كتب - عبالرحمن صالح الدوسري:
يصل بنا د.عيسى أمين في هذه المحطة إلى أدب الرحلات ومذكرات الرحالة من المعتمدين والمقيمين، ويحدثنا عن أولى تلك الرحلات التي بدأها شاب دنماركي يدعى كارستن نيبور في العام 1761 مع بعثة علمية مؤلفة من ستة أشخاص ولم يبق حياً في طريق العودة سواه، كما يلقي الضوء على أقدم الرحلة إلى الرياض قام بها لويس بيلي ومقابلته الإمام فيصل شرح فيها كل ما كان في طريقة من بشر ونبات جماد.

يبدأ د.عيسى أمين تصفح دفتر الرحلات، قائلاً «حاولت في عدة مقالات وأبحاث سابقة في أوراق «دار الاعتماد والمقيمية البريطانية» في بوشهر أن أعطى القارئ فكرة عن الكم الهائل من المدونات والخرائط والرسائل والعرائض والصور السرية منها والعلنية والتي كلها تعطى الإنسان المهتم متعة العودة إلى الماضي والحصول على فكرة شاملة عن هذا الكيان الذي سمي الآن البحرين، وكيفية التكوين والتطوير نحو الحداثة ومسيرة الدوائر الرسمية والمؤسسات الأصلية ونظام الحكومة وأفكار المواطنين وتطلعاتهم نحو الأفضل في كل شيء دائماً، هناك جزء هام من الأرشيف البريطاني لا تعطينا إياه هذه المراسلات سواء المحلية أو إلى حكومة الهند أو حتى حكومة بريطانيا في لندن، إنه أدب الرحلات ومذكرات الرحالة من المعتمدين والمقيمين وضباط الدائرة العسكرية في حكومة الهند البريطانية، ولعله من الجدير إعطاء القارئ فكرة عن هذه القافلة الطويلة من الرحالة الذين كان همهم دائماً اكتشاف العرب والجزيرة العربية، وفي ذلك في اعتقادهم عودة إلى الأصل والجذور التي امتدت منها قبائل العرب لتغطي كل المناطق الشاسعة والتي كانت حضارة الإسلام السمة الغالبة عليها واللغة العربية اللغة الأولى فيها، وهناك الكثيرون من الرجال والنساء الذين أخذهم سحر الشرق، وحب الاكتشاف إلى مسالك صعبة في زمن لم يكن السفر فيه أمن أو ميسر وجاؤوا من كل أوروبا شعراء كتاباً فنانين فلاسفة ومهندسين وعسكريين وحتى جواسيس لدولهم أو لإحدى القوى العظمي المهم أنهم تركوا لنا كماً هائلاً من أدب الرحلات والمدونات التي تصف الجزيرة العربية وبلدان العرب».
وبدأ هذه الرحلات شاباً من الدنمارك « كارستن نيبور» عندما غادر كوبنهاغن في العام 1761 مع بعثة علمية مؤلفة من ستة أشخاص ولم يبق حياً في طريق العودة سواه، الباقون قتلهم التعب والمرض كانوا السويدي بيتر فورسكال عالم نباتات شهير، كرسيتيان كارل كريمر وهو طبيب دنماركي، غيورغ فيلهم رسام ألماني، كريستيان فون هافن دنماركي رئيس البعثة، ورحالة آخر لو دفيع بوكهارت سويسري الجنسية اتفق مع الجمعية الأفريقية في لندن لاكتشاف قلب أفريقيا، ولكن انتهى به المطاف في مكة واسمه الحاجي إبراهيم هذا الحاجي إبراهيم هو الذي اكتشف للعالم الغربي مدينة البتراء ومعبد أبوسمبل، ومنذ بداية رحلته في 1809 وإلى وفاته في القاهرة أكتوبر 1817 ودفنه مسلماً ترك لنا الحاجي إبراهيم كماً كبيراً من المعلومات والمدونات والرسوم.
