أكد شوريون ونواب أن مشروع قانون حماية الأسرة من العنف حقق المزيد من الاستقرار للأسرة البحرينية، وضمن عدم إفلات المعتدي من قبضة القانون تحت مظلة الحق الشرعي بالتأديب للزوجة أو للأولاد، إذا تجاوز الحق بالاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي الذي لا يقره الشرع ولا القانون ولا العرف السائد في المجتمع البحريني.
وأوضحوا في تصريحات لهم على مصادقة جلالة الملك المفدى أن القانون، الذي يتألف من 21 مادة، حدد بشكل واضح ماهية جرائم العنف الأسري وأنواعها.
وأشاروا إلى أن القانون خطوة مهمة على طريق استكمال المنظومة التشريعية الخاصة بالأسرة، ويضع البحرين في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
ولفتوا إلى أن القانون وقائي بالدرجة الأولى وليس علاجياً أو عقابياً، ويراعي الروابط الأسرية ويعزز من تماسكها بما يعكس نصوص الدستور والميثاق الوطني.
ودعوا إلى تكاتف جهود جميع المعنيين للسير قدماً في طريق القيام بخطوات أخرى مشابهة من بينها إصدار الشق الثاني من قانون أحكام الأسرة، وإنشاء محاكم أسرية لمعالجة القضايا الأسرية وحفظ خصوصية الأسرة البحرينية.
وقاية الأسرة
من جانبها أكدت رئيسة لجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس الشورى هالة رمزي أن كثيراً من جوانب القانون ركزت على وقاية الأسرة من العنف بتجفيف منابعه والحد من أسبابه. وأوضحت أن الجوانب العلاجية أو العقابية في القانون كانت بهدف ردع أولئك الذين لابد من عقابهم بعد عدم تركهم أي فرصة لإصلاحهم.
وقالت إن القانون ركز على دور مراكز الإرشاد الأسري ومراكز الإيواء في نشر الوعي وتوفير الحماية والمساعدة إذا لزم الأمر.
وذكرت حرصنا على أن يضمن القانون إنشاء جيل واعٍ بحقوقه وواجباته ومدرك لأهمية تعزيز مؤسسة الأسرة.
وأوضحت أن أهم ما يميز القانون هو أنه يعرِّف بوضوح أفراد الأسرة، ويشملهم جميعاً تقريباً، بما في ذلك الزوجين والأبناء والأحفاد والأخوة ووالدي الزوجين وأبناء أحد الزوجين من زواج شرعي آخر، وغيرهم.
وأضافت أن ما يميز القانون أيضاً هو أنه يعرِّف بوضوح كل أشكال العنف كالعنف الجسدي والعنف النفسي والعنف الجنسي وحتى العنف الاقتصادي. وبينت أن النوع الأخير من العنف أي العنف الاقتصادي يجعل القانون البحريني متقدماً ومميزاً لتضمنه هذا الجانب، خاصة وأنه ليس هناك قوانين كثيرة تصنِّف العنف الاقتصادي على أنه عنف أسري.
وخصت رمزي بالذكر المادة 19 من مشروع القانون والتي فرَّقت بين الاعتداء النفسي والاعتداء الجسدي والجنسي، ونصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 100 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب فعلاً أدى إلى إيذاء نفسي، بينما يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب إيذاء جسدياً أو جنسياً.
مرئيات متكاملة
بدوره، أكد عضو لجنة المرأة والطفل في مجلس النواب النائب جمال بوحسن أهمية مشروع قانون حماية الأسرة من العنف باعتبار أن الأسرة أساس المجتمع كما نص عليه الدستور البحريني في المادة (5/أ)، بجانب خلق جو من التفاهم والطمأنينة داخل نطاق الأسرة.
