أمريكا تثير المشاعر غير العقلانية لدى عامة الناس وتستغلها عمداً
الإعلام الأمريكي يقدم توصيفات سالبة عن الإسلام والمسلمين
لدى الرأي العام الأمريكي صورة ذهنية مغلوطة
عن الإسلام والمسلمين
العديد من الضحايا سقطوا نتيجة استخدم أمريكا العشوائي للقوة
الخطاب الإعلامي الدولي يخلخل الانتماءات الاجتماعية بضرب وتر الاختلافات المذهبية
أثبتت دراسة علمية أن الخطاب الإعلامي الأمريكي فشل في تشكيل رأي عام في العالم الإسلامي يتوافق مع معطيات السياسة الأمريكية، على الرغم من وجود تيارات تساند توجهات الولايات المتحدة في المنطقة العربية والإسلامية، وأن الإعلام الأمريكي يقدم توصيفات سالبة عن الإسلام والمسلمين.
وأوضحت الدراسة، التي أعدها الزميل بـ»الوطن» عبدالله الطاهر ونال بموجبها درجة الدكتوراه في الصحافة والنشر من كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية في السودان، أن 75% من أفراد العينة أكدوا فشل الخطاب الإعلامي الأمريكي، وذلك لأن تغطيات الصحافة الأمريكية وفقاً لـ75% من أفراد العينة يؤازرون الموقف السائد للحكومة الأمريكية في الأزمات المتعلقة بالسياسة الخارجية لاسيما في حالة تناول الصراعات بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وأضافت الدراسة، التي جاءت بعنوان «اتجاهات الخطاب الإعلامي الأمريكي نحو العالم الإسلامي – دراسة تطبيقية على افتتاحيات صحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» خلال الفترة من سبتمبر 2001 حتى سبتمبر 2003»، أن الولايات المتحدة حاولت إيجاد حلول لهذه المشكلة عبر إنشاء وسائل إعلام أمريكية في العالمين العربي والإسلامي ناطقة باللغة العربية، مثال قناة «الحرة» إذاعة راديو «سوا»، ويرى أفراد العينة أنها فشلت في ذلك، بنسبة 48.3%، فيما وصف 25% ذلك الفشل بـ»إلى حد ما».
وتذهب الدراسة بموافقة 45% إلى أن هذا الفشل أثر بالممارسات الإعلامية الأمريكية سلباً على الرأي العام في الدول الإسلامية. كما أن هذا الفشل لعب دوراً مهماً في تفاقم التوترات الداخلية والخصومات العرقية والمشاكل الاجتماعية القائمة، لخدمة المصالح الأمريكية، بموافقة 86.7%.
التضليل والحرب
على الإرهاب
وحاول الباحث في هذه الدراسة بشكل محدد الإجابة على التساؤلات المتعلقة بالكيفية التي عالجت بها افتتاحيات صحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي، وربطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كما أنه سعى لقياس رأي خبراء إعلام وأكاديميين عرب حول توجهات الخطاب الإعلامي الأمريكي نحو العالم الإسلامي، إعتماداً على قراءة تداعيات أحداث 11/9، ومدى تأثيرها على علاقات العالم الإسلامي والعربي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير الدراسة إلى أن الحرب العالمية الرابعة ضد ما تسميه أمريكا «الإرهاب الدولي» والدول المساندة له هي حرب تعتمد أكثر على التنظير أو التأويل السياسي والإعلامي أكثر مما تعتمد على المعلومات الموضوعية التي قد يجمعها المراسلون الصحافيون أو حتى عملاء الإستخبارات، ففي مقابل بضع عشرات من الإعلاميين الأمريكيين الذين يغطون الأحداث في الشرق الأوسط هناك آلاف المنظرين والمعلقين السياسيين الأمريكيين الذين يفسرون الأحداث والوقائع على طريقتهم بمعزل عن الحقائق على الأرض، وبهذا المعنى فإن الإنتصار أو الهزيمة في الحرب الأمريكية على «الإرهاب الدولي» والدول المساندة له سيعتمد بشكل كبير على مدى نجاح أو فشل الحملة التي يشنها الإعلام الأمريكي بحسب إنحيازاته وإستقطاباته الجمهورية أو الديمقراطية.
وتضيف الدراسة أن وسائل الإعلام في ظل الدول ذات التفكير الساعي نحو الهيمنة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى للسيطرة على الرأي العام عبر أساليب حديثة نتجت جراء ما وفرته دراسات علم الإتصال بعد أن استفادت مما توفر من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية.