أوستن هنري
في يونيو 1842 يصل إلى بوابة الموصل «التي كانت تحت الحكم العثماني» ، شاب بريطاني يبلغ الخامسة والعشرين من العمر يدعى أوستن هنري ليارد في الموصل يقابل ليارد القنصل الفرنسي بول أميل بوتا ويتحول الاثنان إلى المكتشفين الأوائل لآثار العراق « الحضارة الأشورية «، وفي ديسمبر 1878 يصل إلى حائل الإنجليزي ويلفردسكاوين بلانط وزوجته الليدي آن بلانط، كلاهما تحدث بالعربية بطلاقة، وكلاهما أحب الخيل والأدب العربي، وكلاهما زار النفوذ، واصدرا معاً في 1878 كتاب «الحج إلى نجد مهد العرق العربي الحقيقي»، وفي عام 1914 وصلت إلى حائل جرترود بل التي تتحدث بالعربية والفارسية وانتهت إلى منصب السكرتيرة للسيد بيرس زكريا كوكس المفوض المدني في بغداد حتى وفاتها في العاصمة العراقية 1926، ومن حبهم لها سماها أهل العراق بالخاتون، وفي عام 1862 يصل إلى حائل غيفورد بالغراف الإنجليزي الجندي الراهب اليسوعي دخل بالغراف إلى حائل والرياضي باسم سليم أبومحمود العيسى ومعه كاهن أرثوذكسي سمى نفسه بركات، وفي يوليو 1853 يصل إلى المدينة المنورة رتشارد بورتون وهو صاحب كتاب الحج إلى مكة والمدينة، في عام 1912 شاب دنماركي آخر يتوجه إلى الكويت بعد عودته إلى الدنمارك في 13 يوليو 1915 لم يحقق أياً من مشاريعه وتوفي فيها، وفي نوفمبر 1876 يرتحل تشارلز دوتي بعد أن تعلم العربية من دمشق في طريقة إلى الحج وكان خليل -الاسم الذي اتخذه دوتي لنفسه- وهو صاحب كتاب «الصحراء العربية والمغامر الأكثر جرأه في تاريخ الرحلات إلى المناطق العربية». لقد اختصرت وبصورة كبيرة في الأسماء والرحلات وأترك للقارئ متعة البحث في أدب الرحلات والرحالة الأوروبيين، وأعود إلى دار الاعتماد وهي موضوع بحثنا وأقدم كتاب رحلة إلى الرياض والتي قام بها المقيم السياسي لويس بيلي من بوشهر.
من هولويس بيلي؟
ولد لويس بيلي في 14 نوفمبر 1825، التحق مثل والده جون هندبيلي بالعمل في الهند، وبينما كان والده في دوائر الخدمات المدنية كان بيلي جندياً لدى شركة الهند الشرقية في السند تحت إدارة الجنرال جون جاكوب أهم جزء في حياته السياسية، كان في الخليج حين عمل في البلاط الفارسي «1859-1861» ومن ثم مقيماً سياسياً في بوشهر «نوفمبر 1862 – أكتوبر 1872»، في 1868 زار البحرين وأبوظبي وقطر وذلك من أجل تأكيد الوجود والمصالح البريطانية في الخليج والالتزام بمعاهدة الأمن البحري لعام 1853م – وهو الذي طلب من القبائل العربية في قطر وأبوظبي من التعهد بالتزام الأمن هذا الالتزام الذي وقعه الشيخ محمد بن ثاني شيخ قطر واعتبر أول إشارة لاستقلال قطر عن البحرين، وكانت هذه المعاهدة المدخل البريطاني للتعامل مع قطر « كياناً مستقلاً «، كان لبيلي الفضل في اتساع الرقعة التي يغطيها خط التلغراف في البصرة وبغداد وإلى كبرى المدن الفارسية شيراز وطهران وبوشهر، وبعدها ومن أجل تغطية الساحل الفارسي امتداد الخط من بندر عباس إلى بندر جزيرة جاسك، لقد كان قريباً من سلطان مسقط وكانت العلاقة تتميز بثقة سلطان مسقط في بيلي وآرائه ونصائحه وخاصة في حل الخلافات مع حكام نجد وحماية حدود مسقط عسكرياً، مثل ما كان سياسياً قديراً فإنه أحب الرحلات واهتم بالعادات والتقاليد والمآثر المحلية، في 1860 سافر إلى أغلب مناطق أفغانستان وسواحل الخليج وعمان وفارس وسيشل وجزر القمر وموزامبيق وزنجبار، وبعد مغادرته الخليج انظم إلى بارثل فريد في كلمته ضد العبودية في شرق أفريقيا وزنجبار، وفي 1873 عين ممثلاً للحاكم العام في راجبوتانا وبعدها على منطقة بارودا، وعندما بلغ الثالثة والخمسين ترك الخدمة في حكومة الهند البريطانية وعاد إلى بريطانيا في 1878 وأصبح عضواً في البرلمان عن منطقة شمال هاكني « 1888 – 1892»، وتوفى في فالموت كورنوال في 22 أبريل 1892.
