الهيئة أسست جهاز «فريق التدخل الطارئ» للإنقاذ السريع للبيوت
إنقاذ 30 بيتاً تراثياً وتاريخياً بوتيرة عمل يومين وكلفة 500 دينار
هدم المباني واستثمارها أبرز المشكلات لإعادة إحياء المدينة القديمة
الهيئة لا تقف ضد استفادة المواطنين ولكن ليس على حساب الهوية
مشروع إحياء المدينة القديمة متكامل ويوفر أفضل الخدمات
كتب - حذيفة إبراهيم:
كشف مستشار الحفاظ على التراث بهيئة البحرين للثقافة والآثار د.علاء الحبشي أن الهيئة تلقت قوائم من البلديات تفيد بوجود أكثر من 1300 بيت مسجل كآيل للسقوط، وطلبوا السماح بهدمها، إلا أن 99% من هذه المباني تراثية ولها قيمتها التاريخية.
وأوضح الحبشي لـ«الوطن» تجري الهيئة نقاشاً متواصلاً مع البلديات حول أهمية إلغاء صفة «آيلة للسقوط» من تلك البيوت، لافتاً إلى أنها تحمل قيمة تاريخية وبحاجة للعناية والترميم.
وأشار إلى أن الهيئة أسست لجهاز بداخلها يحمل اسم «فريق التدخل الطارئ» لمواجهة تلك الحالات، لافتاً إلى أن الفريق يعمل ليومين فقط ولا تزيد كلفته عن 500 دينار.
وقال إن فريق التدخل الطارئ نجح في إنقاذ 30 بيتاً تراثياً وتاريخياً، مشيراً إلى أن القائمة والتي تتضمن 1300 بيت بحاجة لجيش متكامل العدة والعتاد لاستكمال عمليات الإنقاذ.
ونوه إلى أن أهم أسباب تأخير مشروع ترميم منازل المحرق القديمة، هو أن الهيئة لم تروج للمشروع لدى المجتمع بجميع جوانبه المتكاملة كما هو من المفترض.
ولفت إلى أن نظرة الناس حول مشروع الترميم تركزت على المحافظة على الحجر والمباني فقط، دون الالتفات إلى اعتبارات فنية أخرى كثيرة.
وذكر أن المجتمع لم يدرك البعد الاجتماعي والأبعاد العمرانية الأخرى للمشروع، مبيناً أن المواطنين يرون أعمال الهيئة من خلال المشاريع التي تقوم بها على الأرض وهي في طور التنفيذ والتي تدل على أصالة النسيج المعماري والطراز العمراني ونسيج المدينة القديمة للبحرين.
وقال إن سوق المحرق هو دم المدينة، وحينما نضخ الحياة من خلاله سيحدث تغيير ديموغرافي جذري، وذلك أصررنا كهيئة أن أول مشروع لنا يكون في السوق لإعادة إحيائه وتذكير الناس بدم المدينة، وهو ما أدى لإعادة جذب البحرينيين من جديد بعد أن كان مكاناً للقمامة والتخزين، وكان عرضة للإزالة وبناء مجمع جديد بدلاً منه عام 2009، إذ تحول الآن إلى مشروع متكامل تقليدي للسوق، بجميع السلع التراثية، والمشروع يمر بالمرحلة الثالثة للتنفيذ.
وأفاد أن المشروع يعتبر توجهاً جديداً بالبحرين، إذ إن أول التجارب كانت لالتماس الكلفة الفعلية، ورغم قلة الأخصائيين والمقاولين والاستشاريين المؤهلين لإجراء الترميم وإعادة التأهيل إلا أننا أثبتنا أن الكلفة تعتبر متقاربة أو أقل من مشاريع الهدم وإعادة البناء.
وتابع أنه مع تكاثر تلك المشاريع، يزداد عدد المقاولين والموردين، والسعر حينها سيكون أقل بكل تأكيد عن كلفة هدم وإعادة بناء المساكن القديمة.
وأكد أن المباني ستكون قوية وقادرة على تحمل عبء السنوات مع القليل من الصيانة الدورية، وهو الحال نفسه للمباني الجديدة التي هي بحاجة فعلية إلى صيانة دائمة.
وأضاف أنه يوجد بعد اجتماعي وبيئي وثقافي للمشروع، إضافة إلى الهوية، وكل تلك الأبعاد مدروسة وموجودة في المدينة القديمة بالمحرق، إلا أننا لم نبرزها بالشكل الكافي، ليتبناها المجتمع.
وقال إن المشكلة الأخرى التي تواجهها الهيئة في مشروعها لإعادة إحياء المدينة القديمة أن المجتمع الحالي يرى في المدينة فقط للهدم وبناء شقق للاستثمار وتأجيرها على عمالة أو غيرها، مما يغير في ديموغرافية المدينة، وهو أحد أهم الجوانب التي ترفضها الهيئة بشكل كامل، كون تغيير المدينة الجذري يصعب معالجته لاحقاً.
وأوضح أن المجتمع يرى أن الهيئة تريد من خلال مشروعها لإعادة إحياء المدينة القديمة في المحرق بأنها ضده، ولا تريدهم أن يربحوا من أملاكهم، مشيراً إلى أن الهيئة ترى بأن التربح هو حرية شخصية، إلا أن ذلك يجب ألا يطغى على الصالح والهوية العامة، والمدينة بشكل كامل.