وتقول الدراسة إن أوقات الأزمات والنزاعات والحروب تشكل الأجواء الملائمة لنمو المنهج التضليلي ولتنتقل الحرب الحقيقية إلى ميادين أخرى جديدة سمتها أنها حرب معلومات تلعب فيها وسائل الإعلام الدور الرئيسي بدلاً عن الوحدات العسكرية، ويصبح المحررون وكتاب التقارير والمراسلون هم الجنود والضباط، موضحة أن الانفجار المعلوماتي الذي شهدته ويشهده العالم بالإضافة إلى التغيرات الهائلة في مجال تقنية المعلومات، هيأ لظهور أسلوب التضليل الإعلامي، حيث سعت الولايات المتحدة على وجه الخصوص والكثير من الدول بالعموم في ظل الصراعات الدولية إلى ممارسة سياسة التضليل الإعلامي بما فيها من تحريف وكذب من أجل التأثير على الرأي العام والسيطرة عليه وخلق صورة ذهنية تساعدهم في تحقيق أهدافهم.
وتضيف أن تغطية وسائل الإعلام العالمية للحرب على العراق شكلت جدلاً دولياً واسعاً ونقطة فارقة في التساؤلات التي ظلت تُطرح حول الأدوار التضليلية والدعائية التي تمارسها وسائل الإعلام الغربي بالعموم والأمريكي على وجه الخصوص، وإلى أي مدى أسهمت تلك الوسائل في خداع الرأي العام العالمي؟، وكانت وسائل الإعلام الأمريكي قد حشدت كل إمكانياتها، ووظفت تقنيات الدعاية الحديثة في التحضير لضرب العراق في العام 2003م كما تم استخدام تقنيات متطورة للغاية لتسويق الحرب في العراق، فالإعلام بالعموم يلعب دوراً نوعياً في تعقيد النزاعات وتأخير حلها أو العكس في تسهيلها وتسريع حسمها.
تحيز الصحافة الأمريكية
وكشفت دراسة تحليل المضمون عن أن الصحافة الأمريكية وجهت أصابع الاتهام بصورة غير مباشرة للمسلمين والعرب بسبب تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وجاءت الدراسة الميدانية داعمة لذلك، إذ يرى 55% من أفراد العينة أن «الصحافة الأمريكية كانت متحيزة في تغطية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001»، وكذلك يقر 65% أن الصحافة الأمريكية تشوه صورة الإسلام والمسلمين.
وأوضحت الدراسة أن 65% من أفراد العينة أقروا أن الحرب العالمية على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ما هي إلا محاولة لاستهداف الإسلام والمسلمين.
وأثبتت الدراسة أن الصحافة الأمريكية تساند وتبرر السياسة الأمريكية ضد العرب والمسلمين وبعض رموزهم من خلال ربط صورهم بممارسات وسلوكيات يتم نعتها بالإرهابية، بموافقة 70% من أفراد العينة. كما أثبتت الدراسة الميدانية افتقاد الصحافة الأمريكية للمصداقية حينما تتناول أحداثاً أو قضايا تخص المسلمين والإسلام (70% من أفراد العينة).
ويتضح كذلك أن 90% من أفراد العينة أقروا أن «الصحافة الأمريكية تربط الإرهاب بالإسلام في حال وجود بعض المتطرفين الذين يشكلون نسبة ضئيلة بين عدد المسلمين في العالم الذي يفوق 1.62 مليار، فيما لا تربطه بأي ديانة أخرى رغم وجود حالات لمتطرفين أرثوذكس وكاثوليك وهندوس».
أوضحت الدراسة الميدانية أن الصحافة الأمريكية تمارس التضليل الإعلامي كجزء من استراتيجية علاقات الإدارة الأمريكية مع الدول الأخرى خاصة الإسلامية والعربية، إذ أقر ذلك 71.7% من جملة العينة.
وعزز ذلك أن 80% من أفراد العينة يرون أن «تغطية الصحافة الأمريكية للحرب ضد العراق وأفغانستان قدمت أنموذجاً للتضليل الإعلامي».
أثبتت الدراسة أن هناك صورة ذهنية مغلوطة لدى الرأي العام الأمريكي عن الإسلام والمسلمين، (78.3%).
أثبتت الدراسة أن التغطية الإخبارية السلبية للعالم الإسلامي من قبل وسائل الإعلام الأمريكية ساهمت في التأثير على تصورات الجمهور وصناع السياسة ومواقفهم حول المجتمعات الإسلامية.
وأثبتت الدراسة أن الممارسات الإعلامية الأمريكية تنتهك السيادة الوطنية للدول الإسلامية، في مقابل صمت المجتمع الدولي.