رحلة الرياض
ويقول د.أمين «أقدم الرحلة في عدة حلقات تدون رحلة بيلي إلى الرياض ومقابلته الإمام فيصل ويشرح فيها كل ما كان في طريقة من بشر ونبات جماد، وتقع هذه المدونات في مجموعة أوراق موجودة في المكتبة البريطانية في أرشيف الخليج».
ويتحدث د.أمين عن تلك الرحلة «في عام 1862 أرسلت حكومة الهند لويس بيلي مقيماً سياسياً في الخليج -بعد خدمة قصيرة في زنجبار- وكيلاً وممثلاً لنفس الحكومة، وبعد استقراره في بوشهر طاف بكل مناطق الخليج ودون عنها ملاحظاته، ولكن تأتي زيارته للرياض بصورة متميزة عن الزيارات الخليجية السابقة، وذلك لأهميتها ودوافعها السياسية آنذاك، لقد حدد الهدف الرئيس لزيارته لأمير الرياض في قوله «إن هدف زيارتي هو إزالة سوء الفهم الناتج عن القوانين الخاصة بشأن تجارة الرقيق ومحاولة منعها في سواحل شرق أفريقيا، والتي فرضت من قبل بريطانيا وتأكيد حسن نوايانا في ذهن صاحب الجلالة الأمير»، ولقد كانت العلاقات الإنجلو – سعودية سيئة للغاية وكان إصرار بريطانيا على محاربة تجارة الرقيق قد أدى إلى تباعد شاسع بينها وبين العالم الإسلامي! لقد كانت نظرة المسلمين للرقيق محددة ومؤمنة بوصايا الرسول العظيم بالرفق وحسن المعاملة ولذا لم يكن ما أتت به بريطانيا بشأن ما اسمه «قرن ونصف من تجارة الرقيق» ينطبق بالفعل على هذا الجزء من العالم وهنا كانت نقطة الخلاف آنذاك، هذا إلى جانب ادعاء الإمام فيصل آنذاك بتبعية السواحل الشرقية لشبه الجزيرة ابتداء من الكويت وحتى رأس الحد مما أعطى له مطلق الحرية في التدخل في الشؤون العمانية وإثارة القلق في نفس سلطان مسقط، وخاصة إذا علمنا أن الأخير كان من الحلفاء الأوائل للإنجليز في الخليج، لم تنس السلطة السعودية آنذاك ما قامت به البحرية الإنجليزية من قصف مدفعي لقلاع الدمام، وإنزال الفرق العسكرية إلى اليابسة في عام 1861 بعد خلاف بين إمام نجد وحاكم البحرين، هذه الأمور كلها مجتمعه كانت عوامل تابعة للهدف السياسي من الزيارة والموضوع الأساسي للمناقشة وعلى النطاق المحلي، ولكن كانت هناك عوامل أخرى ذات نطاق عالمي واهتمام دولي آنذاك أخذت التطلعات الروسية «والمناوئة للإنجليز» الحيز الأكبر منها وخاصة في ما سمي في ما بعد باللعبة الكبرى للسيطرة على آسيا الوسطى – وتأتي التحركات الفرنسية في عهد نابلوين الثالث لتكمل الأجزاء الباقية».
إمبراطورية عربية
ويقول د.أمين «لقد كان عام 1860 عندما أعلن نابليون الثالث عن حلمه في إقامة إمبراطورية عربية تحافظ كل دولة فيها على طبائع وعادات أهلها، ولكن تتبع فرنسا في السياسة والتدبير والإدارة، وتضم مناطق الجزيرة العربية ومصر وأجزاء من أفريقيا، وكان بهذا يحيى حلم نابليون بونابرت، ويثير القلق في دوائر السلطة البريطانية في الهند، لقد نال حلم نابلوين الثالث بعض التشجيع من مسيحي الشرق وخاصة عندما تدخلت فرنسا في عام 1854م لحمايتهم وضمان حقوقهم قبل حرب القرم، وتوج حلمه بإعلان نفسه إمبراطوراً للعرب والفرنسيين في آن واحد « الجزائر 1860»، ونقل الحلم إلى حيز الواقع عندما أنزل قواته للدفاع عن المارونيين في لبنان أثناء معاركهم مع الدروز والمواليين لبريطانيا آنذاك، ولم تكن مصر بعيدة عن آمال نابلوين الثالث فلقد أرسل ابن عم زوجته «فرديناند ديلسبس» لينفذ مشروع قناة السويس فيها، وفي عام 1862 يصل القس اليسوعي ويليام بلجراف إلى الشرق مبعوثاً من قبل نابليون الثالث في مهمة مجهولة قابل خلالها باشا مصر وتنكر بعدها في زي شخصية طبيب مسيحي من سوريا ليكمل سفره إلى الرياض ويقابل الإمام، وبعد سنتين من هذه البعثة يرسل نابليون شخصية أخرى إلى شمال جزيرة العرب «كارلو جورماني – مسؤول البريد الفرنسي في القدس» ليجمع المعلومات المطلوبة عن جبل شمر».
