كتبت - شيخة العسم: رغم العوامل والأسباب الكثيرة التي تدفع الأزواج إلى تنظيم وليس “تحديد” النسل بالمجتمعات العربية وتحديداً بالبحرين، إلا أن هذه العوامل تنحصر دائماً في نهاية المطاف بين عاملين وحيدين هما: الأسباب المادية والكلفة الباهظة لاستقبال مولود جديد، والعامل الثاني يتمثل في الوعي الاجتماعي لدى البعض في توفير فترة زمنية كافية بين المولود والآخر، مما يمكن من إعطاء الاهتمام والرعاية والعناية اللازمة لكل منهم... في البحرين، تضاعف الوعي مؤخراً بين المتزوجين حديثاً، إلى اللجوء لتنظيم النسل، سواء كان ذلك القرار منطلقاً من عوامل مادية والضغوط المالية الضخمة التي أثقلت كاهل الأسرة الصغيرة، أو حتى مع توفر العامل المادي ولكن التزاماً بتوفير نمط الحياة الهادئ وتجنب التعرض لضغوط اجتماعية قد تحدث بتعاقب أنجاب الأبناء...إلا أنه ورغم توفر الوعي الكافي لدى الكثير من المتزوجين حديثاً لضرورة تنظيم فترات الإنجاب، إلا أن كثيراً منهم يفتقد للإلمام المناسب بكيفية التنظيم وما هي أفضل الطرق للقيام به، وهل يستدعى ذلك اللجوء للوسائل الطبية الحديثة أم على الزوج والزوجة الاكتفاء بأنواع بذاتها من الممارسات، وهل يؤثر ذلك على صحة الرجل والمرأة، والأهم من ذلك، هل فكرة تنظيم الأسرة تجد قبولاً من الناحية الدينية أم أن هناك شروطاً يوصى بها علماء الدين قبل الإقدام على تنظيم الأسرة....أسئلة وتساؤلات كثيرة دارت داخل أذهان الكثير من المتزوجين حديثاً أو حتى من مضى على زواجهم سنوات معدودة.. “الوطن” التقت بأهل العلم والاختصاص، واستمعت لأرائهم العلمية ووجهات نظرهم الأكاديمية حول خطوة تنظيم الأسرة.... قوانين تنظيم النسل في البداية، أوضحت المحامية شيخة العليوي “ليس هناك قوانين لتنظيم وتحديد النسل بالبحرين، وحرية الإنسان الشخصية مكفولة استناداً لدستور المملكة لعام 2002 مادة 19، ولم يفرض قيداً أو مانعاً عليه بشأن ذلك، بل إنه خص الأسرة بنص خاص في نفس الدستور من المادة الخامسة – فقرة أ باعتبارها “أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة”. مضيفة أن “قانوننا البحريني اعتنى بمفهوم الأسرة كمنظومة واحدة في ظل الشريعة الإسلامية، استناداً لقوله تعالى في سورة الكهف “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” صدق الله العظيم، فهو لم يعتنِ بعدد الأولاد كأن يحدد اهتمامه بطفلين ويترك البقية لتتكفل بهم الأسرة لوحدها عندما تتجاوز الحد المسموح به من الأولاد كما في بعض الدول التي تتبنى سياسة تحديد النسل”. وأشارت العلوي “من ناحية أخرى، فإن البحرين لا تحتاج لإضافة تشريعات تحديد النسل، فالكثافة السكانية البسيطة بالبحرين لا تقارن بالكثافات السكانية الموجودة بالدول التي تحدد النسل، إذ يبلغ عدد سكان البحرين تقريباً 1.106.509 نسمة، كما إن قانون أحكام الأسرة رقم 19 لسنة 2009 أيضاً حافظ على كيان الأسرة الواحدة ولم يجزئها أو يقضي بتحديد النسل أو تنظيمه، بل حدد حقوقاً والتزامات كلا الزوجين من أجل الحفاظ على كيان الأسرة من خلال العناية بالأولاد وتربيتهم بما يكفل تنشئتهم تنشئة صالحة استناداً للمادة 36 من القانون الأخير، كما إن قانون الأسرة في مادته 