يسيطر تنظيم «داعش» الإرهابي الآن على مساحات واسعة من العراق وسوريا، كما تعلن الجماعات التابعة للتنظيم مسؤوليتها عن هجمات وقعت في تونس، ومصر، وليبيا ونيجيريا.
وأصبح تنظيم «داعش» الإرهابي أشد بطشاً وتعقيداً وقوة من المتوقع. وحقق الحراك العسكري نجاحاً محدوداً في صد التنظيم، لذا اقترح البعض سلوك نهج مختلف مع التنظيم، وهو المفاوضات. ويرفض البعض هذه الفكرة بشدة، في حين يرى آخرون أن الوقت قد حان لأخذها في الاعتبار.
بويل: هل حان الوقت للتفاوض؟
جوناثان بويل كان كبير المفاوضين مع أيرلندا الشمالية لصالح الحكومة البريطانية في فترة تولي توني بلير رئاستها. ويقول: «لا يمكن تدمير تنظيم (داعش) بالقصف جواً. ولا يبدو أن أحداً في الغرب جاهز للتدخل البري. لذا، لا توجد خطة عسكرية للقضاء على التنظيم، وهنا تبرز الحاجة لخطة سياسية. وفي رأيي، يقتضي ذلك التفاوض معهم».
وكل الإرهابيين همجيون، والشيء المشترك بينهم هو استخدامهم الإرهاب كسلاح.
ويستخدم تنظيم «داعش» العنف لإثارة الذعر بين من يتصدون له، فيهربون. وهم على علم بأنه إذا قتل أحد عمال الإغاثة، أو الصحافيين الغربيين، فسيحظون بشهرة واسعة. ومن المؤكد أنهم يستخدمون العنف بشكل مفرط، لكن ذلك لا يعني عدم الاستفادة من الخبرات السابقة للتعامل مع الجماعات الإرهابية الأخرى.
وإذا كنت تتعامل مع جماعة لا تستند إلى دعم سياسي، فلا حاجة للمفاوضات لعدم وجود مشكلة سياسية في الأمر. لكن يبدو لي أنه ثمة مشكلة سياسية في سوريا والعراق.
وإذا أمكن اتخاذ خبرة من الصراعات التي مررت بها في الأعوام الثلاثين الأخيرة، فإنه في حال حصول تنظيم «داعش» على دعم سياسي، فسنضطر للتفاوض معهم. وربما يختفون من تلقاء أنفسهم، لكن هناك بعد تاريخي لظهور هذه التنظيمات في مثل هذه الظروف.
وأفترض وجود بعض الدعم السياسي، فوجود التنظيمات الإسلامية المتشددة، كالقاعدة و»داعش»، تظهر وجود مشكلة يجب التعامل معها سياسياً في مرحلة ما، وليس فقط بقوة السلاح».
لكن بويل أشار إلى عاملين، هما عدم توقف القتال، وعدم بدء المحادثات الآن. قد تمهد الطريق بتأسيس حوار رئيسي.
قاسم: رؤية من بغداد
قيس قاسم صحافي يعيش في بغداد. وكان متابعاً، على مدار العام الماضي، لتنظيم «داعش»، ويتحدث إلى من هجروا القرى والبلدات التي فرض التنظيم سيطرته عليها. ويقول: «هم ليسوا جماعة سياسية، بل جماعة إجرامية. إنهم يستخدمون الهجمات الانتحارية والتفجيرات، لا الكلام. وليست لديهم مطالب سياسية.
ولم يعد التنظيم حركة سنية، فهم يدخلون في معارك ضد القبائل السنية. والقتال ضد تنظيم «داعش» ليس جزءاً من الصراع بين السنة والشيعة، وغير قائم على فلسفة طائفية، بل على نظرة لأسلوب حياة يعتقدون بموجبه أن لهم الحق في تحديد من يستحق الحياة، ومن يستحق الموت.
لا أجد أحداً في بغداد على استعداد للتفاوض مع تنظيم «داعش»، أو منحه شرعية. وإذا حدث هذا، فسيعتبره الناس علامة على ضعف قوات الأمن العراقية.