لقد كانت هذه البعثات والتطلعات الفرنسية في منطقة الجزيرة والخليج مصدر قلق للوجود البريطاني والذي كان يراقب بحذر تطوراتها ويحاول الاقتراب أكثر من قلب الجزيرة لمعرفة مداها واحتمالات تحقيقها، ولقد أراد بيلي في رحلته إلى الرياض أن يدرس جغرافية المنطقة وهو يخاطب في هذا رئيس جمعية الجغرافيين الملكية في بريطانيا قائلاً: «إننا نجهل ما بداخل الجزيرة العربية، والمعلومات المتوفرة لدينا أقل بكثير مما كان لدى بطليموس، في الحقيقة يجهل الجميع موقع الرياض»، وعلى المستوى الشخصي أراد بيلي أن يتحدى ويليام بلجراف الذي ادعى لنفسه بأنه الأوروبي الوحيد الذي جازف بالوصول إلى الرياض، وكانت رحلة بيلي إلى الرياض دون دليل أو «تعهد بالأمان» أمراً خطيراً حقاً قام بذكره رحالة آخر «الجنرال سير فريدريك جولدسميد» في حفل تأبين بيلي.
انتهاء الرحلة
ويستطرد د.أمين الحديث، قائلاً «انتهت رحلة بيلي إلى الرياض بخيبة أمل لمرافقيه إذ منعهم من التحدث أو الكتابة عنها مع تصميم كامل بأنه هو فقط ولا أحد غيره سوف ينال الفخر والمديح في تحقيقها، واستمرت فترة خدمة بيلي في الخليج إلى عام 1873 تخللتها أحداث جمة وتصرفات لا عقلانية منه أحياناً، ولكنه وبصورة عامة كان جاداً ونشطاً وقائماً على أمور إمبراطورية الهند في الخليج، لقد كان أمن وسلام الخليج شاغله في أكثر الأحيان وسبيلاً لتطور سكانه مع أن أفكاراً مثل تلك التي قرر فيها «إنشاء مستعمرة بريطانية في مسندم» كانت تثير التساؤل عن حقيقة نواياه، وبعد مغادرته الخليج شغل بيلي عدة مناصب في حكومة الهند كانت تنتهي أغلبها بصراع عنيف مع مرؤوسيه ومساعديه، هذا الصراع وشخصيته الحادة جعلت منه مؤهلاً ليكون حاكماً للكونغو الأمر الذي لم يوافق عليه «كان هذا عرضاً تقدم به الملك ليوبولد ملك بلجيكا في عام 1883م» وفضل أن يكون عضواً في البرلمان البريطاني حتى وفاته في عام 1895م، مشيراً إلي أنه بعث رسالة جاء فيها «الدائرة السياسية من المقدم لويس بيلي «المقيم السياسي لصاحبة الجلالة البريطانية» – الخليج – إلى السيد C.GONE, ESQ سكرتير حكومة الهند، بومبي من المقيمية البريطانية، بوشهر 15 مايو 1866... سيدي إنني أعتذر لتأخري في تقديم تقرير عن رحلتي إلى «الرياض» – في ربيع السنة الماضية، وأود أن أبين أنه وبعد عودتي بعدة أيام تلقيت أوامر صاحب السعادة رئيس المجلس بالتوجه إلى مسقط لمساعدة السلطان هناك والذي كان يعاني من مشاكل آنذاك نتيجة لتدخل في القبائل العربية في بلاده... ومن مسقط توجهت إلى الهند ومنها إلى إنجلترا، وفي يوم عودتي شرفتني الحكومة بأوامر جديدة للتوجه إلى مسقط مرة أخرى لمساعدة السلطان مرة أخرى، حيث قد أوشك إعلاؤه على قذف حكومته «أي حكومة السلطان» في البحر، ومنذ ذلك اليوم وأنا أجد نفسي منغمساً في المهمات وخاصة البحرية منها وعلى السواحل العربية... كما تعلمون إن المرافق الخاص أصيب بوعكة صحية أدت إلى عدم تمكني من الالتزام بمواعيد مراسلاتي لكم، على كل حال لم يكن القصد من توجهي إلى الرياض هو كتابة التقارير لكم بل كان القصد الأساسي هو إقناع أمير الرياض عن أهدافنا ونوايانا تجاه محاربة الرق في الساحل الشرقي لأفريقيا، وإزالة أي سوء فهم من جانبه لنا ولرغبتنا في صداقته من أجل أمن وسلامة الخليج، والسبل التجارية فيه ولاقتناعي الذاتي بأنني قد أديت واجبي في منصب المقيم البريطاني في الخليج».