وتابع أن المزايا التي في مشروع إعادة إحياء المدينة القديمة، هو أنه متكامل، ويوفر الخدمات على أعلى مستوى، مثل توصيل مياه الشرب إلى صنابير المياه في المطبخ والحمام، وتوصيل أفضل أنواع الطاقة، والبنية التحتية المميزة، وتوفير ساحات عامة للأطفال للعب وساحات للأسرة وغيرها.
وبين أنه نسعى للارتقاء بالبيئة العمرانية، وهناك مواقف سيارات على المحيط، وداخل النسيج، لنوفر مواقف سيارات لائقة لعدد كبير داخل المدينة، كل تلك الأمور هي تحفيزية للمجتمع، كي يراها في مدينته.
وأوضح مستشار الحفاظ على التراث، إن البنك الإسلامي للتنمية ولأول مرة في تاريخه يستثمر في أمور خاصة بالتراث العمراني كون الهيئة استطاعت إقناعه من خلال الدراسات العميقة أن المردود الاقتصادي بجانب المردود المجتمعي والبيئي موجود وهو إيجابي، مشدداً على أن «لا يوجد بنك يضع أمواله في قضية خاسرة».
وأشار إلى أن البنك أيضاً وضع آلية تنفيذية للصرف والمشاريع تحت ضوابط صارمة ومحددة، وهي داخل المنظومة البنكية.
خلافات
وحول الخلافات الجارية بين وزارة الإسكان وهيئة البحرين للثقافة والآثار والتراث، أشار الحبشي إلى أن كل ذلك بسبب عدم تفهم البعض للآخر وهو أمر ليس مع وزارة الإسكان فقط، وإنما مع وزارات أخرى كالبلديات.
وأوضح أن توجه وزارة الإسكان العام لبناء مشاريع إسكانية وتوفير الوحدات للشباب والعائلات البحرينية، ونتفهم صحته عندما يكون البناء على أرض خالية، أما عندما يمس التوجه نسيجاً عمرانياً قديماً يجب أن يكون وفق ضوابط والتعديلات، حتى لا يكون التوجه مفيداً من الناحية الإسكانية والديموغرافية، ولا يضر بالعمران وتاريخ المدينة القديمة.
وقال إن الأمر مع الإسكان في طور الحل، كون الأطروحات المتبادلة بين الطرفين قد تصل خلال الفترة القادمة إلى وجهة نظر واحدة.
وأشار إلى أن توجه هيئة البحرين للثقافة والآثار، هو تشجيع الأسر البحرينية للعودة إلى المباني بالمدينة القديمة، وهو أمر «يضرب عصفورين بحجر واحد» إذ تم إيجاد وحدات إسكانية للمواطنين، مع المحافظة على التراث، وهي أمثلة خلاقة جداً ومبتكرة للشباب البحريني، ليعاود السكن في مبانيه التي قد يكون نساها.
وأشار الحبشي إلى أن وزارة البلديات، تبنت سابقاً مشروع المكرمة الملكية في ترميم البيوت الآيلة للسقوط لتأهيلها، مبيناً أن المشروع كان لهدم وإعادة بناء العقار على شكل نمطي موحد، بغض النظر عن شكل الأرض أو موقعها في المدينة العمرانية.
وبين «تواصلنا مع الجهة المنفذة للمكرمة الملكية واستطعنا الوصول إلى تعاون مشترك ونجاح مثمر في إعادة توظيف العناصر القديمة داخل المباني التي يعاد تأهيليها، فإما الحفاظ على المبنى كله أو أجزاء منه، كبعض الغرف، لتبقى ذاكرة المكان، ولا يكون هدماً جذرياً ومسحاً للتاريخ بأكمله».
التخطيط العمراني
وفي ما يختص بالتخطيط العمراني، وصعوبة توصيل الخدمات، أكد د.الحبشي إن التخطيط كان مبنياً على أساس جعل المباني حوائط صماء من الخارج، وهي تسهل عملية مرور الهواء، إلا أنه وبعد فتح البلكونات والنوافذ، أدى لخلخلة تلك الظاهرة.
وقال هناك مواقف للسيارات، كما أن الشوارع التي تم افتتاحها في سبعينات القرن الماضي داخل النسيج كافية لتسهيل الحركة المرورية داخل المدينة، وصممنا مواقف متعددة الطوابق أو ميكانيكية لاستيعاب أكبر قدر من السيارات داخل كل فريج، وتبقى أقصى مسافة يسيرها الساكن من بيته إلى سيارته لا تزيد عن الـ70 متراً.
وأضاف أن التخطيط والبناء يتم على مواصفات عالية جداً من الارتقاء العمراني، وهو أمر لا يوجد في العديد من الدول العربية، إلا أن معظم الدول الأوروبية مرت بهذه التجارب، حيث دكت المنازل بالطائرات في الحرب العالمية الثانية، فشعر المجتمع الأوروبي بألا ماضي له ولا هوية ونشأ نوع من الحنين للماضي، فأعادوا بناء المدن على شاكلتها القديمة.
وتابع أنه يجب أن نتعلم من تلك التجارب، ولا نمحوها إلى الأبد، ولنتعلم من تجارب الكوارث التي مرت بالدول الأخرى في ما يختص بالتراث.