أعدت مصر العدة لحفل كبير يقام اليوم (الخميس) بمناسبة افتتاح مشروع شق فرع جديد من قناة السويس وسط تغطية إعلامية صاخبة من ناحية وجدل حول مدى جدواها من ناحية أخرى. مشروع «قناة السويس الجديدة» أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السادس من أغسطس العام الماضي، مطالباً الجهات المختصة بإتمامه في عام واحد. ويتضمن المشروع حفر مجرى ملاحي مواز لقناة السويس بطول 35 كيلومتراً وبعرض 317 متراً وبعمق 24 متراً ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدماً. ويقع المجرى الملاحي الجديد من الكيلو 60 إلى الكيلو95 من القناة القديمة.
كما يتضمن توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول حوالي 27 كيلومترا وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومتراً.
ويسهب المسؤولون ووسائل الإعلام في التحدث عن مزايا المشروع. وقال مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس إن المجرى الملاحي الجديد يتيح مرور السفن في القناة من الاتجاهين، مما يقلل زمن عبور القناة من 22 ساعة حالياً إلى 11 ساعة تقريباً ويجعلها أسرع قناة في العالم. وتقول مصر إن القناة الجديدة ستكون نواة منطقة استثمار عربي وأجنبي في مجالات بناء وصيانة السفن وتخزين البضائع والصناعات المختلفة.
وباللون الأحمر حملت صحيفة الأهرام على صفحتها الأولى عنواناً رئيساً يقول «غداً.. مصر تعبر للمستقبل» مستعيدة أجواء حرب أكتوبر 1973 حين عبر الجنود المصريون قناة السويس إلى الضفة الشرقية مخترقين حاجز خط بارليف الدفاعي الإسرائيلي.
أما صحيفة الجمهورية فحملت في صدارة صفحتها الأولى عنوان «مصر ارتدت ثوب الاحتفال»، وكان عنوان صحيفة الوفد «مصر .. فرحانة» بينما كتبت الأخبار «24 ساعة.. على معجزة المصريين» وجاء عنوان صحيفة الشروق «غدا.. مصر تقدم هديتها للعالم».
لكن البعض يشكك في جدوى المشروع ويرى أنه لا طائل منه للبلاد ولو في المستقبل القريب على الأقل.
وقال أحمد الكمالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة «لم تتم دراسة جدوى- أو لم نعرف بذلك- لتقييم جدوى المشروع».
ويقول وليام جاكسون من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس إنه لكي يحقق المشروع الإيرادات المستهدفة يجب أن تزيد حركة التجارة العالمية بنسبة 9 بالمئة سنوياً حتى 2023. ويقول جاكسون إنه بينما ارتفع حجم التجارة العالمية بمتوسط 2.9 بالمئة بين 2011 و2014 فإن إيرادات القناة ارتفعت بواقع 2 بالمئة فقط خلال نفس الفترة.
كما يقول مايكل فرودل من مؤسسة سي ليفل جلوبال ريسكس للاستشارات ومقرها الولايات المتحدة؛ إن قناة السويس ربما تواجه خطراً آخر من توسعة القناة، بينما يتوقع أن تكتمل في 2016 إذ قد تؤدي لاجتذاب حركة المرور من الطريق بين آسيا وأمريكا الشمالية.
أبعاد سياسية
قناة السويس هي أكبر مصدر لدخل مصر بالعملة الصعبة إلى جانب السياحة وصادرات النفط والغاز وتحويلات العاملين في الخارج.
وكانت القناة الأم قد افتتحت عام 1869 ويبلغ طولها نحو 160 كيلومتراً، وهي أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا إذ تختصر 15 يوماً من زمن الرحلة في المتوسط.
وتكلفت القناة الجديدة ثمانية مليارات دولار تم جمعها بالعملة المحلية من المصريين من خلال طرح شهادات استثمار بفائدة 12% لمدة خمس سنوات.
ويقر متخصصون بأن لمشروع القناة الجديد أسباباً سياسية، ربما كانت أكبر من أسبابه الاقتصادية. وقال الكمالي إنه لو أن هناك أي فوائد سريعة للتوسعة فقد تكون سياسية وليست اقتصادية. وأضاف مشيراً للتقلبات التي عاشتها مصر منذ 2011 حيث أطيح برئيسين من الحكم «ستوحد (القناة) الشعب حول مشروع قومي يمكن للناس الالتفاف حوله». وقالت شركة ميرسك لاين للخطوط الملاحية، وهي أكبر عملاء قناة السويس، إن التوسعة الجديدة لقناة السويس ستحقق وفراً في تكاليف الوقود للسفن الأكبر حجماً، ولكنه لم يشر إلى أن الشركة ستزيد عدد سفنها العابرة للقناة خلال العام الحالي.
وقال محمد شهيب مدير فرع ميرسك لاين في مصر «العام الماضي مرت لنا 1400 سفينة في القناة. سيمر نفس العدد من السفن تقريباً هذا العام».
وقال نيكولاس سارتيني النائب البارز لرئيس مجموعة سي.إم.إي.سي.جي.إم الفرنسية، وهي ثالث أكبر مجموعة سفن في العالم، والتي تسير في القناة سفينتين تقريباً كل يوم إن القناة الجديدة «لن تغيرالكثير بين عشية وضحاها». وأضاف أن مصر تستثمر على المدى البعيد لتصبح لديها قناة أكبر قادرة على استيعاب العدد المتزايد من السفن الأكبر حجماً. كما يقول حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية «مشروع قناة السويس الجديدة بالنسبة لمصر هو مشروع قومي بمعنى أنه أكبر من مجرد مشروع اقتصادي».