خرائط ومعلومات
ويستكمل د.أمين عرض تفاصيل رسالة بيلي، موضحاً أنه جاء فيها «وأود أن أعترف بأن هناك إلى جانب الأسباب الرئيسة لزيارتي للرياض أسباباً أخرى وثانوية ولكن لابد من ذكرها... لقد اطلعت على تقرير من الجمعية الملكية في بريطانيا والذي تذكر فيه تلك الجمعية بأنه أصبح من العسير على أي أوروبي الآن التوجه إلى الرياض دون أن يلاقي حتفه، وأنا وبصفتي جندياً إنجليزياً وأتميز بالحذر والمران وقد وجدت لدى نفسي الاستعداد لأن أدخل إلى أي جزء من آسيا في خدمة حكومة الهند وأتحدى القول السابق لتلك الجمعية، وقد ذكر رئيس الجمعية السابقة في مجال حديثه بأننا اليوم أقل معرفة «بهذه المناطق» من أولئك الذين سبقونا إليها منذ سنوات بعيدة.
ولذا أصبح لزاماً علي أن أزور هذه المنطقة لأحدد موقعها وأتعلم وأنا في طريقي إليها الحياة الطبيعية والفطرية التي تتميز بها هذه الأرض وبقدر الإمكان... لقد حالفني الحظ في كل ما ذكرت سابقاً وأصبح التقرير المطلوب مني على ما أعتقد سرداً تفصيلياً عن كيفية تحقيق أهدافي السابقة، علماً بأنني لا أعتقد أن محاولاتي في الوصف والتدوين سوف تكون على مستوى أولئك الذين سبقوني مثل بركهارت، ونيبور، وليارد. على كل حال لا أعتقد أن تأخيري لكتابة التقرير كان من غير منفعة – لأنني وأثناء تواجدي في لندن استطعت من خلال مساعدة السير رودريك ماريشيسون والدكتور هوكر من إضافة التالي التقرير المذكور: أولاً: خريطة تم إعدادها بواسطة السيد أدوارد ويلر «الرسام الجغرافي لجمعية الجغرافيين الملكية» والتي تدل على مسارنا إلى الرياض، ثانياً: تحليل علمي للنماذج الجغرافية والتي قمنا بجمعها أثناء الرحلة، ثالثاً: عرض للحياة الفطرية والتي تنمو في الجزيرة العربية والتي تم تنظيمها في أصولها الطبيعية، رابعاً: بعض الإحصائيات والمعلومات المتفرقة التي قمت بجمعها بنفسي والتي سوف ألحقها بالتقرير المطلوب في شبه إحصائيات، وتحت العناوين التالية:- معلومات عن الطرق المؤدية من الكويت إلى الرياض، معلومات عن الطرق المؤدية إلى الأحساء والعقير، أسماء المحطات وأماكن التوقف على الطريق من الكويت وحتى القطيف، أسماء المحطات وأماكن التوقف على الطريق من الكويت وحتى الأحساء، وأسماء والمسافات الفاصلة لبعض المناطق والمدن في نجد عن العاصمة الرياض، وعدد الرجال المحاربين في كل منطقة أو مدينة، أسماء القبائل البدوية في نجد وإحصاء تقريبي لأعداد أفرادها والمبالغ التي تقدمها كل قبيلة إلى أمير الرياض، في النهاية أتمنى أن تقبل حكومة الهند عذري في التأجير عن تقديم التقرير المطلوب، سوف أقوم الآن بتقديم تقريري المطلوب والذي سوف يحتوى على كل ما شاهدت أو سجلت أو سمعت وأنا في طريقي إلى الرياض لمقابلة أميرها في شهر «فبراير – مارس» من العام الماضي».
