعتقل سنة 1940، والتخفي في ضواحي مدينة نيس.
* قيل لي إنك بعد ذلك تظاهرت بمصالحة النظام.
هذا ما أدى بي إلى أن أطرد كل الأدباء الذين جاؤوا ليستنهضوا عزيمتي مثل سارتر وجيدو ديبوفار.
* أعرف أنك نشرت في هذه الفترة أعمالاً عن «توماس أدوارد لورنس» و«شيطان المطلق» و«صراع الملاك».
لكن السلطات اشتبهت في ولائي ثانية سنة 1943، ومن ثم اعتقلت أخوي كلود ورولان، أما أنا فتخفيت في باريس، وكنت أقدم نفسي باسم العقيد برجيه، وفي النهاية سقطت بيد نقطة تفتيش واستقر بي المقام في سجن تولوز المركزي.
* بعد شهرين في سجن تولوز المركزي قمت بالفرار ثانية.
نفضت الغبار عن نفسي وانخرطت في كتيبة الألزاس واللورين للمقاومة، وخضت معارك طاحنة ضد النازيين استمرت حتى وجدت نفسي أقاتل في مدينة شتوتجارت داخل ألمانيا نفسها سنة 1945.
* عرفت أنه أثناء أجواء النصر هذه كان لقاؤك الأول مع الجنرال ديجول، فعينك على الفور كاتبه الخاص للشؤون الثقافية، وبعد شهرين أصبحت وزير إعلام فرنسا بباريس الحرة المستقلة.
كان أول ما عمد إلي إنتاج فيلمي «جبال ترويل» لأخلد فيه نضالي الجوي في الحرب الإسبانية.
* هذا أمر طبيعي فقد أصبحت الآن في موقع مناسب تماماً لتخليد نفسك وتحويلك إلى أسطورة وبطل من أبطال التاريخ.
لكني بعد سنة تركت الوزارة وتفرغت للكتابة، وألقيت في هذه الظروف خطاباً مشهوراً في السوربون بمناسبة إنشاء منظمة اليونسكو 1947.
* ظهرت لك يوم ذاك «قصص مالرو» ضمن منشورات لابلياد للروائع وأيضاً «علم نفس الفن» و«المتحف الخيالي» ودراسة عن «رسومات جويا».
ونشرت مع مطلع 1948 «أزمة الأزمنة المعاصرة».
* المعروف أن هذا العمل تسبب في معركة أدبية بينك وبين المفكر موريس ميرلوبونتي.
وقفت مجلة «حرية الفكر» وكان يصدرها مورياك إلى جانبي، وظهرت لي دراسة «صوت الصمت» وأخرى عن «النحت العالمي»، وخصصت صديقي مانيه سبربر بدراسة ثالثة عن عمله «دمعة في المحيط».
* اشتركت في كتابة عمل بيوجرافي عنوانه «مالرو بقلمه».
في سنة 1958 أصدرت مع سارتر بيان إدانة لحرب الجزائر، ثم انضم إلى حملتنا مورياك.
* عدت إلى واجهة السياسة من جديد وعينت وزير إعلام في حكومة ديجول، ثم وزيراً مكلفاً بإشعاع وانتشار اللغة الفرنسية، وأخيراً وزيراً للثقافة 1959.
ومن هذا الموقع قدت حملة لحماية آثار أعالي مصر، وأطلقت مؤتمراً دولياً عن اليونان القديمة.
* لكن عاودك الحنين والاهتمام بالسياسة فقدت حركة 121 كاتباً ضد حرب الجزائر 1961.
بعد أسبوعين قتل أولادي فنسان وجوتييه، وأطلقت النار على منزلي فجرحت خادمة.
* في 1964 أشرفت على عرض الجوكوندا وتمثال فينوس ميلو، بأمريكا وبهذا أصبحت شخصية دولية من جديد.
قابلت ماو تسي تونج، وأطلقت مع سنجور على العرض العالمي للفن الزنجي بداكار، ونشرت أيضاً «المذكرات المضادة».
* ماذا بعد أن اندلعت ثورة الطلاب المشهورة مايو 1968؟
درستها وحللتها على صفحات دير شبيجل الألمانية، لكن ديجول استقال كما هو معروف بفعل المظاهرات، فوجدت نفسي خارج الوزارة.
