شدد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على أن «ما مرت به البلاد من أزمات، لم تكن إلا سبباً إضافياً في تقوية البيت البحريني وتحصينه من أي محاولات بائسة للتشويه، أو للنيل من منجزاتنا ومكتسباتنا الوطنية، التي تحميها وتسندها جهود وطنية عريقة بدأت مبكراً في تاريخ البحرين، ولاتزال مستمرة»، واصفاً ذلك بأنه «يبعث على الاطمئنان».
وأضاف عاهل البلاد المفدى، خلال مأدبة إفطار في قصر الروضة أمس بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وكبار أفراد العائلة المالكة الكريمة ورئيسي مجلسي النواب والشورى والعلماء والوزراء وعدد من المدعوين، أن «هذا الشهر المبارك، مناسبة عظيمة لنا جميعاً للتفكر في ما يجمع كلمتنا ويوحد صفوفنا، ويقوي أخوتنا، ويحفظ أمننا».
وأشار جلالته إلى أن هذا الشهر فرصة للتأمل في معاني الأخوة التي بيننا، والتي نستمد قوتها من تعاليم ديننا الحنيف ووشائج الدم والقربى وحب هذا الوطن العزيز، وهي من نعم الله الكثيرة علينا، التي يجب أن نرعاها حق رعايتها، ونحافظ عليها، وندافع عنها بوحدة الشعب وتماسكه بإذن الله تعالى وتوفيقه.
من جانبه قال رئيس معهد جامع عيسى بن سلمان للدراسات الإسلامية فضيلة الشيخ د.راشد الهاجري، خلال حديث ديني بعنوان «مرتكزات التعايش في المجتمع البحريني»، إن أبناء البحرين أظهروا في كل فتنة تماسكاً وتعاضداً خيب ظنون المتآمرين من دعاة الانحراف والتطرف والفتن.
وأشار د.راشد الهاجري إلى أن أبناء البحرين قدموا دروساً رائعة ومواقف مشرفة يحتذى بها في التآلف والتكاتف صفاً واحداً وسداً منيعاً في وجه كل من يريد أن يعبث بأمن بلادهم ومكتسباتهم ووحدتهم ليبعثوا برسالةٍ قويةٍ بأن البحرين بجميع مكوناتها عصية على كل محاولات الإرهاب والتطرف وأنها لا تزيدهم إلا قوةً و تماسكاً.
وأضاف أن التعايش بين أبناء البحرين بصوره كلها سواء الجغرافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي كان ماثلاً للعيان ونموذجاً يحتذى به.
وصافح جلالة الملك المفدى الحضور وتبادل معهم التهاني بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال، ويوفقنا لخدمة ديننا ووطننا ويؤلف بين قلوبنا، وأن يعيد هذه المناسبة الكريمة على شعب البحرين بالخير والبركات ويحفظ مملكتنا البحرين ويديم عليها نعمة الأمن والأمان والسلام.
وأدى حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى والحضور صلاة المغرب جماعة.
ويعرض تلفزيون البحرين على المشاهدين برنامجاً خاصاً عن مأدبة الإفطار التي أقامها جلالة الملك المفدى بعد نشرة الساعة الثامنة من مساء اليوم.
توحيد الصفوف وتقوية الأخوة
ثم تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله بإلقاء كلمة سامية فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
أصحاب السمو، أيها الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
يسرني أن أجدد لكم التهاني بشهر رمضان المبارك، وأبارك لكم دخول العشر الأواخر منه، مبتهلين إلى المولى تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يعيده علينا وعلى وطننا العزيز البحرين وشعبنا الكريم بالخير واليمن والبركات ، وعلى الأمتين العربية والإسلامية بالرفعة والسلام والاستقرار .
كما يسرني أن أتقدم بالشكر والتقدير، لفضيلة الشيخ راشد بن محمد الهاجري، على محاضرته القيمة التي تحدث فيها عن (البحرين بلد التعايش بين الأديان والمذاهب)، فجزاه الله تعالى خيراً وأعانه على ما يبذله مع إخوانه العلماء والدعاة والمصلحين من نصح وإرشاد وتوجيه للمسلمين.