أصول الإسلام
ويشير د.أمين إلى أن الرسالة احتوت كذلك على «إنني على يقين بأن صاحب السعادة رئيس المجلس يعلم بأنه ومنذ خمسين عاماً تجمعت القبائل العربية المتنافرة تحت قيادة وهابية واحدة تطالب بالعودة إلى أصول الإسلام وترفض كل بدعة وتدعو إلى التوحيد، إن مؤسس هذه الدعوة هو محمد بن عبدالوهاب والذي ولد في العيني «من وأدى حنيفة» عاصمة سلالة بني عامر والذين امتدت سلطتهم إلى أطراف نجد أو إلى المناطق العلوية من وسط الجزيرة العربية، ولم يبق في يومنا هذا من أسرة «عبدالوهاب» غير ابنه وحفيده بينما أصبح الإمام في نجد مسؤولاً عن رجال الدولة والدين ويذكر اسمهم في الخطبة، ولقد تمكنت السلطة في نجد من توحيد القبائل وتحريكها ضد الأخرى المناوئة لهذه السلطة والتي عادة ما تنتهي بالدخول في حلف القبائل الأولى.. وبهذه الطريقة استطاعنا من السيطرة على قبائل الجزيرة العربية كلها إذا استثنينا اليمن وحضرموت، وبقي هذا الحلف وأكملنا نحن الإنجليز على البقية الباقية منه على سواحل الخليج وفي المحيط الهندي، وبعد تلك الأحداث المذكورة تضاءلت سلطة الرياض وصغرت مناطق نفوذها وعادت سلطة أمير الوهابيين إلى حدود نجد وأصبح هذا الأمير في وضع يحتاج فيه العون، لذا حاول أن يعقد حلفاً أو يوقع اتفاقية مع حكومتنا ولكننا رفضنا محاولته هذه، وبعد انسحاب قوات باشا مصر من الجزيرة العربية قمنا نحن من طرفنا بسحب سفننا الحربية من الخليج، وأصبح المجال فيه واسعاً للخلافات القبلية والتي حاولنا القضاء عليها بالتوقيع على اتفاقيات سابقة وتشكيل أحلاف متصالحة، لقد كانت هذه أيضاً الفترة التي فقدنا فيها السيد سعيد في مسقط وأصبحت عمان مجزأة وضعيفة نتيجة لقرارات التحكيم المتخذة من جانبنا في عام 1861، بعدها عاد الحلف الوهابي للعمل ووجد في شخصية الإمام فيصل المزايا المطلوبة لقائد تلك الفترة الحرجة والأداة القوية لإخضاع البدو وجمع شتات الدولة في صرة قوية يسود ربوعها الأمن والسلام وينال أهلها الرفاهية».
سلطة نجد
ويواصل د.أمين «قام عبدالله بن فيصل بضم الأحساء إلى سلطة نجد، ومرة أخرى عادت السلطة إلى سواحل الخليج وأصبح للسلطة ذاتها امتداد بحري فيه، وأدت سيطرتها على قبائل بني خالد إلى امتداد الساحل التابع لأمير نجد من القطيف وحتى أعالى الخليج، هذا كان الحال في الشرق. أما في الغرب فقد استطاعوا السيطرة على الطرق المؤيدة إلى مكة والتي تخترق مناطق بني قحطان، ونالوا استرضاء الحكومة التركية من خلال دفع الإتاوات لشريف مكة. أما في الشمال فقد توطدت العلاقة مع قبائل شمر وضافر، وذاع صيت هذه السلطة الوهابية وأصبح اسمها وصدى قوتها حديثاً يومياً في الهند، ولقد هول الأمر وأعطى أكثر ما يستحق وادعوا من خلال الموالين لهم على سواحل الخليج وفارس بأن سلطتهم تغطي الآن كل هذه المناطق وحتى مسقط، ولذا أخبرني الأمير فيصل بقناعة منه عند لقائي به بأنه عازم على توحيد ولم شمل مملكته والتي وهبها الله له والتي أطرافها: الكويت شمالاً ورأس الحد وربما أبعد من ذلك جنوباً، وقبل ثلاث سنوات ونصف عندما وصلت إلى الخليج وجدت بأنه إلى جانب مسؤولياتي السياسية كان المطلوب مني أن أكون مراقباً لمعاهدة السلام المعقودة بين زعماء الساحل، وعندما حققت في الأمر وجدت أن هؤلاء الزعماء ليسوا إلا دمى في يد سلطة نجد يدفعون لها الزكاة وتؤثر فيهم بطريقتها الخاصة، وربما كانت مسؤولة بصورة مباشرة عن أعمال القرصنة التي كانوا يباشرونها من الكويت إلى رأس الحد! وفي خليج عمان – المحيط الهندي، ولقد تعلمت أيضاً وأحسست مدى الحقد الذي يحمله لنا العرب وخاصة بعد تحطيمنا لمعاقلهم في شرق أفريقيا عندما نفذنا سياستنا ضد تجارة الرق، وأدركت كيف انتقل هذا الشعور لديهم من شرق أفريقيا إلى داخل نجد التي أثار سلطتها هجومنا الأخير على السواحل التابعة لها.
