أدى أكثر من خمسة آلاف مصل شعائر صلاة الجمعة الموحدة الثانية بجامع الفاتح أمس، بإمامة خطيب الجامع الشيخ عدنان القطان، وبحضور عدد من كبار المسؤولين في المملكة وعدد من الوزراء، في أجواء روحانية عمت أرجاء المكان الذي امتلأ عن آخره بالمصلين من أبناء الطائفتين الكريمتين، فضلاً عن المقيمين الذين حفلت بهم أروقة جامع الفاتح وساحاته.
ونظمت الصلاة الموحدة المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني ضمن مبادرة جديدة بعنوان «بحرين التسامح» للمرة الثانية بعد أن كانت الأسبوع الماضي في قرية عالي بإمامة الشيخ ناصر العصفور.
وتسعى مبادرة «بحرين التسامح» إلى لم شمل المجتمع البحريني وتوحيد الصف عن طريق إقامة صلاة يوم الجمعة بمشاركة مجموعة من المواطنين من الطائفتين الكريمتين السنية والشيعية في إحدى مساجد المملكة.
وقامت المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني برئاسة رئيس مجلس الأمناء سهيل غازي القصيبي وعدد من أعضائها وعدد من المواطنين المؤمنين بمبادئ عمل المؤسسة والمحبين لوطنهم من الطائفتين الكريمتين بأداء أول صلاة جمعة مشتركة منذ انطلاق المبادرة يوم الجمعة الموافق 3 يوليو الحالي، بجامع قرية عالي بإمامة الشيخ ناصر العصفور بمسجد من الطائفة الشيعية، وثاني صلاة يوم أمس الجمعة بجامع أحمد الفاتح بإمامة الشيخ عدنان القطان من الطائفة السنية.
مؤامرات تحدق بالبحرين
واستهل خطيب جامع أحمد الفاتح فضيلة الشيخ عدنان القطان في خطبته بدعوة «أبناء البحرين الأوفياء من سنة وشيعة وغيرهم إلى الوقوف جميعاً صفاً واحداً في وجه ما أسماه تلك الأمواج العاتية من الأخطار والتحديات والمؤامرات» التي تحدق بالبحرين، مشدداً على أن ما يجمع البحرينيين أكثر مما يفرقهم، حيث يشهد التاريخ «بأخوتهم التي تجذرت، وعاشوا معاً سنين طويلة أسرة واحدة، متحابين متكاتفين متعاونين».
وخاطب القطان جموع المصلين بالقول: «يا من ساهم في بناء وطنه بفكره وعلمه، بساعده وعرقه، بلسانه وقلمه»، داعياً إياهم بأن يقولوا جميعاً وبصوت واحد: «لا للطائفية، ونعم للأخوة والوحدة وللمحبة والصفاء والتعايش»، وأشار «اتقوا الله في هذا الوطن الآمن، واحذروا الفتن، وتضرعوا إلى ربكم جل وعلا أن يكشف عن هذا الوطن البلاء والغمة والفتن، وأن يرفع عنه المصائب والمحن».
وذكر أنه «يتعين على البحرينيين جميعاً في ظل هذه الظروف والفتن التي تمر بها بلادنا وخليجنا وبلاد المسلمين، أن نلزم التواصي فيما بيننا بالبر والتقوى، والتمسك بحبل الله، والبعد عن التفرق والاختلاف والنزاع والشقاق والخصام، وأنه يجب على الجميع أن يوطد ويعمق معاني الأخوة والمحبة والوحدة والتعايش والتماسك في هذاد الوطن»، لافتاً إلى ضرورة أن «يحرس كل منا بحسب موقعه ومركزه نعمة الأمن والأمان، والوحدة والتماسك» التي تنعم بها البلاد.
وأضاف أن «من يسعى لنشر الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ويعزف على وتر الطائفية والبغضاء، فإنه يسعى لإضعاف العوامل التي ينبني عليها أساس الأمن والأمان، والوحدة والتماسك»، مؤكداً على أهمية التناصح والتسامح بين أخوة المجتمع الواحد باعتبار ذلك السبيل الوحيد للحفاظ على أمن الوطن واستقراره».