الحضور الكريم ،،
إن هذا الشهر المبارك، مناسبة عظيمة لنا جميعاً للتفكر في ما يجمع كلمتنا ويوحد صفوفنا، ويقوي أخوتنا، ويحفظ أمننا. كما إن هذا الشهر فرصة للتأمل في معاني الأخوة التي بيننا، والتي نستمد قوتها من تعاليم ديننا الحنيف ووشائج الدم والقربى وحب هذا الوطن العزيز، وهي من نعم الله الكثيرة علينا، التي يجب أن نرعاها حق رعايتها، ونحافظ عليها، وندافع عنها بوحدة الشعب وتماسكه بإذن الله تعالى وتوفيقه.
ومما يبعث على الاطمئنان، بأن ما مرت به البلاد من أزمات، لم تكن إلا سبباً إضافياً في تقوية البيت البحريني وتحصينه من أي محاولات بائسة للتشويه، أو للنيل من منجزاتنا ومكتسباتنا الوطنية، التي تحميها وتسندها جهود وطنية عريقة بدأت مبكراً في تاريخ البحرين، ولاتزال مستمرة، بفضل من الله تعالى، ومساعي أبناء وبنات هذا الوطن البررة.
ختاماً نسأل الله تعالى، أن يوفقنا وإياكم، لخدمة ديننا ووطننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يحفظ مملكتنا، ويديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام، إنه سميع مجيب الدعاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتكزات التعايش
في المجتمع البحريني
وبعد تلاوة آي من الذكر الحكيم، ألقى رئيس معهد جامع عيسى بن سلمان للدراسات الإسلامية فضيلة الشيخ د.راشد الهاجري حديث ديني بعنوان (مرتكزات التعايش في المجتمع البحريني)
قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، تفرد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحق وحده أن يعبد، أحمده تعالى وأشكره، خلقنا ورزقنا وكفانا وآوانا، وهدانا للإسلام، واختصنا ببعثة سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من أطاعه فقد اهتدى ورشد، ومن عصاه فلن يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا .
صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظك الله ورعاك.
أيها الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
في رحاب هذا المجلس المبارك و في أجواء هذه العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث جعل الله فيها خصائص ومزايا وفضائل قل أن يكون لها نظير في أيام وليالي السنة، ويكفي هذه العشر شرفا وفخراً أن فيها ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، كما قال تعالى : « إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمرٍ (4) سلامٌ هي حتى مطلع الفجر (5) « .
في هذا الملتقى الخير ، أتشرف بأن أستأذن جلالتكم في إلقاء هذا الدرس حول بعض ( مرتكزات التعايش والتسامح في مجتمعنا البحريني ).
وانطلاقاً من قول الحق سبحانه وتعالى, « ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين «.
إن مما لا شك فيه أن لمنظومة القيم الإسلامية أثرٌ بالغٌ في تحقيق التعايش و التسامح في مجتمعاتنا، وأن للفرد دوراً فاعلاً في وحدة بناء المجتمع إذا لا يصلح المجتمع إلا بصلاح أفراده، وأن الفاعل الرئيس في تفعيل هذه القيم والنظم هم أبناء المجتمع لذا جاءت رسالة الإسلام لتهتم بغرس هذه القيم في نفوس أتباعها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما بعثت لأتمم صـــالح الأخلاق».
بل بين صلى الله عليه وسلم فضل حسن الخلق في أحاديث كثيرةٍ منها قوله صلى الله عليه وسلم : « ما من شيءٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق «. وقوله صلى الله عليه وسلم : « إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم «. وحينما نتحدث عن حسن الخلق لا نتحدث عن تلك الصورة المصطنعة والحركة التمثيلية التي يرجى منها ثناءً ومدحاً أو كسباً لمواقف آنية بل هو التزامٌ في الظاهر والباطن نرجو بره وأجره من البر الرحيم سبحانه وتعالى .
