وصف تقرير بثته وكالة أنباء البحرين (بنا)، أمس، التدخلات الإيرانية الأخيرة في الشأن البحريني الداخلي بأنها استثمار للتطورات الأخيرة في المنطقة ومحاولة لتأكيد فك طوق العزلة الذي فُرض عليها لسنوات، والهروب من مأزق متطلبات الداخل الذي بات يتساءل عن مستقبل البلاد وجدوى سلوكها وممارساتها الخارجية ونواياها في الفترة المقبلة والمشاكل الإقليمية التي تنخرط فيها وتسبب لها ولشعبها الكثير من المعاناة والرفض.
وأشار التقرير إلى أن البحرين تعي جيداً أهداف التدخلات الإيرانية في شؤونها، ولم تعد تنطلي على أحد فيها من مواطنين ومقيمين تلك الخُدع التي تمارسها طهران.
وأضاف أن هذه التدخلات، بدت وكأنها تعبر عن رسالة إيرانية جديدة، غير مقبولة بالمرة، ومرفوضة شكلاً ومضموناً، حسب وصف وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، سيما أنها تعطي فيها طهران لنفسها الحق بأنها الدولة الراعية للإقليم بأسره، المسؤولة عن إدارة شؤون دوله، والمتحدثة باسم شعوبه، الأمر الذي يتطلب «موقفاً بحرينياً صريحاً» أكثر قوة وحزماً، و»استنكاراً وطنياً من خلال المؤسسات الوطنية، والعلماء والمشايخ الأفاضل والفعاليات الرسمية والأهلية، وممثلي الشعب والمقيمين».
جاء الموقف البحريني الأخير من طهران بعد تصريحات وزير الداخلية عصر اليوم واستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية لدى المملكة قبل أيام قليلة، ليمثل ذروة المواقف الوطنية الرافضة لأي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وليجسد حقيقة أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للمساس باستقرارها تحت أي ظرف من الظروف وبأي ادعاء كان، وأن البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، لن يمنعها شيء يكفل لها ولمواطنيها أعلى مستوى ممكن من مستويات الأمن والطمأنينة، وبما يضمن لها عدم تكرار مثل هذه التدخلات في شأن داخلي خالص. وكان الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية قد أكد أن «البحرين لم ولن تتردد يوماً في حماية شعبها»، وحذر من خطورة التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي، خاصة أنها «أخذت أبعاداً متعددة»، في اتهام صريح ومباشر لإيران بالتورط في «تصدير ثقافة الإرهاب وإثارة القلاقل داخل البحرين وترويع الآمنين بها»، داعياً في الوقت نفسه «كل من في قلبه حب وإخلاص وولاء للبحرين» إلى «استنكار ورد وطني مخلص» يعكس الحرص على أمن البحرين وسيادته..
وكذلك فعلت وزارة الخارجية يوم 19 يوليو الحالي عندما سلمت القائم بأعمال السفارة الإيرانية مذكرة احتجاج رسمية على إثر تصريحات علي خامنئي، واُعتبرت «تدخلاً فجًا ومرفوضًا في الشأن الداخلي وتعديًا واضحًا على سيادة واستقلال البلاد، وتمثل خرقاً لمبادئ الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، وتحمل توصيفات خاطئة ومغلوطة عن الوضع في مملكة البحرين».
ورغم أن البحرين عَهِدت تكرار مثل هذه التدخلات التي تجترها طهران بين الفينة والأخرى، وتمارسها بغير وجه حق في شؤون المنطقة ككل، والبحرين بشكل خاص، ولم تعد المملكة ـ في الحقيقة ـ تُفاجأ بها كثيراً لأنها تعاملت معها بقوة وحزم من قبل، وستظل على هذا النهج.
لكن هذه التدخلات، بدت وكأنها تعبر عن رسالة إيرانية جديدة، غير مقبولة بالمرة، ومرفوضة شكلاً ومضموناً، حسب وصف وزير الداخلية، سيما أنها تعطي فيها طهران لنفسها الحق بأنها الدولة الراعية للإقليم بأسره، المسؤولة عن إدارة شؤون دوله، والمتحدثة باسم شعوبه، الأمر الذي يتطلب «موقفاً بحرينياً صريحاً» أكثر قوة وحزماً، و»استنكاراً وطنياً من خلال المؤسسات الوطنية، والعلماء والمشايخ الأفاضل والفعاليات الرسمية والأهلية، وممثلي الشعب والمقيمين».
ومع أن البحرين تعي كل ذلك، ومع هذا الموقف الرسمي والشعبي الحاسم والمطلوب، فإن العبرة الآن بالكيفية التي يمكن أن تتبعها المملكة، رسمياً وشعبياً، لإيقاف مثل هذه الممارسات مستقبلاً، والحد من تداعياتها لجهة التأثير على الداخل والحض على العنف، خاصة أن إيران ما فتأت تواصل تدخلاتها، وكأنها لعبة تمارسها كلما عنَّ لها ذلك بالرغم من أنها قوبلت بكل حزم في السابق وإلى الآن، ليس فقط من جانب أجهزة الدولة المختلفة، وبردود فعل شعبية حاسمة، وإنما من جانب كل دول الإقليم والعالم أيضاً.
ويشار هنا إلى موقف منظومة دول مجلس التعاون الخليجي ودولها كلها المندد بالتصريحات الإيرانية التي صدرت من أعلى مسؤول سياسي وديني في طهران، وكذلك جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي عبرت جميعها بقوة ـ أي هذه المواقف ـ ليس فقط على رفض النبرة الإيرانية التي تحاول استغلال أجواء الاتفاق النووي التصالحية لتحقيق أغراض خاصة، وتستهدف تقويض دعائم الاستقرار والنيل من أركان وثوابت اللحمة المجتمعية في البحرين، وإنما أكدت أيضاً وقوفها الكامل مع البحرين في وجه مثل هذه التدخلات، واستعداداها لمواجهة ما يمكن تسميته بـ»غطرسة القوة» الإيرانية التي يُخشى أن تواصل امتدادها وخطرها بعد «الصفقة» النووية مع الدول الكبرى.