وانتهى بقطع العلاقات بين أمير نجد والمعتمدية في بوشهر، ولكنني أود أن أذكر هنا بأن الأمير فيصل ابن سعود قد عرف بحزمه وعدالته وسيطرته الكاملة على القبائل ومنعها من الممارسات الخاطئة ومحاولة إقناعها بالتحضر والاستقرار والاهتمام بالزراعة، وما بدا لي أن القليلين هم الذين يحبون الأمير فعلاً ولكن وبلاشك فإن الجميع يحترمونه وإذا ما تحدثوا عنه اختلط الحقد بالاحترام وبصورة معقدة، ولقد كان اعتقادي بأنه لو استطعنا إقامة علاقة مع الأمير فيصل ربما يمكننا ذلك من السيطرة من خلاله على تصرفات عرب الساحل وزعمائهم، وكنت أكاد أكون متأكداً من أن هذه العلاقة سوف يكون لها مردود حضاري، وبناء على ذلك الافتراض تقدمت بطلب إلى الأمير فيصل أطلب منه بكل أدب أن يسمح لي بزيارته في عاصمته إذا ما كان يعتقد من طرفه أن هذه الزيارة سوف تؤدي إلى منفعة الطرفين، ومع ذلك لم يكن رد الأمير على طلبي يدل على أي ود أو صداقة وربما كان ذلك بسبب سوء العلاقة مع المقيم الذي سبقني في هذا المنصب. أحببت أن أؤكد مرة أخرى للأمير فكتبت له كتابي الثاني مؤكداً له بأنه وبرغم شكوكه في نواياي والقصد من زيارته فإني مازلت اعتبره الحاكم العادل للقبائل مع ذلك لم أتلق أي جواب، وبعدها بلغتني أنباء حديث الأمير في مجلسه عن زيارتي المؤملة وعلمت بأنه يعتقد أنني أحمل في رحلتي إليه المساعي الخيرة، ولذا قررت السفر إلى عاصمته في رحلة صداقة لا غير».
تاجر الخيول
ويتطرق د.أمين إلى تفاصيل أخرى بالرسالة، قائلاً إنه جاء بين سطورها «وفي يناير 1865 غادرت فارس إلى الكويت حيث قابلت شيوخها وأبلغتهم عن نيتي في زيارة الرياض متخذاً الاتجاه الجنوب الغربي وإني سوف أعود إلى ساحل الأحساء والعقير أو ربما طرق أخرى إذا ما اضطرتني الظروف إلى ذلك، وأرسلت رسالة من الكويت إلى الأمير فيصل أخبره عن توجهي إلى الرياض وخاصة بعد أن لاقيت التشجيع من رعاياه، وإنني أقصد من هذه الزيارة التعرف عليه وصداقته، أرسلت هذه الرسالة بواسطة البريد السريع وابتدأت دون أي تأخير رحلتي المقصودة، وقد ودعني شيخ الكويت قائلاً «خذ الجمال والله معاك»، ولكن وبعد أن كنت مستعداً لمغادرة الكويت أوقفني اعتراض الشيخ يوسف بن بدر «تاجر الخيول العربية في بومبي» والذي طلب مني هو ومجلس الشيوخ بالتريث حتى تتوفر لي الجمال الجيدة وأحصل على دليل للطريق وأنباء من نجد إن أمكن، وافقت على كل هذه الاقتراحات ونزلت في ضيافة يوسف بن بدر وابتدأت في جمع المعلومات من بعض زعماء ورجال القبائل ومحاولة الحصول على أجوبة أو إيضاحات بشأن الأسئلة والاستفسارات المرسلة لي من الجمعية الملكية للجغرافيا، والتي تركزت على طبيعة الأرض وأحوال الدولة العربية.