وتابع موجهاً حديثه لكل أبناء البحرين: «احرصوا على وحدتكم الوطنية ورأب الصدع، وانبذوا العنف والإرهاب، وحافظوا على مكتسبات وطنكم وما حققتموه من منجزات ومكتسبات، في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه، واحذروا مكائد الأعداء ومخططاتهم والشائعات والكذب وتضخيم الأمور والإصغاء والتأثر بقنوات ومنابر الفتنة والفساد والتحريض، وتفاهموا وتحاوروا من أجل مصلحة وطنكم، واحمدوا الله تعالى على نعمه، ولا تعرضوها للزوال، واعتبروا بما يحدث في دول فقدت الأمن والأمان».
وخص القطان في خطبته أهل العلم من العلماء والخطباء والأئمة والفقهاء والدعاة ودعاة الخير والمثقفين والكتاب والمفكرين وأهل الرأي والعقلاء بجزء من حديثه، حيث دعاهم إلى تقوى الله في وطنهم وشبابه، وقال لهم: «كونوا للصلاح وإصلاح ذات البين، واحذروا التحريض والتجييش على العنف والتخريب وأذية العباد، وتدمير اقتصاد البلاد، والتحريض على الخروج للمظاهرات وإحداث الفوضى في البلاد، وتعطيل مصالح العباد»، واصفاً ذلك بـ «دورهم الرئيس في الوعظ والإرشاد والنصح في جميع المحافل، وبما يسهم في التقريب والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، والمحافظة على الأصول والثوابت».
وأشار إلى ضرورة أن يسعى كل هؤلاء من العقلاء والعلماء إلى «تحقيق الوحدة والتلاحم فيما بين الناس، ونبذ الفرقة والخلاف، وإزالة كل ما يكدر صفو الألفة والمحبة والأخوة، التي جمعت ولا زالت تجمع بين أطياف المجتمع البحريني»، موضحاً أن «الدين الإسلامي الحنيف، حث على ‏التآلف والمودة، واجتماع الكلمة، ووحدة الصفوف، وحذر من التنافر والفرقة والشقاق والتنازع».
وخلص القطان في ختام خطبته إلى الدعوة إلى إذكاء «روابط الإخاء الإسلامي، ودعم وشائج الصدق والمحبة في المجتمع»، مؤكداً «أنه لا علاج لداء الفرقة والخلاف والتفكك الاجتماعي، إلا بتتبع أسبابه وأعراضه، والجد في القضاء عليها».
وابتهل القطان في دعائه المولى عز وجل بالقول :«اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وسدد على طريق الخير خطاهم وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين».
الإرهاب واحد أينما كان
وأفاد مراسل وكالة أنباء البحرين «بنا» أن الجامع امتلأ تماماً منذ الصباح الباكر بالمصلين الذين وفدوا من مختلف أرجاء المملكة، وشهدت أروقته وساحته ازدحاماً بالمصلين، حيث قامت الأجهزة المعنية ممثلة في الشرطة المجتمعية وإدارة المرور والمتطوعين بالترتيب لاستقبال المصلين وتأمين عملية دخولهم وخروجهم بانتظام لأداء شعيرة الجمعة الموحدة الثانية التي قام بها البحرينيون للجمعة الثانية على التوالي.
وأشاد عدد كبير من أبناء البحرين الذين التقتهم الوكالة عقب أداء الصلاة بدور الأجهزة المعنية بتنفيذ خططها التي أعدتها على أرض الواقع لتيسير عملية أداء الصلاة التي ضمت الكثير من شرائح المجتمع ومكوناته وفق ما هو مرسوم لها، معتبرين أن هذا الجهد المشكور لهو دليل على رفض كل أبناء البحرين أي محاولة لشق الصف، وأن البحرين ستبقى دائماً أبداً عصية على محاولات ضرب اللحمة الوطنية وأنها ستعمل دائماً بروح الفريق الواحد.
وفي لقاء خاص لوكالة أنباء البحرين «بنا» ثمن وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، المبادرة الأهلية للدعوة للصلاة الموحدة، ابتغاء لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وتأكيد وحدة الصف، مشيراً إلى أن «الصلاة المشتركة هي مبادرة دينية ووطنية للتأكيد على وحدة المسلمين تجاه ما يتهددهم من أخطار الإرهاب والتطرف والكراهية».
