بالرغم من أن مواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة تتضمن أهمية ادماج النوع الاجتماعي في الأجهزة والاتفاقات الدولية بما يحد من التمييز ويحقق المساواة بين الجنسين، إلا أن أعلى منصب رسمي في الأمم المتحدة وهو منصب الأمين العام ومنذ 70 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة لم يتقلده غير جنس الذكور، مما يلفت الانتباه إلى وجود تناقض صريح بين ما تنص عليه أدبيات الأمم المتحدة وما يتحقق فعلاً على أرض الواقع. هذا بالإضافة إلى أن معايير الترشيح لمنصب الأمين العام تخضع للكثير من المساومات بين الدول الكبرى وفق المصالح السياسية لدولةٍ أو لأخرى، مما يفقد مسألة اختيار المرشحين نزاهتها وموضوعيتها، التي تعتبر العامل الأهم والرئيس لمن يتولى زمام هذا المنصب الأممي.
فمع نهاية العام الحالي، تنتهي ولاية الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، وتعتقد الكثير من الهيئات والتنظيمات النسائية بمختلف أشكالها وتوجهاتها بأن الوقت قد حان من أجل الدفع باتجاه تعيين امرأة في هذا المنصب، حسبما أفادت أنتونيا كيركلاند المستشارة القانونية في منظمة (المساواة الآن) في بيان «عملية اختيار الأمين العام القادم للأمم المتحدة فرصة عظيمة لأخذ خطوة نحو المساواة بين الجنسين عالمياً».
ونحن نعتقد أن ترشيح امرأة في منصب الأمين العام للأمم المتحدة لن تكون خطوة نحو المساواة بين الجنسين فحسب، بل هي الخطوة الأرجح وهذا زمن الحاجة لها، في ظل ما يشهده العالم من صراعات، وانعدام الأمن والسلام. إذ إن معظم النساء هن صانعات سلام وبناة سلام بطبيعتهن، لكونهن يمتلكن فطرياً عاطفة «الأمومة» التي تفيض بقيم المحبة والعطاء والسلام والتسامح، وكونهن أيضاً الأكثر تضرراً من أثر ونتائج الحروب والصراعات، فهذا يجعلهن أكثر ميلاً في تحقيق ونشر السلام.
ولكن من جهة أخرى، نحن نؤكد ألا يكون طلب تعيين أي شخصٍ رجلاً كان أو امرأة في أعلى منصب في منظمة الأمم المتحدة بمعزل عن المعايير الأخلاقية أو الكفاءة والاستحقاق، فتحقيق قيم المساواة يجب أن تكون بموازاة منظومة إصلاح أوسع واشمل تحقق الإصلاح للجميع، فوجود امرأة في هذا المحفل الأممي قد لا يحدث تغييراً حقيقياً نحو السلام والأمن المنشود، إلا بمقدار تفعيلها لما تملكه من طاقة الأمومة وقيمها الإنسانية العليا من التضحية والمحبة والسلام والمسؤولية، باعتبارها دعامات أساسية لقيادة أخلاقية ملهمة، فتعمل بحب لخدمة العالم والإنسانية مع تنوع أديانه ومذاهبه وأعراقه، وتدرك مسؤوليتها الكبرى في تحقيق سلام حقيقي بعيد عن التضليل والواجهات الإعلامية المزيفة، ولا تنحاز إلا لقيم العدل والكرامة الإنسانية مهما كانت ميولها النفسية ورغباتها الشخصية، فتلك هي قيم الأمومة العليا وفق معناها الواسع الذي يتسع لإصلاح العالم ولا ينحصر في إطار البيت الصغير وإصلاح الأم لأبنائها.
لقد آن الأوان لتولي نساء في هذا المنصب الحيوي الهام، لما يمكن أن يشكلنه من قوة في حفظ وبناء السلام والنهوض بالأمم، وعلينا كمنظمات مجتمع مدني أن نطالب الجهات الدولية بأن تتضمن معايير الترشيح والاختيار لأي مرشح كان من الجنسين الكفاءة والإرادة والعزم والمسؤولية والقدرة على استيفاء شروط هذا المنصب الأممي، للمضي قدماً بتحقيق العدل والكرامة الإنسانية. وما نطمح إليه كنساء أو تنظيمات نسائية هو تعيين امرأة تملك الإرادة لتحقيق الإصلاح وإقامة العدل ورفع الظلم، قادرة على الأخذ بزمام هذا المنصب الأممي، وأن لا تتردد في قول كلمة «لا» بشجاعة حين لا تنسجم كلمة الأمم المتحدة وقراراتها مع المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية العليا.
جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية