تشير التقارير إلى أن آلاف المقاتلين الأجانب توجهوا إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى التنظيمات الإسلامية المسلحة، من بينها «تنظيم الدولة الإسلامية» أو ما يعرف بداعش وجماعات أخرى، لكن ما مدى مصداقية هذه الأرقام، وكم عدد من ذهبوا إلى هناك ولم يغادروا حتى الآن؟
قرار الذهاب إلى القتال في بلد بعيد عن الوطن ظاهرة قديمة وليس أمراً جديداً؛ إذ في ثلاثينيات القرن الماضي شارك نحو 30 ألف مقاتل أجنبي في الحرب الأهلية الإسبانية.
وفي مطلع القرن التاسع عشر حارب الشاعر البريطاني، لورد بايرون، من أجل استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية. وفي الآونة الأخيرة ذهب الكثيرون إلى القتال في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال، لكن أعداد من سافروا إلى سوريا الآن تمثل «أكبر حشد من المقاتلين الإسلاميين الأجانب في التاريخ»، وفقاً لتوماس هيغهامر، مدير أبحاث الإرهاب، في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية. ويشير هيغهامر إلى أن هناك العديد من الأسباب وراء هذا الأمر.
سوريا من أسهل مناطق الصراع التي يمكن الدخول إليها، حيث يمكن السفر إلى تركيا ثم عبور الحدود إليها بدون أية صعوبات.
وفي داخل سوريا توجد الكثير من المناطق محدودة المخاطر، وذلك لأن «داعش» يسيطر على أراض كثيرة، ويمكن للأجانب تجنب معارك الخطوط الأمامية إذا ما أرادوا ذلك. ويقول هيغهامر: «في أيام الحرب الأولى، كان الدافع الرئيسي المعلن (أريد الذهاب إلى سوريا ومحاربة الأسد دفاعاً عن السنة هناك)، لكن الآن أصبح الدافع المعلن (أريد الذهاب إلى هناك والعيش في دولة إسلامية، أريد الحياة في دولة الخلافة)».
ولفت إلى وجود مواطنين في أوروبا «باعوا كل ما يملكون وأجبروا أطفالهم على ترك المدارس وذهبوا إلى الرقة، وهدفهم الرئيسي العيش هناك لبقية حياتهم».
وقدرت الشرطة الدولية «الأنتربول» أن أربعة آلاف شخص انضموا إلى المليشيات المسلحة في سوريا، لكن يرى الكثيرون أن الرقم أعلى بكثير من هذا، سواء بالنسبة إلى الأشخاص المحددين أو المجهولين.
ويقول هارون زيلين، زميل في المركز الدولي لدراسات التطرف في كينغس كوليدج بلندن: «الحقيقة أنني كنت قادراً على تحديد حوالي 3800 شخص، ديسمبر 2013، مما يشير إلى أن الأنتربول ليس لديه الصورة الكاملة».
وأضاف: «بعد مرور عام ونصف أستطيع الدفع بأن عدد المقاتلين الأجانب ارتفع أضعافاً مضاعفة».
ووفقاً للتقديرات الحالية للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (ICSR)، فإن رقم 20 ألفاً هو الأقرب للحقيقة، وهو الرقم الذي توصل إليه المركز من خلال متابعة تقارير وسائل الإعلام وغيرها من المعلومات المتاحة للجمهور.
وقال هيغهامر الذي يستخدم نفس الأساليب في مثل هذه التقديرات: «قد يكون ذلك على سبيل المثال بداية من إعلان من الأمم المتحدة بأن العدد الإجمالي هو 15 ألفاً أو 20 ألفاً، وصولاً إلى تصريح لعمدة في بلدة جنوبي فرنسا بمغادرة 22 شخصاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأي (إعلان أو تصريح) آخر بين كلا المستويين من الأرقام». وأضاف: «هناك مجموعات مختلفة من التقارير ومستوى متعدد من المصداقية، ولذا فإنك تحتاج إلى نوع من التقييم الذاتي الشخصي، لكن أعتقد أنه يمكنك التوصل إلى مستوى معقول من التقدير الأقرب للصحيح».
لكن هيغهامر يشير إلى أن تقديرات انتقال 20 ألفاً للقتال في صفوف تنظيم الدولة يجب أن تؤخذ بقدر من الشك.
وتابع: «إذا قال أحد المحللين أو منظمة ما نعتقد أن ما بين 500 إلى 900 شخص سافروا إلى فرنسا، فإن العنوان الرئيسي سيكون دائما تقريبا أن 'نحو 900 شخص غادروا من فرنسا، وأن هذا العدد الـ 900 التقريبي سيدخل في لعبة التجميع. وأعتقد أن هذا سيقود على الأرجح إلى التضخيم». بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا ليس هو عدد المقاتلين الأجانب الذين يُعتقد أنهم يشاركون في العمليات الجهادية في صفوف تنظيم الدولة حالياً. يمثل هذا الرقم الأشخاص الذين انضموا إلى التنظيمات المسلحة التي تقاتل في سوريا على امتداد فترات الصراع.
وتشير تقديرات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (ICSR) إلى أن ما بين 10 و30 بالمئة، أي ما يصل إلى سبعة آلاف شخص، عادوا بالفعل إلى بلدانهم وهناك ما بين 5 و10بالمئة آخرين قتلوا في هذا الصراع.
لكن السؤال هو من أين جاء هؤلاء الأشخاص؟ بحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف دول العالم يخرج منها جهاديون. معظم الجهاديين ينتمون إلى منطقة الشرق الأوسط والكثير منهم جاء من شمال أفريقيا.
وخرج عدد كبير أيضاً من المقاتلين من روسيا، ويعتقد أن معظمهم جاؤوا من جمهورية الشيشان، وهناك ثلاثة آلاف آخرين جاؤوا من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
وتشير التقديرات إلى أن هناك أربعة آلاف ينتمون إلى دول غرب أوروبا، وخرج من فرنسا وألمانيا وبريطانيا أكبر عدد من هؤلاء الجهاديين، لكن بلجيكا سجلت أعلى معدل للجهاديين من أي دولة أوروبية أخرى.
لكن زيلين يتفق مع رأي هيغهامر بضرورة التعامل بحذر مع هذه الإحصاءات. ويقول هيغهامر: «إننا غالباً نقارن هذا الأمر بإعداد وجبة نقانق. يقول الناس إن الجزارين لا يأكلون النقانق لأنهم يعرفون ما بداخلها. والأمر هو نفسه مع أشخاص مثلي والذين يحاولون تقييم الأرقام، فإنني نادراً ما أثق في التقديرات التي تطرح هنا وهناك لأنني أعلم العوامل التي تحيط بها».
«بي بي سي العربية»