* حتى لا تغيب عن الأضواء قدت مع سارتر ومورياك حملة لتحرير ريحبيس دوبريه الذي أسر مع جيفارا في بوليفيا.
نظمنا هذه الحملة لأننا كنا معروفين بحملاتنا وشفعتنا لصالح جان جينيه الأديب اللص الشهير.
* ظهرت لك سنة 1971 «قيود يجب تكسيرها»، وفي هذه السن أعلنت تطوعك للحرب من أجل استقلال البنغال، ووجهت رسالة مفتوحة بهذا الشأن لنيكسون عبر جريدة لوفيجارو.
كرمتني بنغلاديش سنة 1973 لهذا السبب، وفي 1974 نشرت «اللاواقعية»، ثم اتبعتها بعمل آخر هو «عابر سبيل» 1975، وأخيراً «الإنسان المزعزع والأدب» 1976، و»اللازمني» 1976، كما نشرت لابلياد سنة 1976 «المذكرات المضادة» بعنوان «مرآة البررة».
* نتوقف الآن عند كتابك المذكرات والذي أثار الكثير من ردود الفعل.
ما الذي تريد معرفته؟
* أريد أن أعرف مفهومك للمذكرات؟
إن أعمق لحظات حياتي لا تسكن فيّ، ولكنها تساورني تارة وتفر أخرى، لا يهم إن بعض أحلامنا لا تقل معنى أمام المجهول، عن ذكرياتنا، فأنا أستعيد هنا بعض المشاهد حولتها فيما مضى إلى روايات.
* كثيراً ما تكون مرتبطة بالذكرى روابط متشابكة، وربما تشابكت في المستقبل بطريقة أدعى للحيرة والجوى.
من هنا كان كتابي، فعلاً مضاداً لما عليه المذكرات، لأني لا أبحث في الأنا فقط، ولا يبحث في الآخر فقط، ولا ألاحق الأحداث فقط، ولا أبيح الأسرار فقط، ولا أتحدث عن القيم الواقعة فقط، بل أنا كل ذلك معاً.
* ما يصعب أن نجد له اسماً، إلا أنه شيء ليس كالمذكرات.
من هنا أرى أن الترجمة الصحيحة للكتاب هي المذكرات المضادة أو المذكرات المغايرة أو المذكرات المخالفة، مراعاة لما يريده الكاتب من العنوان.
* هل تعرف أن هناك نقاداً كتبوا عن تجربتك الحياتية يشككون في مواقف أخرجتها إلى السطح سواء في اشتراكك الفعلي في الحرب الإسبانية أو قيادة لفرقة الإلزاس واللورين إبان المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا.
حياة الفنان أو الأديب أو المفكر ليست في واقعها إلا جزءاً من تجربته الفنية، البعض لأنه لا يستطيع أن يغوص عميقاً فيما يقرأ، يحاول أن يضع النص على مسطرة الحياة التي عاشها الفنان، فإذا كانت تتوافق مع التجربة الحياتية فإن هذا الأديب صادق في تجربته، فيما الصدق الفني ليس إلا تفرد التجربة عن سواها من تجارب العالم، وأجمل الأدباء والفنانين من يبقى غامضاً حتى بعد رحيله عن العالم.
* مهما تحدث عنك الآخرون فأنت شئت أم أبيت تحولت إلى أسطورة.
في 23 نوفمبر 1976، انتقلت إلى العالم الآخر.
* أقامت فرنسا كلها حفلاً تأبينياً لك عند الساحة المقابلة لمتحف اللوفر في اليوم التالي.
من الرائع أن يجد الإنسان أن أعماله وإنجازاته الكثيرة على مستوى الفن والواقع، تجد بعد رحيله من يقدرها.
*عظماء الأرض كالبذور تبدأ أعمالهم بعد دخولهم الأرض، قبل أن تغادرنا هل من كلمة أخيرة تقولها لأبناء اليوم وأجيال الغد؟
من بذر قمحاً في الأرض لابد أن يجد من يرويه ومن يحصده.