أثارت تصريحات رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي ضد المتظاهرين في العراق بوصفهم (فئات غير مسلمة)، علامات استفهام عديدة، وتساءل البعض منهم، كيف تصدر مثل هذه التصريحات المثيرة للسخرية من نظام يدعي -بكل يقين وجزم وتأكيد- أنها يطبق النموذج المثالي للحكم الإسلامي ويتبع (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية) علي خامنئي الممثل الأعلى لولي الفقيه، والتي ترسخ للفساد بل وتكفر الداعين لمحاربة الفساد في العراق.
وكان فيروز آباد والذي تحتل بلاده المرتبة 136 بين 175 على قائمة «منظمة الشفافية الدولية» للدول التي تعتبر فاسدة للعام 2014، قد قال يوم الأحد الماضي في تصريحات أوردتها وكالة «فارس»: «إن حدوث بعض النواقص المصطنعة والدعوة لتظاهرات بتحريك من بعض الفئات غير المسلمة وكذلك تفجير خطوط نقل الكهرباء من إيران إلى العراق وعمليات تخريب أخرى في هذا السياق إنما تهدف للقول بعدم كفاءة الحكومة المركزية».
وتتهم الحكومة الإيرانية، عالمياً ومحلياً، بتنفيذ عمليات قتل وخطف وتفجير من خلال ميليشياتها التي تسيطر على مفاصل الدولة في العراق.
وعزى مهتمون بالشأن الإيراني الأسباب الحقيقية وراء تصريحات رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية بتكفير المتظاهرين في العراق، خشية نظام الملالي أن تنتقل عدوى محاربة الفساد في العراق إلى إيران فتنتج «ربيعاً إيرانياً دموياً»، على غرار انتفاضة 2009 عقب فوز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية عام 2009، احتجاجاً على تخطي إرادة الشعب وتزوير الانتخابات بضوء أخضر من المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي دعا فيها إلى قتل المتظاهرين السلميين، وراح ضحيتها العشرات بل المئات من المواطنين الأبرياء.
ولكن إذا عرف السبب بطل العجب..
فنظام الملالي الحاكم في إيران غارق في بحر من الفساد من قمة الرأس حتى أخمص القدم، ولم يجد في بحثه المحموم لنهب ثروات الشعب الإيراني، سوى مدّ الأذرع التدخلية –كالعادة- في شؤون دولة جارة، والحديث باسم الدين، المصبوغة بلوثة طائفية، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصرية قومية دينية مركبة، يصدرها النظام لأتباعه في الخليج العربي، بدلاً من أن يلتفت إلى حاجات ومشاكل غالبية الإيرانيين المسحوقين، والتصالح مع جيرانه على أسس المصالح المشتركة، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونهم.
في إيران، وأينما اتجهت تجد الفساد والفاسدين من كل مكان يحيطونك، وفي ذلك اعترف النائب الأول للرئيس حسن روحاني إسحاق جهانغيري بصراحة غير معهودة من هذا النظام قائلاً: «إن ظاهرة الفساد البغيضة تنخر جسد النظام والبلد». وفي فبراير المنصرم، اعترف وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي بدخول أموال قذرة ناتجة عن بيع المخدرات إلى ساحات السياسة والانتخابات والثقافة والأمن في إيران وهي تمثل سنوياً 20 مليار دولار، ولم تثير تلك التصريحات أى ردة غضب من قبل المسؤولين، ذلك لأن الفساد استشرى في جسد السلطة الحاكمة، حتى بات من السمات المعتادة في المشهد السياسي.
ومؤخراً كشفت مجلة «فوربس» أن علي خامنئي والذي يتدثر بعباءة الدين، يتربع على عرش الملالي الأثرياء في العالم بثروة تقدر بـ95 مليار دولار، وهي ثروة تفوق 30 مرة تلك التي كان يملكها الشاه محمد رضا بهلوي، وبسببه أسقط حكمه.
وتصدر عنوان «الملالي المليونيرات» غلاف «فوربس»، وفي التفاصيل كشفت المجلة أن رافع شعار الزهد وصورة الحياة البسيطة، لا ينتمي إلى الفقراء أو العاطلين عن العمل، بل إنه يمتلك ثروة تتخطى مليارات الدولارات، جناها من احتكار المؤسسات الخيرية وإدارة المزارات الدينية والمرافق الحكومية، واحتكار الاقتصاد الإيراني بالكامل من البنوك إلى الفنادق والشركات، وصولاً إلى محلات البقالة والصيدليات، إلى خارج الحدود وتشمل استثمارات دولية كبرى، كلها تقع تحت قبضته.
