بقلم د. محمود العادلي:
استيقظ الشعب والمقيمون في مملكة البحرين -التي تمثل واحة أمان وسلام ومحبة لكل من يوجد على أرضها بفضل قياداتها الرشيدة- صباح يوم الثلاثاء 28 يوليو 2015، على حادث إرهابي أسفر عن استشهاد رجلين وإصابة ثلاثة من رجال الشرطة أثناء أدائهم لواجبهم في الحفاظ على أمن الوطن، على أثر التفجير الإرهابي الذي تم بجزيرة سترة، وقد تم نقل المصابين التي اختلفت نسب إصابتهم بين البسيطة والمتوسطة للمستشفى لتلقى العلاج اللازم، وهذه العملية الإرهابية لا تعتبر أولى العمليات الإرهابية التي حدثت بمملكة البحرين؛ بل هناك المئات من العمليات التي تم تنفيذها خلال العقود الثلاثة الماضية.
جذور الإرهاب في مملكة البحرين
تم خلال الثلاثين عاماً الماضية عمليات تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة إلى مملكة البحرين، كما تم مدّ المجموعات الإرهابية بها ليتمكنوا من الاستمرار في تنفيذ هذه العمليات الإرهابية داخل مملكة البحرين، وقد تمكنت السلطات بالمملكة من ضبط بعضها وإحباط محاولة تهريبها، ومنعت وصولها إلى المجموعة الإرهابية الذين يقومون بتنفيذ هذه العمليات.
وتشير المعلومات الأولية التي تم جمعها في إطار حادثة جزيرة سترة إلى أن المواد المتفجرة المستخدمة بهذا الحادث، هي شبيهة تماماً بما تم الإعلان عن ضبطه قبل أيام من وقوع العمل الإرهابي، حيث تم إحباط تهريب مواد متفجرة وأسلحة من إيران إلى مملكة البحرين، وذلك تبعاً لما صرحت به وكالة أنباء البحرين.
الإرهاب.. صناعة إيرانية
في واقع الأمر أن أصابع الاتهام التي تشير -بل تؤكد لدى البعض- بوضوح إلى تورط إيران في هذا الحادث الأليم ليس من باب الاتهام المتسرع أو غير المدعم بدليل، لأن الفكر التوسعي الإيراني الذي يستهدف تكوين إمبراطورية إيرانية في الشرق الأوسط يدعم هذا الاتهام، وهذا الفكر التوسعي الإيراني تنطق به ألسنة المسؤولين الإيرانيين؛ ويعتبره الدستور الإيراني واجب مقدس.
الحلم الإيراني والهيمنة على الشرق الأوسط
فها هو ذا علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، يعلن أن «إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»، وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. ونقلت وكالة أنباء «ايسنا» للطلبة الإيرانيين عن يونسي تصريحاته خلال منتدى «الهوية الإيرانية» بطهران، حيث قال إن «جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد»، في إشارة إلى التواجد العسكري الإيراني المكثف في العراق خلال الآونة الأخيرة.
ولقد هاجم يونسي، الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس محمد خاتمي، كل معارضي النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبراً أن «كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية»، قائلاً: «سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية»، على حد تعبيره.
وفي الحقيقة أن ما قاله علي يونسي هو مجرد ترديد لحلم يراود حكام إيران، ألا وهو تحويلها إلى إمبراطورية تهيمن على العالم بوجه عام؛ وعلى الشرق الأوسط بصفة خاصة.
الإمبراطورية الفارسية انهارت بانهيار عصر الإمبراطوريات
في الواقع أن تاريخ مفهوم إيران الكبرى بدأ منذ نشأة الإمبراطورية الفارسية الأولى في فارس، فأصل فارس القديمة هي العراق وإيران، أما في العصر الحديث فإن بلاد فارس (إيران جزء منها) قد فقدت العديد من المناطق التي اكتسبتها في ظل الدولة الصفوية كالعراق إلى العثمانيين في حرب 1533 وأفغانستان للبريطانيين (من خلال معاهدة باريس سنة 1857 وتحكيم ماكماهون في 1905)، وأخذت منها روسيا القوقاز في القرنين 18 و 19.
ثم اقتطعت القوقاز من إيران نهائياً في معاهدة تركمانجاي سنة 1828 بعد الحرب الروسية الفارسية، واستقرت الحدود الحديثة على طول نهر أراس، وقبلها تخلت إيران عن أرمينيا وأذربيجان وشرقي جورجيا للروس في معاهدة غاليستان سنة 1813.
ونظراً لهذا التنوع الجغرافي فإن الدول المستقلة حديثاً بمساعدة روسيا أو بريطانيا فقد حافظت على العلاقات الثقافية واللغوية مع فارس، وطوروا مساراتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية الخاصة بينهم، وفي سنة 1935 تحول الاسم إيران من اسم محلي إلى اسم رسمي في المحافل الدولية في حكم رضا شاه.
فقد انهارت الإمبراطورية الفارسية، مثلها مثل غيرها من الإمبراطوريات التي عرفتها البشرية، لأن التطور سنة الحياة، والتطور الآن هو الدولة الوطنية وليس الإمبراطوريات مترامية الأطراف، التي يعجز نظام حكم مهما أوتي من قوة وحكمة أن يهيمن على العديد من الأقاليم التي تختلف لغتهم وثقافتهم ومصالحهم، فقد انهارت الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس؛ كذلك انهارت الإمبراطورية الفرنسية وإمبراطورية الروم، والتي كانت تنافس إمبراطورية الفرس، وغيرها من الإمبراطوريات بسبب ترهل أنظمة الحكم.