الناس هنا شديدو التفاؤل بخصوص إعادة بناء القوات العراقية. ولا يمكن التفاوض معهم اليوم، ولا في المستقبل لأنهم مجرمون. ولا يمكن التفاوض مع قتلة مثل مقاتلي تنظيم «داعش». ولا يمكن السماح بإفلات مجرم من العقاب».
العريبي: فرِّق وفاوضْ
مينا العريبي مساعدة رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، ومقرها لندن، تقول: «أنا عراقية، وبلدة أبي هي الموصل. لذا، أهتم بالأمر من وجهة نظر شخصية. كما أعتقد أن ما يحدث من قتال في العراق سيؤثر على الشرق الأوسط والعالم العربي.
ولا أعتقد أن ثمة ما يمكن الحديث بشأنه مع قيادات التنظيم، وهم أوضحوا هذا الأمر.
وأعلن عدد من التنظيمات الولاء لتنظيم «داعش»، في بلاد مختلفة كالعراق وسوريا، إما بهدف مكاسب سياسية وإما لشعورهم بالحصار وعدم وجود حل عسكري. وهؤلاء هم من يجب التفاوض معهم.
لقد وقعنا في فخ التعامل مع التنظيم كمجموعة قوية ومتماسكة. وهذه دعاية للتنظيم قام بها من يعارضونه. ومن المهم استغلال هذه الانقسامات والتأثيرات، والقدرة على كسب الناس مرة أخرى.
وما زال قادة من جيش صدام حسين يعيشون في العاصمة الأردنية، عمان، أو في المنطقة الكردية في العراق أو تركيا، وليس حتى في مناطق سيطرة التنظيم. وهم يعيشون في هذه المناطق بلا أي دور. وبعض هؤلاء القادة السابقين لديهم اتصالات، ويمكنهم التواصل مع من يعتمد عليهم.
وينظر بعض العراقيين لمن يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم على أنهم إرهابيون. لذا، من المهم بناء الثقة للتأكيد للسنة على أننا مدركون أنهم ضحايا».
سيمبيل: اللعبة طويلة الأمد
عمل مايكل سيمبيل في إحدى فرق الإغاثة في أفغانستان لمدة 18 عاماً، لصالح الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وكان أحد المشاركين في المحادثات مع قادة طالبان، يقول: «أعتقد أن من يقترح المحادثات في هذا التوقيت يعتبره الفريقان أحمق. لا أعتقد أن تنظيم «داعش» سيرحب بالأمر، وكذلك دول المنطقة والولايات المتحدة.
إلا أن هناك احتياجات إنسانية مهمة، وأعتقد أن الوقت قد حان للبحث بين صفوف التنظيم عمن هو على استعداد للمشاركة في الأمور الإنسانية، وتحسين الأوضاع قليلاً.
ويبدو التنظيم قوياً بما يكفي للظن بأنه سيظل موجوداً لفترة طويلة في المستقبل. وفي اعتقادي، هو منظم بشكل يسمح بوجود من يشارك في حوار، والتواصل لاتفاقات قد يلتزمون بها. ولأنهم في الغالب سيبقون لفترة طويلة في المستقبل، فإن ثمن تجاهلهم يزداد مع الوقت.
ويطل هنا سؤال عما إذا كان الحوار في الشأن الإنساني يضفي شرعية على أطراف الحوار، ومن ثم تقوية موقفهم. ويعتقد الكثيرون الآن أنه يمكن بدء حوار إنساني بدون إضفاء شرعية على أطراف الحوار.
ويوجد وسطاء في المنطقة، ممن تفرض عليهم الأوضاع التعامل في المناطق التي يوجد بها التنظيم. وهم في الغالب القادة الدينيون، وفي بعض الأحيان يكونون من أصحاب الأعمال والتجار. أعتقد أن هؤلاء هم من يمكنهم التدخل قبل الدبلوماسيين بوقت طويل. وأعتقد أن الحوار يجب أن يكون مجدياً فيما يتعلق بأهدافه المباشرة، وليس بغرض أي تطور سياسي. والثقة والعلاقات التي تتطور من هذا الحوار الإنساني قد تساعد مستقبلاً في الوقت المناسب في الحوار السياسي».
«بي بي سي العربية»