وقال إن الجامع في الإسلام هو لجميع المسلمين وتوحيد صفهم وكلمتهم، مشدداً على أن الإرهاب واحد أينما كان، قائلاً إن «استهداف المصلين لا يكون إلا ممن يعادي الله ورسوله، ودعا إلى إبعاد السياسة عن دور العبادة والشعائر الدينية، صوناً لقدسيتها والحفاظ على روحانيتها».
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة للصحفيين إن «الصلاة اليوم في مسجد أحمد الفاتح كاملة شملت كل المسلمين من كل الطوائف وفي مسجد واحد.
وأضاف، إن هذا الحضور الكبير قد أفرحنا ونسأل الله تعالى في هذه الأيام المباركة أن يجمع أهل البحرين على الخير»، مشيداً بدور الأستاذ سهيل القصيبي رئيس مجلس أمناء المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني للدعوة للصلاة الموحدة».
وأكد الوزير أن «الصلاة الجماعية والموحدة ستتكرر بإذن الله تعالى، وأنه لا أحد يقدر على أهل البحرين، وأن البحرين صعبة المنال... البحرين أسرة واحدة وقوية، حتى أن درجة الخلاف لا يمكن أن نسميها خلافاً».
وحول سؤال أحد الصحافيين بأن الصلاة الجماعية في مسجد الفاتح لها ميزة، أكد الوزير أن «الصلاة التي كانت الأسبوع الماضي في مسجد عالي والتي أقيمت اليوم في الفاتح كلها بيوت الله ولا فرق بين مسجد وآخر، لكن مسجد أحمد الفاتح تقام فيه فعاليات كثيرة ونتمنى أن يشهد المزيد من الفعاليات التي تعزز الوحدة الوطنية في في بلادنا أكثر فأكثر».
رسالة ضد التطرف والإرهاب
وبدوره، قال مؤسس ورئيس مجلس أمناء المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني سهيل القصيبي «اليوم نحن سعداء جداً لتلبية المواطنين المشاركة في الصلاة الموحدة، والتي تهدف إلى أن تكون رمزاً ورسالة ضد التطرف والإرهاب والفكر التكفيري، وقد وجدت الفكرة إقبالاً كبيراً على المستوى الرسمي والشعبي من أجل إعادة اللحمة الوطنية وتعزيز قيم الوطنية لدى الجميع».
وقال القصيبي «تأتي مبادرة «بحرين التسامح» تزامناً مع الأحداث المؤسفة التي تشهدها دول الجوار الشقيقة، والتي تستهدف دور العبادة وتسعى لنشر الأفكار المتطرفة و إشعال نيران الفتنة بين أبناء الدين الواحد. و تهدف المبادرة إلى التصدي للتطرف الديني و الفكر التكفيري، والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب، اقتداءً بالآية الكريمة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». ونحن بصدد تنظيم المزيد من المبادرات للوصول إلى اللحمة الوطنية و تحقيق التكاتف والتماسك بين جميع أبناء المجتمع البحريني، ونحن مصرون على مواصلة المشوار مهما واجهتنا العقبات والصعوبات من أجل مملكتنا الغالية».
وأوضح د.عبدالله المقابي «اليوم نجتمع في مسجد واحد وصلاة واحدة جامعة تضم الأشقاء في الطائفتين الكريمتين للتأكيد على أن البحرين مجتمع يسوده التسامح ولا زال والمحبة تسود بين كل أفراده، ونقف جميعاً اليوم صفاً واحداً لنؤكد وقوفنا جميعاً جنباً إلى جنب القيادة الرشيدة ضد التطرف والإرهاب وضد كل من يشوه ديننا الإسلامي الحنيف».
وأضاف «الصلاة الموحدة سواء تلك التي كانت في جامع عالي الجمعة الماضية أو اليوم تبين حقيقة البحرين وما فيها من تعايش وتسامح بين كل الطوائف والمذاهب والأديان، والحمد لله البحرين تمتلك حس التعايش السلمي والتعاون والتآخي والتواصي لا فرق بين طائفة وأخرى». جدير بالذكر أن المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني تأسست، بمباركة كريمة من ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بهدف تعزيز التلاحم والتوافق في المجتمع البحريني، وتسعى المؤسسة إلى دعم تبادل الرؤى والقيم عبر مختلف شرائح المجتمع من أجل تشجيع المصالحة والحوار المدني في البحرين.