وإذا كانت إيران تريد استعادة تاريخها الإمبراطوري؛ فلماذا تتجه إلى جنوب آسيا؛ فما تم اقتطاعه من الإمبراطورية الفارسية أغلبه في شمال آسيا؛ هذا على فرض أن لإيران حقوقاً تاريخية في هذه المناطق، فهل هذا مرض سياسي جديد، ربما نستطيع أن نسميه «الحوَّل السياسي»!
فكرة الحقوق التاريخية.. عفا عليها الزمن
علماً أن الحقوق التاريخية فكرة لا يمكن تطبيقها في العصر الحديث؛ لأن خريطة العالم الآن تغيرت أكثر من مرة؛ فلا يمكن الاحتجاج بالحقوق التاريخية بعد استقلال الدول وانضمامها لهيئة الأمم المتحدة واعتراف دول العالم بهذا الاستقلال؛ وإلا كان تدخلاً في الشؤون الداخلية ومساساً بسيادة الدول.
الدستور الإيراني وفكرة الإمبراطورية
وبمناسبة التدخل في شؤون الدول؛ نجد أن دستور الجمهورية الإيرانية الإسلامية، رغم اعترافه في أكثر من موضع بتصدير الثورة الإيرانية لكل العالم؛ إلا أنه لا يعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول؛ إذ تنص المادة 154 من هذا الدستور على أنه: « تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله (خد بالك من كلمة كله) قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس في أرجاء العالم (خد بالك من أرجاء العالم هذه)، وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم (شوف التصدير الثوري اللي على أصوله) وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».
يا سلام!
إذا لم يكن تصدير الثورة لكل بقاع العالم تدخلاً في الشؤون الداخلية للشعوب؛ فما هو التدخل إذاً؟! كلام يناقض نفسه بنفسه ولا يقتنع به سوى من ليس لديه عقل، أو بالأقل لديه عقل مغيب تحت تأثير بريق الكلمات المعسولة من نوع؛ سعادة البشرية، والنضال المشروع للمستضعفين، والكلام ذو البريق الذي يعتبر من قبيل وضع السم في العسل.
الجيش العقائدي
لم يكتف هذا الدستور بذلك؛ بل جعل مهمة تصدير الثورة للجيش العقائدي، حيث يقول هذا الدستور في ديباجته تحت عنوان «الجيش العقائدي» ما نصه: «في مجال بناء وتجهيز القوات المسلحة للبلاد يتركز في الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساساً وقاعدة لذلك، وهكذا يصار إلى جعل بنية جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور، ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب؛ بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية (خد بالك من موضوع الرسالة الإلهية هنا)، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم)» (انتهى النص الدستوري الإيراني).
وواضح أن هذا النص يعتبر أن تصدير الثورة لكل العالم واجب مقدس؛ وأن كل العالم أعداء للإمبراطورية الفارسية أو الإيرانية، وهذا هو تفكير هتلر الذي تسبب في قتل عشرات الملايين وجرحى عشرات الملايين في الحرب العالمية الثانية بسبب تفكيره العنصري.
واتساقاً مع هذا التفكير العنصري؛ نجد أن الفقرة (16) من المادة الثالثة من الدستور الإيراني تخول لإيران توكيلاً عاماً شاملاً لحماية ما يسميه الدستور مستضعفي العالم؛ إذ تقول هذه الفقرة «من أجل الوصول إلى الأهداف المذكورة -أي المذكورة في المادة 15 من الدستور- تلتزم حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن توظف جميع إمكاناتها لتحقيق ما يلي: .... 16- تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم..».
كما أكدت نفس المعنى المادة (11) من هذا الدستور؛ إذ تنص على أنه: «بحكم الآية الكريمة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) يعتبر المسلمون أمة واحدة؛ وعلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية (يقصد الدستور هنا تكوين إمبراطورية إيرانية) والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي».
واضح من النصوص التي وردت في الدستور الإيراني أن حلم الإمبراطورية الإيرانية ليس وليد اليوم، بل تسعي إليه إيران منذ عدة عقود، وتستغل في ذلك البسطاء لتنفيذ مشروعها التوسعي على حساب دول الجوار، فتصدر أسلحة للمتطرفين والإرهابيين وتمولهم؛ بل وتدربهم باعتبار أن مهمة تصدير الثورة الإيرانية للعالم مهمة مقدسة.
خلاصة القول
وهيهات.. هيهات.. أن يتحقق هذا الحلم التوسعي الإيراني العنصري، والذي لا يختلف عن عنصرية هتلر، إلا في أن أصحاب هذا الحلم يحاولون أن يربطونه بالدين الإسلامي، والإسلام منه براء.
في الختام نسأل الله أن يقي مملكة البحرين شر كل مَنْ يريد أن يهز استقرارها وأمنها، بفضل حكمة قياداتها الرشيدة التي تحرص على نشر العدل والأمن والأمان لكل أبناء الشعب البحريني والمقيمين على أراضيها.

• أستاذ القانون الجنائي بجامعة البحرين