باريس - (أ ف ب): عمدت الحكومات الأوروبية إلى فرض إجراءات غير مسبوقة لمواجهة تصاعد الفكر الإرهابي على أراضيها بعدما بلغ عدد المقاتلين الأوروبيين في سوريا والعراق عدة آلاف، لكن يحذر خبراء من غياب الثقة بين وكالات الاستخبارات، وتجد الدول الأوروبية نفسها حائرة بين إجراءات مكافحة الإرهاب وفي نفس الوقت المحافظة على الحريات المدنية. ومنذ دعا تنظيم الدولة «داعش» المسلمين كافة للانضمام إلى «الخلافة» التي أعلنها قبل عام، ارتفع بكثرة عدد المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى المتطرفين، وتحدثت الأمم المتحدة عن ارتفاع بنسبة 71% خلال 9 أشهر، بين يوليو وأبريل الماضيين. وقد أعلن التنظيم المتطرف عن «الخلافة» في 29 يونيو 2014. ووفق المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن فإن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق تخطى 20 ألفاً بحلول يناير الماضي، نحو 20% منهم من أوروبا الغربية.
وتخبطت الحكومات الأوروبية في محاولتها إيجاد حل لهذه الظاهرة، ووجدت نفسها بين أمرين، ضمان الأمن في البلاد والحريات المدنية، خاصة حين تلجأ إلى حظر السفر على بعض الأشخاص.
وعلى سبيل المثال، صادرت فرنسا 60 جواز سفر منذ فبراير الماضي. ووافق مشرعوها على تعزيز إجراءات الرقابة عبر السماح بوضع كاميرات مراقبة في المنازل وأجهزة تجسس على الحواسيب الخاصة بأي شخص يخضع لتحقيقات حول الإرهاب حتى من دون الحصول على مذكرة قضائية. أما بريطانيا فصادقت أيضاً على تشريع مماثل في فبراير الماضي يتضمن بنداً جريئاً حول منع الأئمة المتطرفين من إلقاء كلمات في الجامعات. إلى ذلك بدأت كل من ألمانيا وهولندا والدنمارك بمصادرة بطاقات الهوية وجوازات السفر لمنع من يشتبه بأنهم مقاتلون من مغادرة البلاد، ويتوقع أن تلجأ بلجيكا قريباً إلى الإجراء ذاته.
ومن هنا يتخوف المحلل انثوني دووركين من مركز المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية من أن الكفة أصبحت تميل لصالح ضمان الأمن بعيداً جداً عن احترام الحريات المدنية.
ووفق دووركين فإنه «من المهم جداً أن يعكس ردنا على الإرهاب بعض المرونة خاصة أننا لن نتخلص أبداً بشكل كامل من مشكلة الإرهاب». ويضيف أن «الكثير من إجراءات الرقابة هذه لم تثبت أي تغير نوعي. وعلى سبيل المثال، نعلم أن السجون هي من بين أهم مراكز التطرف، وبالتالي فإن سجن أي أحد قادم من سوريا لن يؤدي إلا إلى نتيجة عكسية».
ويعتقد مسؤول رفيع المستوى في إدارة مكافحة الإرهاب في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن الإجراءات الوقائية المشددة قد لا تكون مضمونة بالكامل. ويشرح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه «من السهل نوعاً ما السفر إلى الخارج من دون جواز سفر بالنسبة للإرهابيين وحتى عودة المقاتلين الأجانب إلى البلاد وذلك عبر اللجوء إلى شبكات تهريب». وبالنسبة للمسؤول فإن التحدي يكمن في أن تبقى عمليات مكافحة الإرهاب «متكافئة ومن دون تمييز» وفي معرفة أن «الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر متطرفة ليسوا بالضرورة إرهابيين». ويضيف أن «حرية التعبير هي في الحقيقة أمر شائك، وأن عتبة البلوغ إلى درجة تجريم حرية التعبير يجب أن تكون مرتفعة جداً».
وفي وقت يتخوف فيه الكثيرون على حقوقهم وحرياتهم، فإن واحدة من الأمهات على الأقل تعتقد أن الإجراءات المتخذة ليست كافية.
وعمدت والدة أحد المراهقين الشهر الحالي إلى رفع دعوى قضائية على الحكومة الفرنسية لفشلها في منع ابنها من الانضمام إلى الإرهابيين في سوريا. وتقول الوالدة الفرنسية إنه كان على الأجهزة الأمنية في المطار أن توقف ابنها البالغ من العمر 16 عاماً والذي لم يكن يحمل أي أمتعة ولديه تذكرة ذهاب فقط إلى تركيا، مدخل «المقاتلين» إلى سوريا.
ويكمن الخوف الأساسي لدى الحكومات الأوروبية في عودة هؤلاء المقاتلين من مناطق النزاع مع خبرة قتالية واسعة لشن هجمات على الأراضي الأوروبية.
وفي تقرير حديث، حذرت الاستخبارات البريطانية من أن عدد البريطانيين الذين تدربوا كـ»إرهابيين» أصبح أكثر من أي وقت مضى، كما أن أكثر من نصف المواطنين الـ700 الذين توجهوا إلى سوريا عادوا إلى البلاد. وجاء في التقرير حول قدرات التجسس فإن «التهديد الذي تشكله عودتهم إلى البلاد لا يقتصر على التخطيط لهجمات بل يكمن أيضاً في جذب شركائهم نحو التطرف وفي تيسير العمل وجمع التبرعات». وترى كامينو مورتيرا مارتينيز من معهد الإصلاح الأوروبي أن «أنظمة تبادل المعلومات موجودة ولكن لا يتم استخدامها دائماُ». وتضيف أنه هناك دول عدة في أوروبا «لا تثق ببعضها بالضرورة، فالاستخبارات البريطانية قد لا تزود رومانيا بالمعلومات لأنها تتخوف من الفساد ومن تسريب تلك المعلومات».
وبالرغم من أن 15 دولة من أصل 28 في الاتحاد الأوروبي اعتمدت على أنظمة تبادل معلومات خاصة بها ومصممة على شكل اتفاقات موجودة حالياً مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، فإن البرلمان الأوروبي يصر على ضرورة تبني قوانين لحماية البيانات قبل أن تتبع دول القارة كلها السياسة ذاتها.