ويرجح عدد من المهتمين بالشأن الإيراني تحقيق خامنئي هذه الثروة المهولة في فترة العقوبات الغربية والتي استمرت ما يقارب الـ20 سنة إلى تعاظم قوة الحرس الثوري الذي أنشأها الخميني عام 1981 بعد قيام الثورة الإيرانية بعامين، وتخضع حالياً مباشرة لسلطة خامنئي، والذي استغل تلك العقوبات في تحقيق هذه الثروة على حساب الشعب الإيراني المستضعف، والذي يفاجأ كل يوم أن الفساد هو سيد الموقف في هذا البلد الذي تغلغلت فيه منظومة فاسدة يتحكم في زمامها، ولي الفقيه.
ومن جملة ما اكتشفها أيضاً هذا الشعب المغلوب على أمره، أن حديث ملالي قم عن الازدهار الذي سيحققه الشعب الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي، ما هو إلا هراء أجوف وضحك على الذقون، كشفه واقع أن خامنئي ومنشاره (الحرس الثوري) هو من يحقق الثراء والمزيد من المكاسب المادية على حساب شعب كامل، وأن الحرس الجمهوري والذي أنشئ لحماية الجمهورية الإسلامية أصبح إمبراطورية فساد لها نفوذ سياسي اتسع فسادها بشدة في السنوات العشر الأخيرة.
وتشير تقارير أن الحرس الثوري الذي يدين بالولاء المطلق للمرشد علي خامنئي، والذي قمع احتجاجات الطلبة عام 1999، تلقى مكافأة مجزية من قبل خامنئي، تمثلت في إهدائه أكبر شركة اتصالات مملوكة للحكومة الإيرانية بنحو ثمانية مليارات دولار نظير إخماده للاحتجاجات الداعية للإصلاح في عام 2009 وقمعه لثورة الشعب.
كما تكشفت جوانب أخرى من مسلسل الفساد في إيران، الدور الرئيس الذي لعبه الحرس الجمهوري خلال العقوبات الغربية المفروضة على إيران، فبعد فرض العقوبات على قطاع النفط والقطاع المالي في إيران عام 1995، في محاولة لإجبار طهران على الحد من أنشطة برنامجها النووي، طلب خامنئي من الحرس الثوري تولي الأعمال التي كانت تقوم بها شركات النفط الأوروبية التي اضطرت للانسحاب، وقال رئيس شركة إيرانية للاستشارات النفطية: «كافأتهم الحكومة بعقود ضخمة بالإسناد المباشر، ففازت شركات الواجهة التابعة لهم بمعظم المناقصات».
وتدير شركة خاتم الأنبياء وهي أكبر شركة إعمار في إيران أنشأها الحرس الثوري كغطاء لنشاطاته التجارية، صيانة معظم حقول النفط بعقود حكومية تبلغ مليارات الدولارات، كما تملك عقد إنشاء خط لمترو طهران قيمته 1.2، وخط مد أنابيب الغاز لباكستان بقيمة 1.3 مليار دولار.
ويري مراقبون أن شركة خاتم الأنبياء والتي تصنفها واشنطن على أنها «تنشر أسلحة الدمار الشامل» أسست ما لا يقل عن 812 شركة تابعة له لإدارة شبكات الفساد ونهب أموال الشعب لصالح خامنئي، وتعمل حالياً على الدخول في شراكة مع شركات النفط الغربية التي تريد إيران جذبها لتعاود ممارسة أنشطتها في البلاد، حيث إن القانون الإيراني لا يسمح للشركات الأجنبية بممارسة نشاطها إلا من خلال شريك إيراني.
ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق، لكن مهتمين كشفوا إن الدخل السنوي للحرس الثوري من مجمل أنشطته التجارية يقدر بما بين 10 و12 مليار دولار، ومن المقرر أن تتضاعف بعد رفع العقوبات الغربية.
ويتساءل إيرانيون بنوع من التندر والسخرية، إذا كان خامنئي قائم مقام ولي الفقيه، حقق ثروة تقدر بـ 95 مليار دولار في ظل العقوبات الغربية، فكيف ستكون ثروته بعد رفع العقوبات؟!