37 حدد حقوق الزوجة في زوجها المتضمنة “وألا يحرمها من نسله”، ومادة 38 من ذات القانون التي تنص على حقوق الزوج على الزوجة “ج- أن تحفظه في نفسها وماله وبيته إذا حضر أو غاب”، و«عدم امتناعها عن الإنجاب إلا بإذنه أو لعذر”. وشددت العلوي على أن “استناداً لقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، فإن تحديد النسل أمر لا ينبغي لأن كثرة النسل وزيادته نعمة من نعم الله تعالى، ولا بأس بتنظيم النسل إذا كانت المرأة ستتضرر في بدنها وفي تنظيم شؤون بيتها مثل أن تنظم حملها في كل سنتين مرة، فهذا لا بأس به بإذن الزوج”، مشيرة إلى أن “تحديد النسل يختلف عن تنظيم النسل، فالأول يفرض على الأسرة الواحدة عدداً من الأولاد عليهم ألا يتجاوزوا ذلك، كجمهورية الصين مثلاً، فهم يتبنون سياسة تحديد النسل تحت شعار”أسرة واحدة – طفل واحد”. البحرين عامرة بالخير من جانبه، أكد النائب عبدالله بن حويل أننا “نعيش في بلد مسلم له عاداته وتقاليده وأعرافه ومنهجه الإسلامي الذي يأخذ تعاليمه منه، فلا يمكن لأي قانون أو دولة إسلامية أن تمنع الإنجاب أو تحدد عدد الأولاد، فهو غير جائز”، مضيفاً أن “تنظيم النسل يكون بيد رب الأسرة في كيفية تنظيمها، ولا أحد آخر يمكنه أن يفرض رأيه على هذه الأمور، فهناك عوائل لديها عشرة أولاد، وهناك من لديه واحد أو اثنين فقط، في المقابل هناك من يتمنى أن ينجب وينفق الآلاف للعلاج، فالأطفال نعمة كبيرة”، لافتاً إلى أن “التسهيلات والخدمات التي قدمتها المملكة للمواطن البحريني لتيسير المعيشة، وأننا ولله الحمد نعيش في وضع نحسد عليه، وهذا لا يمنع أننا نتطلع للأفضل دائماً، ولكن مقارنة بدول متطورة وغنية فإننا نحصل على التعليم والصحة مجاناً، وحتى المواد الغذائية فإنها تدعم من الحكومة ولا توجد ضرائب كباقي الدول، والنقطة الأهم فإن الدولة توفر السكن المريح للمواطن مقارنة بدول كبرى تقدم خدمات سكنية بالية، وهذا من شأنه أن يطمئن المواطن البحريني على مستقبل أطفاله في حال الكثرة أو القلة”. تنظيم وليس تحديد ومن الناحية الشرعية، شدد إمام مسجد ضوى الشيخ زياد سعدون على أن “تنظيم النسل في الشريعة الإسلامية لابد من التمييز فيه بين تحديد النسل بمعنى منع الحمل، وتنظيم النسل بمعنى التحكم في عدد الأولاد، ولابد من التمييز بين أن يكون التنظيم علاجاً لحالات فردية وأن يكون التنظيم سياسة عامة للدولة، ولاشك أن تحديد النسل بالكلية مخالف للشريعة الإسلامية التي تعتبر النسل نعمة من النعم التي منَّ الله بها على عباده، إذ يقول الله تعالى “يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً” -النساء- 1-، ويقول جل شأنه “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً” الفرقان: 74، ولذلك رغبت الشريعة في تكثير النسل وزيادته وانتشاره، فقد قال عليه الصلاة والسلام “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة” -رواه الإمام أحمد بإسناد حسن-”، لافتاً إلى أن “الإسلام لا يقر منع الإنجاب على إطلاقه أو تنظيم النسل بلا ضوابط، كما لا يقبل الحجج التي يقدمها بعض الناس في هذا الصدد، مثل القول بضيق الأرض وقصور خيراتها عن الوفاء بحاجة الأعداد المتكاثرة من