وأكدت الدراسة أن هناك العديد من الضحايا الذين سقطوا نتيجة استخدم الولايات المتحدة الأمريكية العشوائي للقوة، أو كما تسميه الولايات المتحدة بتعبير ملطف «أضرار جانبية».
وأثبتت الدراسة أن السياسات الإعلامية للولايات المتحدة تجاه الدول الإسلامية والعربية تفاقم التوترات الداخلية والخصومات العرقية والمشاكل الاجتماعية القائمة، لخدمة المصالح الأمريكية، وتساعدها هذه الدول بخطط اقتصادية وسياسات أمنية، وانتهاكات للحقوق الأساسية للمواطنين.
وبرهنت مآلات الثورات العربية التي شهدتها بعض الدول العربية منذ العام 2010، والتي تعرف بـ«الربيع العربي» أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إثارة المشاعر غير العقلانية لدى عامة الناس واستغلالها بشكل متعمد.
وأكدت الدراسة أن هناك تأثيرات واضحة يتركها الخطاب الإعلامي الدولي في ظل العولمة على سيادة الدول، وخلخلة الانتماءات الاجتماعية بالضرب على وتر الاختلافات المذهبية وغيرها من الإشكالات التي تشهدها المجتمعات الإسلامية والعربية.
توصيات الدراسة
وأوصت الدراسة بتأسيس مؤسسات إعلامية (قنوات فضائية تلفزيونية وإذاعية وصحف) توجه للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام، وتخاطب جمهور المتلقين باللغات السائدة في تلك المجتمعات. والتنسيق الإعلامي بين الدول الإسلامية والعربية لصياغة خطاب إعلامي في مواجهة ما يبث في وسائل الإعلام الأمريكية من معلومات مغلوطة وتصورات خاطئة عن الإسلام والمسلمين.
ودراسة مضمون التدفق الإعلامي الأمريكي والغربي الموجه إلى الدول الإسلامية والعربية، ومحاولة إيجاد سبل كفيلة باستخلاص نتائج الأهداف التي من أجلها صمم الخطاب الغربي، ووضع الخطط التي تكون بمثابة الترياق المضاد لهذه الخطابات الضارة، ولتفادي تأثيرها على سكان الدول العربية والإسلامية.
واستثمار التوجه الأمريكي نحو تصحيح صورة الولايات المتحدة لدى العرب مقابل أن تصحح الولايات المتحدة الأمريكية الصورة النمطية للعرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي.
وصياغة صورة نمطية بديلة عما هو موجود في وسائل الإعلام الأمريكي، ومكافحة محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين بالإعلام الغربي.
وإعادة النظر في السياسات الإعلامية المتبعة في الدول الإسلامية والعربية لتأسيس رؤية واضحة حول صورة الآخر (أمريكا والغرب) بشكل علمي.
والعمل على تأسيس اتحاد إسلامي يجمع كافة الدول الإسلامية تحت مظلته على شاكلة الاتحاد الأوروبي، يبدأ بتوحيد السياسات الخارجية للدول الإسلامية في مواجهة الهجمة الإعلامية الغربية بالعموم والأمريكية على وجه الخصوص، وتأسيس مراكز أبحاث في العالمين العربي والإسلامي على نمط مراكز الأبحاث الأمريكية المعروفة باسم «Think Tanks» - أي مراكز التفكير – لتعين مراكز اتخاذ القرار فيما يتعلق بالسياسات الخارجية.
والعمل على وضع وتنفيذ خطة محكمة لتصحيح المعلومات المغلوطة التي تحفل بها الموسوعات العلمية والمراجع الأساسية في الغرب عن الإسلام، وتنشيط جهود الدعوة الإسلامية في الغرب – بشرياً ومادياً – لتؤدي دورها المطلوب في توضيح مفاهيم الإسلام ومبادئه وتفنيد المغالطات التي تشوه صورة الدين الإسلامي في العقل الغربي.
وزيادة وعي المسلمين الأمريكيين بحقوقهم المدنية وخاصة فيما يتعلق بحقهم في ممارسة دينهم بمختلف المؤسسات العامة الأمريكية، والدفاع عن تلك الحقوق من خلال جهد منظم وعملي، وتشجيعهم على المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية واستخدام حقوقهم المكفولة دستورياً، خاصة التصويت وحرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم السياسي والترشح لتولي المناصب السياسية.
والعمل على التأثير على السياسية الخارجية الأمريكية لتطوير الموقف الأمريكي من قضايا المسلمين المهمة وعلى رأسها قضية فلسطين وقضية كشمير وقضايا الأقليات المسلمة المظلومة في بلدان كيوغسلافيا السابقة وروسيا، ليكون أكثر إيجابية وعدلاً في مواجهة هذه القضايا.