وأضاف «هو مشروع لتوحيد المجتمع المصري وراء هدف واحد هو بناء نظام سياسي جديد بكل مكوناته وأبعاده»، بعد انهيار نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في الانتفاضة التي اندلعت يوم 25 يناير 2011.
ومضى قائلاً «المشروع يعالج الخلل الذي تعرض له المجتمع المصري من 25 يناير (2011) إلى 30 يونيو (2013)»، مشيراً إلى تاريخ الاحتجاجات الحاشدة التي أعلن الجيش بعدها عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن أمضى عاماً في الحكم. لكن سلامة يتحدث أيضاً عن فوائد المشروع الاقتصادية قائلا «له مزايا اقتصادية، لكن ليس في الأمد الحالي. هناك معارضة للمشروع لكن بعد سنوات سوف يذكر التاريخ أنه في عهد عبدالفتاح السيسي تم شق قناة سويس جديدة وتوحيد الشعب وراء المشروع والنظام». أما طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فقال «المشروع له خلفية سياسية قائمة على أنه أول إنجاز للنظام».
غير أن هناك كثيرين متفائلين بإمكانية أن يمهد المشروع لقيام منطقة استثمار تطل على القناة. قال حلمي شعراوي خبير الشؤون الأفريقية «واضح أنه بداية منطقة استثمار. مطلوب من الحكومة أن تطلق وعداً قوياً بتيسير الاستثمار وحماية الاستثمارات في مصر كلها وليس في منطقة القناة وحدها».
وقال النيابي السابق البدري فرغلي «هذه المنطقة تمثل المشروع القومي للشعب المصري. أتوقع أن تتهافت شركات العالم كله على الاستثمار على ضفاف القناة».
وأضاف «نحن نعمر ضفاف القناة. نحن لا نشق مجرد تفريعة». وقال مميش في مقابلة إن الهدف من قناة السويس الجديدة ومشروع تنمية منطقة القناة هو تنويع وزيادة إيرادات القناة من 5.3 مليار دولار إلى 13.226 مليار دولار بحلول عام 2023. ومع بلوغ معدل البطالة حوالي 13 في المئة تأمل مصر في توفير نحو مليون فرصة عمل في إطار مشروع تنمية إقليم قناة السويس حتى عام 2030.
أجواء احتفالية
تزينت الميادين الرئيسة بوسط القاهرة مثل ميدان التحرير، نقطة انطلاق الانتفاضة التي أطاحت بمبارك، بأعلام مصر ورايات قناة السويس، كما تراصت الأعلام في منطقة كورنيش النيل. وعلقت أعلام ولافتات ضخمة على المباني الحكومية وفنادق وسط القاهرة. وتدلى علم كبير لمصر بطول مبنى وزارة الخارجية الشاهق المطل على نهر النيل.
وانتشرت لافتات التهنئة بافتتاح القناة من أحزاب وشركات. وفي لافتة وضعتها محافظة القاهرة بوسط ميدان التحرير كتبت عبارة «قناة السويس الجديدة من أم الدنيا لكل الدنيا». وعبر كثيرون عن تفاؤلهم إزاء المشروع الجديد. وقال علي السيد (65 عاماً) وهو موظف متقاعد «المشروع عشرة على عشرة وهيعمل انتعاشة وانفراجة مصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي».
وقالت هدى وهي موظفة في عقدها الرابع «حاجة كويسة. هيغير حالا لبلد للأحسن إن شاء الله». وأضافت «أولادي فرحانين جداً بالمشروع ومبسوطين كمان». كما أبدى آخرون فتوراً أو عدم حماسة للمشروع.
الهاجس الأمني
رغم التفاؤل يبرز الهاجس الأمني. وقال أحد سكان الإسماعيلية إحدى مدن القناة الثلاث والتي شق فرع القناة الجديد في نطاقها إن قوات الجيش تفرض إجراءات أمن صارمة في المدينة ضمن خطط تأمين حفل الافتتاح.
فتنفيذ المشروع جاء وسط اشتباك بين الحكومة وإسلاميين متشددين قتلوا مئات من أفراد الجيش والشرطة في محافظة شمال سيناء المتاخمة للمشروع في العامين الماضيين.
وقضى الجيش والشرطة على مئات من المتشددين الذين كانوا يسمون جماعتهم (أنصار بيت المقدس) قبل أن يغيروا الاسم في نوفمبر إلى (ولاية سيناء) ويعلنون البيعة لتنظيم «داعش» الذي استولى على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا قبل أكثر من عام. وكان العنوان الرئيس لصحيفة الأخبار الثلاثاء «الجيش: لن نسمح لأحد بإفساد فرحة الشعب بالقناة». وجاء العنوان التالي له «نحذر أي متهور.. ستموت مكانك.. مبنهزرش».
ونقلت صحيفة الوطن عن اللواء علي العزازي مدير الأمن في محافظة الإسماعيلية قوله «اللي هيفكر يفسد الحفل هنقطع رقبته».