استبقت وزارتا الثقافة والآثار المصريتان حفل افتتاح قناة السويس الجديدة بأنشطة متنوعة تستمر لمدة شهر وتستعيد جوانب من تاريخ البلاد، ومنها تذكر عشرات الألوف من ضحايا حفر القناة الأولى في القرن التاسع عشر.
وتشمل الأنشطة ندوات فكرية ومعارض للفن التشكيلي ومعارض لقطع أثرية اكتشفت على جانبي القناة خلال الحفر الأول وبعده، وكتباً بعضها يعيد الاعتبار لمن أهملهم التاريخ، ومنها كتاب (السخرة في حفر قناة السويس) للكاتب المصري عبدالعزيز الشناوي.
ويستعرض الشناوي ضحايا حفر القناة بين عامي 1859 و1869 ويقدر عددهم بنحو 120 ألفاً ماتوا بسبب أعمال السخرة والمرض ونقص التغذية، وهم ضحايا مجهولون لا تشير إليهم الرواية الأوروبية عن تاريخ القناة كجزء من صراع أوروبي بريطاني - فرنسي كانت مصر والشرق ساحته.
وقال رئيس دار الكتب حلمي النمنم القائم بأعمال رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، ناشرة الكتاب، في بيان إن هناك كتباً أخرى ستصدرها الهيئة بهذه المناسبة ومنها (قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة) لمصطفى الحفناوي و(موسوعة تاريخ بورسعيد) لضياء الدين حسن القاضي.
و(موسوعة تاريخ بورسعيد) التي تضم صوراً نادرة للمدينة في أربعة أجزاء وتتناول قضايا منها (كيف كان الاتصال بين الشرق والغرب قبل شق القناة) و(بورسعيد وحفر قناة السويس) و(حفلات افتتاح قناة السويس) و(نضال شعب مصر عبر التاريخ).
وتصدر دار الكتب بهذه المناسبة كتاب (قناة السويس.. وثائق الحلم المصري) الذي يضم وثائق بالعربية والتركية والفرنسية والألمانية عن القناة وتاريخها منذ الخديو إسماعيل الذي حكم مصر بين عامي 1863 و1879 حتى حفر قناة السويس الجديدة.
وتنظم وزارة الثقافة معرضاً لهذه الكتب وما يتصل بتاريخ القناة في ساحة دار الأوبرا بالقاهرة.
وافتتحت قناة السويس للملاحة البحرية في عهد الخديوي إسماعيل الذي أعد احتفالاً مهيباً يوم 17 نوفمبر 1869 بحضور شخصيات دولية بارزة، ومنهم أوجيني إمبراطورة فرنسا زوجة نابليون الثالث وإمبراطور النمسا فرانسوا جوزيف وأمير بروسيا والأمير هنريولي عهد هولندا. وأصبحت القناة «شركة مساهمة مصرية» منذ أعلن الزعيم المصري جمال عبدالناصر تأميمها يوم 26 يوليو 1956.
ولكن الاحتفال الثقافي سيستعيد أيضاً جوانب من بذخ فني تمتعت به قصور الحكام قبل 150 عاماً.
فقالت مكتبة الإسكندرية في بيان إنها أصدرت أسطوانتين مدمجتين تحتويان على مجموعة لوحات للمصور الفرنسي إدوارد ريو (1833-1900) الرسام الخاص بالخديو إسماعيل وتصور هذه اللوحات رحلة الملوك أثناء افتتاح القناة.
ويحمل غلاف الأسطوانة الأولى صورة للخديوي إسماعيل وضيوف الحفل منهم أوجيني وجوزيف إمبراطور النمسا وعنوانها (لوحات ريو.. افتتاح قناة السويس.. رحلة الملوك) ورسم على الأسطوانة الثانية سفن في القناة الأولى وهي من رسوم ريو. وقال البيان إن أسطوانتي لوحات ريو التي خلدت تلك «اللحظة التاريخية» ستتاح للبيع بالمكتبة.
وقال خالد عزب رئيس قطاع المشروعات المركزية بمكتبة الإسكندرية إن المكتبة أصدرت كتاب (اليخت محروسة.. رحلة مع اليخت الملكي) الذي أقل ضيوف حفل الافتتاح عام 1869 بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية وإنه سيوزع على الرؤساء والملوك والأمراء في اليخت نفسه «المحروسة» في افتتاح قناة السويس الجديدة. وأعلنت وزارة الثقافة في وقت سابق أن أوبرا (عايدة) للموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي (1813-1901) -والتي تعذر عرضها في افتتاح قناة السويس قبل 146 عاماً لتأخر وصول الملابس والديكورات من إيطاليا- سيتحقق في افتتاح القناة الجديدة.
وقالت دار الأوبرا المصرية في وقت سابق إن «حلم فيردي سيتحقق في افتتاح قناة السويس الجديدة» بعرض (عايدة) على مسرح مساحته 2500 متر مربع أمام منصة مشاهدين تتسع لأكثر من ألفي مشاهد.
وقال عبدالواحد النبوي وزير الثقافة في بيان إن الموسيقي المصري عمر خيرت سيقدم «مجموعة من روائعه (في حفل الافتتاح) كما يقدم... أوبريت (غنا الوطن)» وتشارك 15 فرقة من قصور الثقافة بالمحافظات بعروض للفنون الشعبية على المنصات المنشأة على شاطئ القناة.
أما وزارة الآثار فتنظم ثلاثة معارض في القاهرة والإسماعيلية والسويس لقطع أثرية فرعونية تروي جوانب من تاريخ مصر العسكري، وخصوصاً «طريق حورس الحربي» الذي يقول الأثريون أقدم طريق عسكري في التاريخ والذي كان يمر عبر سيناء إلى شمالي بلاد الشام لتأمين الحدود الشرقية للبلاد.
وإذا كان أغلب قطع المعارض الثلاثة غير جديدة فإنها تكتسب أهميتها من تفردها وما تحمله من قصص تاريخية ظلت سراً لأكثر من 100عام، ومنها رأس مسلة من الحجر الرملي عثر عليه في «تل حبوة» شمالي مدينة الإسماعيلية في بداية حفر قناة السويس الأولى.
وعرض رأس المسلة -المهدى من الملك رمسيس الثاني إلى أبيه الملك سيتي الأول وجده رمسيس الأول- في معرض (الآثار على ضفاف السويس) بمتحف الإسماعيلية ضمن 16 قطعة أثرية اكتشفتها البعثات الفرنسية العاملة أثناء حفر قناة السويس.
وقال محمد عبدالمقصود المشرف على مشروع تطوير المناطق الأثرية بمحور قناة السويس إن لهذه القطعة «أهمية خاصة.. هي السبب في اكتشاف طريق حورس الحربي.. بوابة مصر الشرقية» التي تبدأ بموقع بقلعة «ثارو» نقطة انطلاق الجيش المصري إلى الشام.