كتبت - عايدة البلوشي: الحياة مليئة بقصص الإدمان على المخدرات. وهي قصص تدمي القلب، لكن فيها عبرة وعظة عظيمتين لكل شاب يرغب في الحياة الكريمة. قصص يحكيها المتعافون يتسبب في فصولها دلال الأبوين، أو غفلتهما، أو قسوتهما، أو عدم وعيهما بالمراحل العمرية التي يمر بها ابنهما. لكن المهم؛ ماذا بعد الشفاء من الإدمان والتعافي؟ هل من العدل أنْ يستجدي المتعافي الثقة والاحترام ممن حوله؟ أليس من حقه أنْ يشعر واقعاً أنه مرحّب به، كإنسان يرغب بتكوين أسرة، والانخراط في وظيفة مقبولة يساهم بها في تنمية وطنه؟ في السطور التالية، قصص يحكيها مدمنون متعافون. يطالبون بفرصة الحياة من جديد، آملين من الناس تفهم أوضاعهم، والابتعاد عن ظلم أقرب الناس إليهم، الأب والأم والأخوة والأخوات. فقدان والدي بداية الشوط يقول شخص -فضَّل عدم ذكر اسمه- إنَّ موت أبيه كانت بداية الإدمان على التدخين ومن ثمَّ المخدرات. ويضيف: كانت تربطني بأبي علاقة قوية، ليست علاقة أب بابنه بل كان الأب والأخ والمربي والمرشد، تعلمت منه الكثير. إذ كنت أرافقه منذ طفولتي، رغم وجود أخوة وأخوات أكبر مني، فأنا آخر العنقود. ويتابع: كان كل شيء يسير سيراً حسناً، وكنت في منتهى السعادة، حتى أصيب والدي حين كنت في الخامسة عشرة بالسرطان، فرقد على إثر المرض في المستشفى. ليختل نظام البيت رأساً على عقب؛ فوالدتي كانت تغيب عن البيت عصراً ولا تعود إلا مساءً. وعندما كنت أسألها أين والدي، كانت تجيب بأنه مسافر. ومع إلحاحي فاجأبتني بمرضه، لكن طمأنتني بأنه سيعود، فكنت أنزوي في أحد أركان البيت وأبكي. حتى جاء يوم سمعت فيه الطبيب يحدّث أمي بأنَّ حالة أبي الصحية متدهورة، ورأيت أمي تنفجر في البكاء؟ فشعرت بأنّ كلّ شيء انتهى، وخرجت من المستشفى متمنياً الموت. ومضت أيام كنت أستيقظ فيها صباحاً لأذهب إلى المدرسة ليس رغبة في التعليم، بل مجاملة لأمي وأبي. كان تفكيري مشغولاً بمرض أبي، ثم أذهب مع أمي للمستشفى، لأقضي الليل في البكاء. حتى توفي أبي فأصبت بالجنون. فتغيبت عن المدرسة، وحاولت أمي إقناعي بالعودة إلى المدرسة، لكن دون جدوى، ثم أكرهني أخوالي. ومع حالتي النفسية المضطربة، تعرفت على “شلّة” تعلمت منهم التدخين، ثم تناول المخدرات، حتى أدمنت. فلان، لا يودُّ استرجاع ذكريات تلك الأيام السوداء، حيث أهين وضرب ودخل السجن مرات عدة، لكن أقسى ما يعانيه أنه تسبب لأمه بالألم. وإنْ كان من شيء يعزيه فهو أنه استطاع بعد اثنتي عشرة سنة التخلص من الإدمان بفضل إنسان عزيز عليه، تعلّم الكثير على يديه، لكنه لا يزال يعاني النظرات القاتلة التي توجه له باعتباره مدمناً سابقاً. لذا ينصح كل شاب بالانتباه، فالمخدرات تدمر الحياة وتغضب الوالدين وقد أوصى الله عزّوجل ببرهما، إذ قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً). صدق الله العظيم. لا ألوم أبي على قسوته بدأ شخص آخر بتدخين السجائر، وانتهى بإدمان المخدرات. ورغم اعترافه بخطئه، يعتبر أباه مسؤولاً، ولو بقدر ضئيل، بسبب قسوته وعدم مراعاته لسنه وطريقة التعامل المناسبة معه. يقول: كنت أنزوي بعيداً عن أسرتي، في مكان أجتمع فيه بالشباب. ولاحظت يوماً أنهم يتناوبون التدخين من سيجارة ذات رائحة غريبة. وفي الوقت نفسه رآني أحد معارف أبي، فأخبره أمري. لتبدأ قصتي مع والدي، الذي بدأ بمراقبتي وتهديدي. فكنت أختلق الأعذار، حتى إذا شاهدني أدخن إنهال عليَّ ضرباً وشتماً وصراخاً ظناً منه بأنه يؤدبني، لكنني ازددت عناداً حتى جربت المخدرات، وصرت ضحية لها طوال أربعة عشر عاماً. ويضيف: رغم قسوة أبي التي قادتني إلى العناد. إلا أنني أعترف بخطئي، فقد تسببت لأمي وأبي بالتعاسة والأمراض، فكنت سبباً لخلافات كبيرة بينهما، إذ لم تكن تتحمل رؤية أبي ينهال عليَّ ضرباً، لكنني كنت مغروراً وعنيداً، حتى دخلت السجن، وذقت الويل وحرمت حب البيت، واحترام المجتمع. وقد حاولت التوبة مراراً لكن دون جدوى، وفي كل مرّة كنت أدخل السجن. حتى نجحت أخيراً، فدخلت رحلة العلاج. وأنا اليوم إنسان متعافٍ والحمدلله. وآمل من بقية المدمنين التوقف عن المخدرات والنظر إلى المستقبل. وآمل من المجتمع الغفران للمدمن، والنظر إليه على أنه ضحية وليس مجرماً. فلا يزال البعض يراني مدمناً، وآخرون ينظرون إليَّ بشفقة. وأشدّ أمر يؤلمني أنْ أسمع أحدهم يسأل أبي أو أمي: لماذا أدمن ابنك؟ وكأن الإجابة عند أحدهما ! التدليل بداية السلم أما “ع . ن« فدخل عالم الإدمان من باب التدليل المفرط، فمنذ صغره لا يرفض له طلب، وجميع ما يريده ينفذه له أبوه وأمه، حباً منهما وغفلة عن إدراك خطورة ذلك. لقد وفّرا له كل شيء ومنحاه ثقة لا يستحقها، حتى إذا بلغ السادسة عشرة من عمره، وكان طالباً بالمرحلة الثانوية، منحاه مصروفاً، لكنهما غفلا عن سؤاله أين ينفقه!. ونتيجة لذلك صار يعبث بكل شيء، فوضع أولى خطواته على طريق الإدمان. يحكي “ع . ن« عن ذلك: بدأت بالتدخين لمدة سنة مع مجموعة من الأصدقاء، وبعد ذلك تعرفت على مجموعة جديدة من الأصدقاء قادوني إلى عالم المخدرات، ولم أكن أتصور أن أدخل هذا العالم المخيف. ففيه رأيت الموت، أهلكت نفسي وهدمت صحتي، وحرقت أحلام والدتي التي كانت تحلم بأنْ أكون طبيباً. ورغم أني استطعت الخروج من هذا العالم الأسود بعد اثني عشرعاماً، وعدت لحياتي الطبيعية، إلا أن المجتمع لم يعد يثق بي، نتيجة خوفهم مني. « ع. ن« يأمل من الجميع أن يَعِيَ أن الإدمان مرض شأنه شأن أي مرض آخر، والمدمن يحتاج إلى رعاية وعلاج، بينما يحتاج المتعافي منه إلى الثقة ولو بالنزر اليسير. وليس أنْ نعاقب أهل المدمن، كأن ننظر شزراً إلى أخوة المدمن، أو لا نتقدم لطلب يد أخواته، فهنَّ لا ذنب لهنَّ، ويضيف “ع . ن«: المدمن للأسف الشديد إنسان منتهي الصلاحية في نظر المجتمع حتى لا يتعافى. فالمدمن مريض والمتعافي منبوذ يرفضه المجتمع، سواء كان صديقاً أو زوجاًَ؛ فلا يوجد أب يقبل بترك ابنته مع هذا المتعافي ويعتبرها مجازفة. والمتعافي مرفوض أيضاً في محيط الوظيفة. فلماذا هذه النظرة؟ لا يوجد شخص في الكون يدخل عالم الإدمان بملء إرادته؛ إنما تجرفه رياح الظروف أو أصدقاء السوء. ولا يوجد شخص يرغب في الاستمرار في التعاطي أو في المرض.