وحقيقة الأمر أن الموقف البحريني الأخير من التدخلات الإيرانية يبدو مهماً لكونه ينزع عن طهران أوراق التوت التي تستغلها وتلعب بها بين الفينة والأخرى، ويسحب منها قيمة الشعارات التي ترفعها تارة بدعوى حماية حقوق طوائف بعينها أو حماية مواطني دول أخرى ليسوا من مواطنيها، وتارة أخرى بدعوى قدرتها على التوسط لحل أزمات داخلية لدول مجاورة، أو غير ذلك من شعارات لا سند لها يؤيدها على أرض الواقع في الداخل الإيراني الذي يئن من وطأة الكثير من المشكلات..
وتعكس قراءة مفردات الموقف البحريني الأخير عدة نقاط مهمة تمثل مرتكزات قوية لسياسة المملكة الخارجية، خاصة ناحية طهران، حيث يلاحظ:
1ـ اللهجة القوية المحذرة والمنذرة في آن معاً من مغبة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمملكة، والتي بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه بعد ذلك، لأنها تمثل خرقاً للأعراف والمبادئ الدولية المعمول بها في العلاقات بين الدول، والتي تقوم على احترام سيادات الدول واستقلالها وتقرها البحرين وتعتمدها نهجاً لها في سلوكها مع دول العالم أجمع.
2 ـ التأكيد على أن إيران أو غيرها ليس لديها الحق في التعريض بالمملكة أو النيل منها أو حتى التعليق على أي شأن من شؤونها الداخلية في وقت تعاني فيه هي نفسها من مشكلات سياسية مزمنة مع محيطيها في الداخل والخارج، فضلاً عن أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية تستدعي الاهتمام بها والتركيز عليها بدلاً من الهروب إلى الأمام وتصدير أزماتها للخارج، وخاصة إلى البحرين.
3. أن المملكة لن تكون لقمة سائغة أمام استمرار لغة التهديدات الإيرانية المتواصلة، والتي تعكس بوضوح نواياها الإقليمية وتطلعاتها التوسعية التي تستوجب التكاتف الإقليمي والعالمي للتصدي لها، وهو ما أكد عليه مسؤولون ونواب ومراقبون حين عبروا عن امتعاضهم لمثل هذه التدخلات السافرة، والتي يجب أن تقف عند هذا الحد، لأنها سيكون لها نتائجها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة والعالم، وعبر عن ذلك صراحة معالي وزير الداخلية في تصريحه المشار إليه، وأكد فيه أن دول مجلس التعاون مطالبة بأن «تعزز تعاونها المستمر مع العمل على تطوير تحالفاتها الدولية التي تساعد على تحقيق الأهداف الأمنية لشعوب المنطقة». وواقع الأمر أن ردود الفعل المنددة بالتدخل الإيراني في الشأن البحريني، والتي جاءت من كثير من الأطراف والقوى المحلية منها والإقليمية والعالمية، لتكشف عن عدة أمور جوهرية تؤكد التضامن الكامل مع الموقف البحريني، وأن إيران لا يمكن لها، ولا تملك حتى ما يؤهلها، أن تبعث برسائل أو مواقف لهذا الطرف أو ذاك، خاصة أن لديها ما يشغلها ويستدعي منها الاهتمام به والتركيز عليه، حيث يشار إلى أمرين:
الأول: هروب طهران من المأزق الذي بدأت تستشعره في ظل الحشد الدولي الرافض لتدخلاتها وممارساتها، خاصة في سوريا والعراق وغيرهما، حيث اُعتبر موقفها من البحرين بمثابة محاولة للتغطية على المشكلات الداخلية والإقليمية التي تعاني منها، ولم تستطع أن تجد لها حلاً منذ أمد ليس بالقصير سواء في علاقات مكونات المجتمع هناك ببعضها البعض (عرب الأحواز والكرد وغيرهم) أو بالصراع بين أجنحة السلطة هناك (معتدلون ومحافظون وغيرهم)، أو حتى بسبب المخاوف من تكرار موجة احتجاجات عام 2009.
ناهيك بالطبع عن أزمات ما بعد البرنامج النووي الإيراني، والتي بدأت تلوح في الأفق، وسبل تنفيذ الاتفاق العالمي حول مجابهته، وهل ستلتزم طهران بمبادئ الاتفاق، وجدوى ما قامت به أصلاً طوال السنوات السابقة، فضلاً عن العلاقات الإقليمية والدور الإيراني المشبوه في تسخين وتأجيج ملفات المنطقة ككل، سيما على الصعيدين السوري والعراقي، وهي أسئلة تفرض نفسها من الداخل الإيراني ومن الخارج سواء بسواء وبحاجة إلى إجابة شافية عنها.
الثاني: أن الالتفاف على أزمة الوضع المعيشي الذي يئن من وطأته الإيرانيون عبر تصدير الأزمات إلى الخارج، خاصة إلى البحرين، وإلهاء الداخل هناك عن البواعث الحقيقية للأزمات التي يعاني منها الإيرانيون، لن يعفي طهران من مسؤولياتها أمام شعبها، كما لا يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى أكثر من ذلك، خاصة بعد الاتفاق النووي الأخير، الذي سيفرض على طهران، مثلما أُشير سلفاً، البحث عن حلول جوهرية لأزماتها الداخلية، والاستجابة لتطلعات المواطنين بعد رفع العقوبات المنتظر.