إننا حينما نتحدث عن خلق التسامح والتعايش وضرورة إبرازه في حياتنا اليومية لابد أن نؤكد على أهمية الحديث عن مرتكزات التعايش الأربعة ألا وهي :
أدب الحوار عند الاختلاف، فقد قال الحق سبحانه : «ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولايزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». فالحوار هو النتيجة الطبيعية عند الاختلاف للوصول إلى الحق والصواب وهو من أهم وسائل التفاهم بين الناس مهما تباعدت ثقافاتهم و توجهاتهم ولا يمكن لأي حوار ينجح ويحقق ما نصبوا إليه من جميل التعايش إلا بالأخذ بآدابه والتي من أهمها الإخلاص في النية من أجل الوصول إلى الحق، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ. و ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وما ناظرت أحداً قط إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه.
وكذا الصدق والأمانة في المعاملة هي لبنةٌ ثانية في جدار التسامح والتعايش، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة». وأما الأمانة فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له».
والقاعدة الثالثة : الرحمة بالآخرين ، ذلك الخلق العظيم الذي يجعل من صاحبه قريباً من الجميع لأنه قريبٌ من الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان هيناً ليناً قريباً حرمه الله على النار». والرحمة تكون للناس كافة فلا نضيق دائرتها فنحصرها في الأقربين بل نسعى جاهدين لبذلها للعالمين، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، لا يضع الله رحمته إلا على رحيمٍ» ، قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم، قال: «ليس برحمة أحدكم صاحبه يرحم الناس كافة». يقول الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى-: إن الشريعة كلها مبنية على الرحمة في أصولها وفروعها... ثم قال: لقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق، .
ورابع هذه المرتكزات العدل في المعاملة : مع القريب والبعيد والخصم والصديق، كما قال الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً».
صاحب الجلالة :
لقد تأملت في اسم بلادي البحرين تلك الجزيرة العربية المسلمة وأصل تسميتها بذلك فوجدت أن غالب الرأي قد اتفق على وجود كتلتين مائيتين متمازجتين إحداهما مالحة والأخرى عذبة . فقلت نعم هكذا هي البحرين قد تمازجت مكوناتها فتداخلت في بعض كما تمازجت مياهها بل تمازجت على أرضها الحضارات المختلفة باعتبارها نقطة التقاء حضاري عبر التاريخ . مما ميزها تاريخياً بقدر كبير من التسامح والتعايش. وذلك كله مع احتفاظها بهويتها الإسلامية والعربية التي اكتسبتها بعد دخولها في الإسلام حينما رحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها قائلاً : «مرحبًا بالقوم أو: بالوفد غير خزايا ولا ندامى».
نعم، لقد كان التعايش بين أبناء البحرين بصوره كلها سواء الجغرافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي ماثلاً للعيان ونموذجاً يحتذى به.
ولقد حبا الله بلادنا البحرين عبر تاريخها المشرق بولاة أمرٍ حرصوا على تكريس مبدأ التسامح والتعايش بين مكونات المجتمع الذي تمازجت وتداخلت وشائجه في تناغم جميل تكسرت على صخرته أمواج الفتن التي تعصف بالمنطقة من حولنا. وأظهر أبناء البحرين في كل فتنةٍ من التماسك والتعاضد ما خيب به ظنون المتآمرين من دعاة الانحراف والتطرف والفتن . وقدموا دروساً رائعة ومواقف مشرفة يحتذى بها في التآلف والتكاتف صفاً واحداً وسداً منيعاً في وجه كل من يريد أن يعبث بأمن بلادهم ومكتسباتهم ووحدتهم ليبعثوا برسالةٍ قويةٍ بأن مملكة البحرين بجميع مكوناتها عصية على كل محاولات الإرهاب والتطرف وأنها لا تزيدهم إلا قوةً وتماسكاً.
وختاما، أسأل الله في هذه الليالي المباركة أن يحفظ بلادنا البحرين من كل سوء وفتنة وسائر بلاد المسلمين وأن ينعم علينا بنعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام. وأسأله سبحانه رحمةً يهدي بها قلوبنا، ويجمع بها شملنا، ويلم بها شعثنا، ويرد بها الفتن عنا، اللهم آمين ...
والحمد لله رب العالمين