عواصم - (وكالات): تلقى تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي الضربة الأكبر منذ تصاعد نفوذه في سوريا وذلك بعد سيطرة المقاتلين الأكراد والمعارضة السورية المسلحة وبينهم الجيش الحر على مدينة تل أبيض الإستراتيجية على الحدود مع تركيا والتي تشكل طريق إمداد حيوي للمتطرفين، بينما اتهمت الحكومة التركية القوات الكردية التي تحارب التنظيم المتطرف شمال سوريا بممارسة «تطهير عرقي» بحق السكان غير الأكراد.
وتمكن المقاتلون الأكراد ومقاتلو المعارضة السورية بعد 5 أيام من الهجوم المدعوم بغارات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، من السيطرة بشكل كامل على مدينة تل أبيض في محافظة الرقة، معقل تنظيم الدولة شمال سوريا، بعد اشتباكات عنيفة تسببت بفرار الآلاف من السكان.
وبذلك، خسر التنظيم المتطرف أحد أبرز طرق إمداده مع تركيا. ولم يعد يسيطر إلا على معبر جرابلس الحدودي مع تركيا في محافظة حلب شمالاً، وإن كانت عمليات نقل الأسلحة والمقاتلين تتم عن طريق التهريب لا عن طريق المعابر المقفلة من الجانب التركي رسمياً.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن «سيطرت وحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلو الفصائل على مدينة تل أبيض بالكامل، بعد طرد آخر عناصر التنظيم منها».
وأوضح القيادي الكردي أحمد سايكسو أن «مقاتلي التنظيم انسحبوا دون قتال يذكر (...) كان انتصاراً سهلاً».
ورفع المقاتلون الأكراد ومقاتلو المعارضة أعلامهم داخل المدينة. وقال شرفان درويش، الناطق الرسمي باسم قوات «بركان الفرات» المعارضة التي تقاتل إلى جانب الوحدات الكردية «نستمر في تمشيط المدينة لتهيئة عودة أهاليها»، لافتاً إلى «وجود ألغام وسيارات مفخخة وجثث مرمية على الأرض».
واعتبر المحلل أيمن جواد التميمي من منتدى الشرق الأوسط للأبحاث أن سقوط المدينة يعد «الخسارة الأكبر حتى الآن لـ «داعش» في سوريا».
وأوضح أن تل أبيض تعد «طريقاً رئيسياً لنقل المقاتلين والأسلحة والسلع من تركيا إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم».
كما يمر بتل أبيض طريق الإمداد الرئيس إلى مدينة الرقة الواقعة على بعد 86 كيلومتراً.
ويسيطر التنظيم على كامل محافظة الرقة منذ سنة، لكنه خسر في الأشهر الأخيرة أكثر من 50 قرية وبلدة في ريف المحافظة الشمالي لصالح الأكراد.
وقال عبد الرحمن إن هذه الخسارة تعد «الانهيار الأكبر للتنظيم منذ إعلانه دولة الخلافة في شهر يونيو 2014». وبحسب عبدالرحمن، بات الأكراد يسيطرون «على شريط حدودي بطول 400 كيلومتر يمتد من ريف حلب الشمالي الشرقي، وصولاً إلى الحدود العراقية». واعتبر الباحث في شؤون الجهاد في مؤسسة كويليام في لندن تشارلي وينتر أن الإنجاز الكردي في تل أبيض «أكثر أهمية على المدى الطويل من عين العرب» المدينة الحدودية مع تركيا التي تمكن المقاتلون الأكراد من صد هجوم المتطرفين عليها بمؤازرة غارات التحالف الدولي في يناير الماضي.
ويوجه تفوق الأكراد في المعركة وفق وينتر، «ضربة لأسطورة النصر الإلهي الثابت» التي يحاول التنظيم الترويج لها منذ ظهوره في سوريا عام 2013. وأعلن متحدث باسم التحالف الدولي لمواجهة التنظيمات المتطرفة واين ماروتو في بيان صادر عن التحالف اليوم أن «نجاحات الأكراد التي تحققت بفضل دعم غارات التحالف، تكشف أكثر قدرات داعش والإرهابيين العسكرية».
ونتيجة المعارك التي شهدتها تل أبيض والمحيط منذ 3 يونيو الحالي، لجأ إلى تركيا 23 ألف سوري، وفق ما أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لدى الأمم المتحدة.
سياسياً التقى الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا في اليوم الثاني من زيارته إلى دمشق الرئيس السوري بشار الأسد، واتفق الطرفان، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»، على متابعة التشاور لإيجاد حل سياسي «ناجع» للنزاع. ودان دي ميستورا في بيان صدر عنه قبل اللقاء «الهجوم الخطير على المدنيين» في حلب، في إشارة إلى تعرض الأحياء الواقعة تحت سيطرة قوات النظام في المدينة لقصف بأكثر من 300 قذيفة وصاروخ مصدرها مواقع المعارضة أوقع 34 قتيلاً بينهم 12 طفلاً و190 جريحاً، وفق المرصد. ورأى أن «الهجوم لا يبرر بأي حال من الأحوال أي عملية انتقام قد تقوم بها الحكومة السورية على المناطق الآهلة باستعمالها القنابل البرميليّة».
ومنذ نهاية 2013، تقصف قوات النظام بانتظام المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة شرق حلب خاصة بالبراميل المتفجرة التي تلقى من طائرات مروحية وقد حصدت آلاف القتلى. وندد بها دي ميستورا مراراً. وفي دمشق، تعرضت أحياء عدة لسقوط قذائف مصدرها مواقع مقاتلي المعارضة.
من ناحية أخرى، اتهمت الحكومة التركية القوات الكردية التي تحارب التنظيم المتطرف شمال سوريا بممارسة «تطهير إثني» بحق السكان غير الأكراد.
وقال الناطق باسم الحكومة بولند أرينج إن «السكان في المناطق التي تتعرض للقصف، تخضع لتطهير إثني من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي - أبرز حزب كردي في سوريا - ووحدات حماية الشعب الكردي وكذلك من داعش». وأضاف كما نقلت عنه وكالة الأناضول «نلاحظ على الأرض محاولة جارية من جانب الأكراد لدفع الشعوب العربية والتركمانية إلى المنفى وتطهير شمال سوريا عبر استبدالهم بعناصر أخرى».
وأوضح أرينج أن أنقرة تخشى أن يحاول أكراد سوريا إقامة منطقة حكم ذاتي على الأراضي السورية على طول الحدود التركية عبر توحيد الكانتونات الثلاثة القائمة، كوباني والجزيرة وعفرين والتي لم يعترف بها نظام دمشق أبداً. وتقيم وحدات حماية الشعب الكردي علاقات جيدة مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً مسلحاً ضد أنقرة منذ 1984 وتعتبره السلطات التركية «منظمة إرهابية».