وأوضح بوحسن أن تمرير القانون بشكله الحالي من مجلس النواب جاء بعد مناقشات ومداولات مطولة شملت الاطلاع على تقرير اللجنة السابق في الموضوع، وعلى رأي اللجنة التشريعية والقانونية بالمجلس التي ارتأت السلامة الدستورية للمشروع بقانون، وعلى مذكرة المستشار القانوني، وجدول مقارنة بين المواد المختلف عليها بين المجلسين، وأكد في هذا السياق أهمية المرئيات التي قدمها المجلس الأعلى للمرأة إلى مجلس النواب بخصوص هذا القانون وتضمينها فيه.
ولفت إلى أن القانون تضمن مواد للحماية من العنف الأسرى بكافة صوره سواءً كان جسدياً، أو نفسياً أو جنسياً أو اقتصادياً، حيث تبرز فيه إنشاء إدارة متخصصة لمتابعة مسائل العنف الأسرى ضمن بنية وزارة التنمية الاجتماعية.
وأشار إلى أن القانون حدد جرائم الإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي التي قد ترتكب من فرد في الأسرة على آخر في محيطها ويضمن عدم إفلات المعتدي من قبضة القانون تحت مظلة الحق الشرعي بالتأديب للزوجة أو للأولاد، ومعاقبة كل من يقوم بالاعتداء بالعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي في محيط الأسرة بالحبس الذي يصل إلى خمس سنوات - في حالة الإيذاء الجسدي أو الجنسي - والغرامة التي تتراوح بين 100 و500 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
حضارة البحرين
وأكدت الأخصائية في العنف الأسري وأستاذة علم النفس د.بنة بوزبون أن قرب صدور قانون حماية الأسرة من العنف يحمل معه بوادر طيبة تجاه المزيد من تعزيز استقرار الأسرة البحرينية والمجتمع البحريني بشكل عام.
وقالت إن القانون الذي طال انتظاره يتوِّج جهوداً دءوبة ويشكل إنجازاً كبيراً للمجلس الأعلى للمرأة ومجلسي النواب والشورى والبحرين عامة، وبما يعكس التطور الحضاري للبحرين التي بدأ فيها التعليم للرجل والمرأة قبل نحو مائة عام وعرف عن أهلها التسامح وطيب المعشر ونبذ العنف.
وشددت على أهمية القانون في حماية أفراد الأسرة المستضعفين كالأطفال والنساء وكبار السن، وتوجيه سلوك الأشخاص العنيفين وتحذيرهم من مغبة ممارسة العنف الممنهج. وأشارت إلى دراسات ميدانية أظهرت أن قرابة 30% من النساء متضررات من العنف سجلوا حالاتهم لدى المجلس الأعلى للمرأة ومراكز العنف الأسري، فما بالنا بحالات العنف خلف الأبواب والتي تفضل أو لا تجرأ المرأة على الإفصاح عنها.
ولفتت إلى أهمية المشاريع التي يقوم بها المجلس الأعلى للمرأة للحد من العنف الأسري والتخفيف من آثاره، ومن ذلك مبادرة المجلس إلى توفير خدمة «الطلاف الاتفاقي الآمن»، وكذلك قيامه بالتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء إلى إنشاء مكتب التوفيق الأسري.
وبينت أن فعل الطلاق بحد ذاته هو فعل عنف، وعلينا التخفيف من آثاره على الطليقين وعلى الأطفال ما أمكن، وهنا تكمن أهمية المشاريع التي يعمل عليها المجلس الأعلى للمرأة في هذا الإطار.
حالات إيذاء
من جانبها أوضحت أخصائية طب الأسرة، عضو مجلس إدارة جمعية الأطباء د.مرام الشربتي أهمية القانون في تلافي حالات العنف الأسري التي ربما ينجم عنها إيذاء جسدي جزئي أو كامل.
وقالت لا أذيع سراً إذا قلت إنه من خلال عملنا نعاين حالات تعرضت لعنف جسدي وإيذاء بأبشع الطرق وصولاً إلى التسبب بعاهات مستديمة.
وتابعت غالباً ما يكون الزوج أو الأب أو الأخ الأكبر هو الطرف الذي يمارس العنف على باقي أفراد العائلة ويتسبب بإيذائهم بشدة تحت ذريعة ولايته عليهم وهو يعلم أن القانون السابق لا يردعه عن ذلك.