الناس، لأن القول بضيق الأرض وقلة خيراتها غير صحيح إضافة إلى أنه مخالف لما يقرره الإسلام من أن الله خلق الأشياء وقدرها وحدد أعداد الخلق ومقاديرهم، أما دعوى أن تحديد النسل يحفظ للمرأة جمالها ورونقها فموضع نظر؛ إذ يؤدي عدم الإنجاب إلى حرمان المرأة وعزلها عن أداء وظيفتها الفطرية التي خلقها الله لها، مما يُحْدِث في نفسها اكتئاباً، ويولد فيها عُقداً نفسية ويورثها بؤساً وكآبة يذهبان بجمالها وحسن رونقها، وهذا ما أكده بعض العلماء من أمثال ألكسيس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول”. التنظيم أباحه الشرع وحول أبرز الحالات التي يجيز فيها الشرع منع الحمل، أشار سعدون إلى أن “يُجيز الإسلام منع الحمل والولادة أو تأخيرهما إذا كان هناك خطر على حياة المرأة، وذلك دفعاً للضرر الأعظم وتجنباً للتهلكة قال تعالى “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” النساء: 29، “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” البقرة: 195، أما تنظيم النسل فقد أباحه الشرع في حالة الخشية على صحة الأولاد أو تربيتهم، أو العناية بتنشئتهم إذا كثر عددهم، ففي هذه الحالة يمكن أن تتخذ الوسائل التي يؤخر بموجبها الحمل، وقد ورد في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله، فقال “يا رسول الله إني أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله لم تفعل ذلك؟، قال الرجل أشفق على ولدها، فقال رسول الله لو كان ذلك ضاراً لضرّ فارس والروم”، مضيفاً “كما يجيز الإسلام أيضاً تنظيم النسل إذا خشي الزوج على الطفل الرضيع من حمل جديد، فيعزل عن المرأة منعاً لذلك، ويُعرف الوطء في حال الرضاع بوطء الغِيلة أو الغَيْل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سُمِّي غَيْلاً أو غِيلة لأنه جناية خفية على الرضيع فهو أشبه بالقتل سراً، وفي مثل هذه الحالات التي رخَّص فيها الإسلام تنظيم النسل، كانت الوسيلة المستخدمة لذلك هي العزل، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك، كما روي في الصحيحين عن جابر، رضي الله عنه، أنه قال “كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا، وبهذا يتضح لنا أن تحديد النسل وقطعه والاكتفاء بولد أو اثنين محرم ومخالف للفطرة، وأما تأخير الحمل والتحكم بأوقاته للمصالح المذكورة آنفاً فهو المعروف بتنظيم الحمل وهو جائز كما نص على ذلك جمهور أهل العلم”. وسائل تنظيم الإنجاب على جانب آخر، أكدت رئيس قسم النساء واستشارية نساء وولادة بمجمع السلمانية بالتوليد الطبي د.نعيمة عبد الكريم أن “هناك حالات يسمح للمرأة أن تخضع فيها لعملية الربط، من بينها ربط قناتا فالوب، وهى عملية جراحية تُستخدم كوسيلة من وسائل منع الحمل أو لمنع الإنجاب عند المرأة، وهى وسيلة دائمة لا تستطيع المرأة الإنجاب بعدها مرة أخرى، لذلك ننصح المرأة بالتفكير الجدي في الموضوع، ونشترط موافقة الزوج”، لافتة إلى أنه “يتم خلال عملية التعقيم كي أو قطع أو ربط أو إمساك قناتا فالوب بمشبك طبي -قناة فالوب هي القناة التي تحمل البويضات من المبيض إلى الرحم- بحيث تصبح مغلقة ولا تسمح للحيوانات المنوية والبويضات بالالتقاء، حيث تنحل البويضات