بيروت - (أ ف ب): بعد عام من إعلانه إقامة «الخلافة الإسلامية»، أصبح تنظيم الدولة «داعش» المجموعة الإرهابية الأكثر خطراً في نظر العالم، منتهجاً العنف مذهباً، ومستميلاً مجموعات متطرفة في دول بعيدة عن العراق وسوريا حيث يعمل على ترسيخ سلطته.في 29 يونيو 2014، أعلن التنظيم المعروف بـ»داعش» إقامة «الخلافة الإسلامية»، داعياً المسلمين إلى مبايعة الخليفة إبراهيم، أي زعيمه أبي بكر البغدادي، وواعداً «بإخضاع الشرق والغرب».وإذا كان لايزال بعيداً عن تحقيق وعده، لكنه بات يسيطر على مساحة إجمالية تتعدى 300 ألف كيلومتر مربع تمتد بين العراق وسوريا، متوسلاً السكين لقطع الرؤوس وإخضاع سكان المناطق التي يحتلها، والأسلحة المتطورة لمواجهة الجيوش والمقاتلين.ويقول كريم بيطار من معهد إيريس للأبحاث في باريس «عبر انتهاجه العنف اللامحدود وتقديم هذا العنف ضمن إخراج يهدف إلى إثارة الصدمة، يطبق داعش تقنيةً (...) التأثير النفسي فيها أكثر أهمية من الفعل بحد ذاته. ونتيجة هذه الحرب النفسية، بات يجسد في نظر الغرب التهديد المطلق».وكان «داعش» أحد مكونات الساحة العراقية منذ عام 2006 بعد الغزو الأمريكي للعراق، تحت مسمى «دولة العراق الإسلامية». وانتقل إلى سوريا مع تطور النزاع العسكري فيها. لكنه قفز إلى واجهة الأحداث العالمية عندما استولى في عملية عسكرية سريعة في صيف العام الماضي على مدينة الموصل ومناطق واسعة في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى في شمال العراق وغربه.وواصل توسعه في الجانب السوري من الحدود ليسيطر على مجمل محافظة دير الزور شرقاً وكل محافظة الرقة ومناطق شمالية أخرى. وفي مايو الماضي، استولى على مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار غرب العراق، وعلى مدينة تدمر الأثرية وسط سوريا التي فتحت له الطريق إلى البادية وصولاً إلى الحدود العراقية. لكنه تلقى ضربات أيضاً منها فشل هجومه على عين العرب «كوباني» السورية الحدودية مع تركيا ذات الغالبية الكردية، بالإضافة إلى خسارة مدينة تل أبيض الاستراتيجية الحدودية مع تركيا قبل أيام. وفي العراق، اضطر إلى الانسحاب من مدينة تكريت بعد وقت قصير من الاستيلاء عليها. ولعبت الغارات الجوية التي ينفذها تحالف دولي بقيادة أمريكية على مواقعه وتجمعاته منذ الصيف الماضي دوراً كبيراً في هذه الهزائم.لكن في المناطق التي اجتاحها، نزح عشرات آلاف السكان خوفاً من التنظيم الذي سبقته سمعته حول انتهاج القتل والخطف وإجبار الناس على اعتناق الإسلام واحترام الشريعة، وإلا الموت.وفي يونيو الماضي، ألقى القبض على نحو 1700 مجند قرب قاعدة عسكرية في تكريت شمال بغداد، ثم أعلن قتلهم، عبر الصور وأشرطة الفيديو على الإنترنت، وألقى جثث بعضهم في نهر دجلة، بينما دفن آخرون في مقابر جماعية.وفي سوريا، تتالت صور عمليات القتل الجماعي في حق جنود -نحو 300 في حقل شاعر في محافظة حمص- أو قتل أفراد صلباً وشنقاً ورمياً بالرصاص، بتهم مختلفة تتراوح من موالاة النظام إلى الكفر إلى المثلية الجنسية، ولم يوفر الإرهابيون أبناء طائفتهم من خلال إعدام أكثر من 700 فرد من عشيرة الشعيطات السنية التي تجرأت على مواجهتهم.كما وجه عناصر التنظيم رسائل إلى الخارج، عبر قطع رؤوس رهائن غربيين محتجزين لديهم، وإحراق طيار أردني حياً، للاقتصاص من الدول المشاركة في التحالف الدولي.ويرى بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية «انترناشونال كرايزيس غروب» أن تنظيم الدولة «يلجأ إلى عنف فاضح يقارب إباحية العنف، ليحدث تعبئة بين أعدائه الذين يقومون بالكثير من الضجيج ويعطونه أهمية كبرى».وجذب أسلوب القوة هذا مجموعات إرهابية خارج «أراضي الخلافة» المعلنة، فأقدم تنظيم الدولة في ليبيا في أبريل الماضي على إعدام 28 إثيوبياً مسيحياً ذبحاً، بعد أن أعدم 21 مصرياً قبطياً في فبراير الماضي. وتبنت فروع التنظيم تنفيذ إعدامات وتفجيرات خلال الأشهر الأخيرة في مصر والسعودية وتونس واليمن وباكستان، في وقت يستمر تدفق المقاتلين الأجانب للانضمام إلى القتال في سوريا من دول عديدة.ويرى الباحث في مركز كارنيغي في الشرق الأوسط يزيد صايغ أن «الفروع تكسب التنظيم رصيداً وتساعده على إيجاد متطوعين وعلى خلق ضغط مضاد على حكومات الدول الأخرى»، إلا أن «داعش معني خصوصاً بتعزيز قوته والدفاع عن مكاسبه وترسيخ سلطته داخل سوريا والعراق».ويرى هارلينغ أن التنظيم «حركة براغماتية تظهر حساً سياسياً ولا تقتصر على ممارسة العنف».ويتابع «لقد أدرك مثلاً أن تدمير التراث في تدمر مختلف عن تدمير الآثار في العراق، لأن منطقة الآثار العراقية التي دمرها كانت غير سياحية وبعيدة، بينما تدمر كانت مقصداً للسياح حتى الأمس القريب، وتدميرها كان سيقلب ضده كل السكان المحليين».ويشير صايغ إلى أن التنظيم نجح في «مناطق ذات غالبية سنية وجد فيها تأييداً لدى شرائح واسعة» من السكان، وهي «مناطق كانت تعاني في الماضي من الكثير من الاستهتار والتهميش».ويضيف أن هذه الشرائح ترى أن التنظيم يقوم بتسيير «الإدارات المدنية والخدمات، ويحارب الفساد، ويوفر القضاء في القضايا الشخصية والتجارية».وتبث حسابات مناصري «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تقارير يومية عن تزيين الطرق العامة والأرصفة، وحملات نظافة وتلف مواد غذائية فاسدة، وعن المدارس ومطاحن القمح والأسواق التجارية المزدهرة في مناطق سيطرة التنظيم.ويخلص صايغ إلى القول «يريد التنظيم أن يقول: نحن دولة فعلية ودولة بديلة».