وتطرقت إلى العنف الذي يمارس على الأطفال من والديهم، وقالت في السابق كنا لا نستطيع إنقاذ الطفل من عنف والديه لعدم وجود نص قانوني يسمح بذلك، أما الآن وبعد صدور القانون الجديد لن يتوقع الأهل أن طفلهم ملك لهم يستطيعون شتمه وضربه وإيذائه وطرده من المنزل متى يشاءون.
وأكدت ضرورة تفعيل جانب توفير العلاج النفسي للأشخاص الذين يمارسون العنف.
وبينت من خلال ملاحظتنا نرى أن من يمارس العنف بشكل ممنهج هو شخص غير سوي، وليس لديه محاكمة عقلية منطقية تجعله يخشى دفع الغرامة أو دخول السجن، وبالتالي يجب التركيز على تأمين علاج إرشادي أو نفسي لهؤلاء الأشخاص بالدرجة الأولى.
عقوبة تردع
بدورها، أشارت المحامية ابتسام الصباغ إلى ارتفاع ظاهرة العنف الأسري في البحرين خلال الفترة السابقة لغياب الردع القانوني.
وقالت نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في حوادث العنف الأسري نتيجة عدم وجود عقوبات مشددة، وغالباً ما يكون هذا العنف ممنهجاً ويأخذ منحى تصاعدياً، بحيث يبدأ بالألفاظ مروراً بالضرب وليس انتهاء بالإيذاء الجسدي والتسبب بإعاقات خفيفة أو دائمة.
وأكدت أهمية قانون حماية الأسرة من العنف في وضع الضوابط القانونية اللازمة للحد من الظاهرة، خاصة وأن حوادث العنف الأسري ينظرها الآن قانون العقوبات تحت بند «الاعتداء على سلامة جسم الغير» دون اعتبار فيما إذا كان المعتدى عليه هو شخص غريب أو أحد أفراد الأسرة كالزوجة أو الابنة مثلاً.
وأوضحت أن قانون العقوبات ينص على أنه إذا أفضى الاعتداء إلى ضرر بجسم الغير احتاج معه فترة علاج لمدة أقل من 21 يوماً اعتبرت حادثة الاعتداء جنحة، وإذا امتدت الفترة لأكثر من 21 يوماً اعتبرت جناية، وأضافت أن الغرامة ربما تكون عشرة دنانير أو عشرين ديناراً كحد أقصى، وهذه عقوبات لا يمكن أن تردع أحداً.
وتساءلت هل يمكن أن تكون عقوبة زوج أقدم على ضرب زوجته وتسبب لها بعاهة مستديمة مثلاً مثل هذه العقوبة البسيطة.
وأشارت الصباغ إلى أن الدين الإسلامي أكد على بناء أمة تقوم أسسها على الاستقرار والأمن والعدالة، وحرَّم الاعتداء على سلامة الغير، ومشروع القانون الجديد يعكس هذا كله، وأكدت عدم تعارض مشروع القانون مع أحكام الشريعة الإسلامية الداعية للرفق والتسامح ونبذ العنف بأشكاله وصوره كافة ومنها العنف الأسري، خاصة وأن مشروع القانون تضمن إطاراً قانونياً محكماً يمكن القاضي من العمل من خلاله وعدم إفلات المعتدي من قبضة القانون تحت مظلة الحق الشرعي بالتأديب للزوجة أو للأولاد، إذا هو تجاوز هذا الحق بالاعتداء الذي لا يقره الجسدي أو الجنسي أو النفسي الذي لا يقره الشرع ولا القانون ولا العرف السائد في المجتمع البحريني. كما أكدت الصباغ أن قانون حماية الأسرة من العنف خرج بصورة مرضية ومحققة لأهدافه الأساسية التي تحفظ للأسرة كيانها وتماسكها وترابطها ويراعي النصوص القانونية التجريمية الواردة في القوانين الأخرى مثل قانون العقوبات وقانون الطفل وغيرها ويضمن عدم التكرار أو التنازع بينها.