ويمتصها الجسد، وتعتبر من أحد أكثر طرق منع الحمل فعالية فنسبة الفعالية عالية وتصل إلى 99.5% مع وجود نسبة فشل تصل إلى 0.5%، فهناك احتمالية حدوث حالات من الحمل تالية على إجراء جراحة تعقيم المرأة أو ربط قناتا فالوب وإذا حدث الحمل ننصح المرأة التأكد بأن الحمل في موضعه الطبيعي وليس حمل خارج الرحم، لذلك إذا أحست المرأة بأعراض الحمل بعد العملية الجراحية فعليها باللجوء للمشورة الطبية في أسرع وقت”، مشيرة إلى “ننصح كأطباء بعملية ربط قناة فالوب في بعض الحالات الصحية، مثل: العمليات القيصرية المتكررة أربعة فما فوق، أو العمليات القيصرية المتكررة مع وجود التصاقات حوضية، وأن تكون المريضة تعاني من أمراض باطنية مزمنة والتي يكون فيها الحمل مصدر تهديد على حياتها مثل بعض الأمراض القلبية: اعتلال عضلة القلب أو الضيق الشديد في الشريان التاجي وفي هذه الحالات ننصح بالربط حتى لو كانت المريضة صغيرة في السن أو لديها طفل واحد فقط، أيضاً إذا حدث انفتاح للرحم كمضاعفات أثناء الولادة الطبيعية أو القيصرية وجري رتق الفتح مع الإبقاء علي الرحم، ففي هذه الحالة يمكن أن ننصح بالعملية، وبشكل عام يمكن للمرأة أن تطلب إجراء عملية الربط مع عدم وجود استطباب طبي بشرط موافقة الزوج”. الموافقة الخطية للزوجين وفيما يتعلق بأبرز الإجراءات التي تتخذها المستشفى في حال طلب عملية الربط، ذكرت د.عبد الكريم “إذا كان هناك قرار من جانب الطرفين بالرغبة في عدم الإنجاب مرة أخرى واختار الطرفان طريقة ربط قناتي فالوب، فيجب أخذ موافقة خطية من الزوجين لإجراء عملية الربط وإفهامهم أنها عملية تعقيم نهائية، وعند الإدخال للمستشفي يتم فحص المريضة من طبيب التوليد وطبيب التخدير قبل العمل الجراحي وهناك طريقتان لإجراء عملية التعقيم: الأولى بواسطة منظار للبطن، والثانية بواسطة فتح البطن الصغير، ويمكن إجراؤها إما أثناء الجراحة القيصرية أو بعد الولادة الطبيعية، ونسب الفشل بعد الولادة مباشرة أكثر من التي تجري بعد فترة النفاس، وتحتاج المريضة للبقاء لمدة يومين أو ثلاثة في حالة فتح البطن أو يكون الإدخال لوحدة الإقامة القصيرة لمدة ساعات فقط في حالة إجراء العملية بالتنظير البطني، وفي بعض الأحيان تكون عملية إجراء الربط غير ممكنة لأن التخدير يشكل خطراً على حياة المرأة ففي تلك الحالات ننصح بعملية تعقيم للرجل -قطع الحبل المنوي-، وهي عملية جراحية تجري للرجل لمنع الحمل نهائياً ولا تؤثر نهائياً على العملية الجنسية”. أما عن أبرز طرق منع الحمل المؤقت وطرقها، قالت د.عبد الكريم “هناك طرق أخرى لمنع الحمل مؤقتاً كمانع الحمل، مثل الواقيات الجنسية، وحبوب منع الحمل الفموية، والحقن الهورمونية، ومانعة حمل رحمية آي يو دي، أما بالنسبة لربط عنق الرحم “الربط المؤقت” فيقوم الطبيب باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار الإسقاط بتطويق عنق الرحم في الأسبوع 12 تقريباً، حيث يضع خيطاً أو رباطاً على عنق الرحم ليمنع تمدده وانفتاحه عند تقدم الحمل ونمو الجنين”، مضيفة أن “عمليات ربط العنق مفيدة لمنع الولادة المبكرة والتي تنتج عن الحمل المتعدد -أي التوأم”.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}