كتب مهند أبو زيتون:
بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى في فيينا أمس، حاول الطرفان الرئيسان، إيران وأمريكا التي تسميها أدبيات طهران «الشيطان الأكبر»، تسويق الاتفاق كنصر تاريخي. فيما شكلت تفاصيل الاتفاق الكثيرة صورة جوهرية: إيران تتخلى عن حلم القنبلة النووية مقابل أن تتنفس اقتصادياً بالرفع التدريجي للعقوبات.
يضع الاتفاق إيران تحت المراقبة مدة 25 عاماً، وأساسه الواضح «التحقق وليس الثقة»، كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس. أوباما يواجه ضغوطاً داخلية وإسرائيلية بعد الاتفاق، روحاني وظريف أيضاً سيتعرضان لضغوط. فالحلم الإيراني الذي دفعت إيران ثمناً غالياً لتحقيقه طيلة 15 سنة يضعه نص الاتفاق في مرحلة التبخر. وفي حين لا يزال مبكراً الحكم على تبعات الاتفاق وآليات تنفيذه، فإن محاولات بيع الاتفاق للإيرانيين وكأنه نصر مؤزر بدت تفتقد المنطق، خصوصاً بعد أن بثت قناة العالم بعد دقائق من إعلان التوصل إلى اتفاق عنواناً يؤكد قبول المجتمع الدولي لإيران قوة نووية!
إقليمياً بدا الخليج العربي متحفظاً، رغم التهنئة الإماراتية والكويتية بإنجاز الاتفاق وإعلان مصدر سعودي «أننا مازلنا مع التوصل لاتفاق مع إيران يمنعها من امتلاك سلاح نووي» وأن «دول المنطقة ستواجه إيران بردود حازمة إذا استمرت بإثارة القلاقل»، وفقاً لقناة «العربية». فبينما تبدو دول الخليج مرتاحة لإنهاء خطر امتلاك النظام الثيوقراطي في إيران قنبلة نووية، فإن المخاوف تتصاعد من استغلال طهران لرفع العقوبات في تصعيد لعبة الموت والدمار بالعراق وسوريا ولبنان واليمن. ولذلك اتصل أوباما بخادم الحرمين الشريفين للحديث عن الاتفاق. وفيما أبدى مسؤولون غربيون مخاوف من «دومينو» نووي في الإقليم قد يحركه الاتفاق، فإن الواضح استراتيجياً، بعيداً عن حرب نسب التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي، أن طهران عادت إلى نقطة الصفر بخصوص السلاح النووي، كأن الأرض لم تدر حول الشمس 15 دورة كاملة، فيما لا تزال تدفع ثمناً غالياً للحفاظ على مناطق كانت خاضعة لنفوذها. لكن الظاهر أيضاً أن الاتفاق قد يفرض طريقة تعاطي سياسة خليجية جديدة كلياً إزاء ملفات المنطقة.