ولقد أرسلت الأجوبة إلى الجهات المختصة بتاريخ 14 فبراير 1865، ولقد كانت إقامتي في الكويت فرصة لدراسة الأحداث اليومية والعادات الخاصة، وما تتميز به حياة شيخ عربي هو يوسف بن بدر، ولقد كنت طوال هذه الفترة أتلقى من كرم الضيافة صوراً لا يمكن أن تعادلها ضيافة أي نبيل إنجليزي، ولقد كان الشيخ يوسف بن بدر في الثانية والسبعين من العمر، وقد تزوج 26 مرة ولاتزال أحدى وزوجاته تقيم معه في منزله بينما تقيم الأخريات مع ما نجبن في منازل متفرقة، ولقد لاحظت أثناء أقامتي شدة احترام أبنائه له، وقد خصصوا في نفس الوقت جل وقتهم لي، حتى إنني تمكنت من قضاء أسبوع معهم في إحدى القلاع، حيث قمنا بالصيد بواسطة الصقور وركبنا الخيول العربية الأصيلة، إن القلعة المقصودة هي قلعة الجهرة وهي تقع في الشمال الغربي من خليج الكويت. ويقال إنها قلعة قديمة تناثرت صخورها في المناطق المحيطة لها، في هذه القلعة يجمع يوسف بن بدر خيوله المستوردة من شمر وعنيزه ونجد ويرعاها إلى أن يأتي موسم بيع الخيول فيرسلها في مجموعات إلى الهند «بومبي» عن طريق الكويت، ولقد استطعت الحصول على سلالة الخيول العربية التي يتاجر فيها يوسف بن بدر، وسوف أرفق هذه المعلومات مع التقرير المذكور9. في المساء يستقبل هذا الشيخ في مجلسه الزوار من العرب سواء كانوا من المدينة أو الصحراء ويتجاذب الأحاديث والمواضيع وتتتالي المناقشات».
حياة البداوة
ويقول د.أمين إن الرسالة جاء فيها «إن الشيخ رغم تمسكه بدينه ومذهبه إلا أنه يبدو وكأنه قد قرأ الكتب الأخرى أو لديه إلمام بهذا هذا إلى جانب أنه لا يأول أو ينادر في أحاديثه، فبالنسبة له المعول يسمى معولاً لا غير، وتدور القهوة والشيشة في مجلس الشيخ ويشرب الجميع القهوة، حتى إنني أعتقد الآن نخاع العرب سيكون من القهوة، هذه العادة سوف تؤثر في مزاج الشيخ في الشهر القادم «رمضان» وذلك لامتناعه عن تناولها في النهار، ويدخل البدو والحضر إلى مجلس الشيخ ويفترشون الأرض ممددين سيوفهم أمامهم ويناقشون ويجادلون وفجأة يختفون، يعرض البعض من بدو الصحراء خيولهم للبيع في هذا المجلس مقابل المواد الأساسية واللوازم المنزلية للزوجة والأطفال، ويقول الآخر ‘ن عشيرته قد وصلت منطقة ما وتحتاج إلى الإسناد الغذائي ويأتي الثالث ببعض الدولارات مسدداً ديناً سابقاً توجهه إلى مكة، ولقد جمعت وأنا في هذا المجلس المعلومات عن حياة البداوة وعن الغزوات، وكيف يلتحق الأجانب بالقبائل من أجل حمايتها لهم والقوانين التي يخضع لها هذا اللجوء والذي أعتقد أنه يتكون من أربعين شرطاً، وأحب أن أخبركم بأني سوف أرفق هذا أيضاً مع التقرير، وأود هنا أن أذكر بعض المعلومات عن خليج الكويت، هذا الخليج المقدس والذي وطأته أقدام «البحرينيين». إن كلمة جرين تعني القرن، ولذا أطلق على الكويت سابقاً اسم جرين لأن خليجها يشبه القرن، أما الكويت هي مصغر لكلمة كوت تلك القلعة التي أعتقد قد مضى عليها مائة عام، وفي البداية احتل الشيوخ قلعة أم قصر الواقعة عن خور الزبير وإلى الشمال منه. وبعد استقرارهم هناك مارسوا الأعمال البحرية في مدخل نشط العرب، وبعد هجوم الأتراك العثمانيين ارتحل شيوخ الكويت جنوباً إلى موقع الكويت الحالي واستقروا فيه بعد أن حصنوا بعض المواقع في الداخل خوفاً من هجمات أعراب البادية، وحددوا حدودهم بمسافة 8 – 10 أميال حول موقع الاستقرار وشملوا في ذلك قلعتين أو ثلاث خارج هذا الناطق، وتعتبر الكويت اليوم أحد الموانئ النامية على الخليج، ويملك سكانها سفناً كبيرة تنقل التجارة من وإلى الهند ودول الخليج، ويعرف بحارتها بالمقدرة الملاحية الفائقة، وتستورد الكويت الأرز من شوشتر والبصرة وساحل الملبار، والذرة من الساحل الفارسي، والتمور من البصرة، وخشب بناء السفن من سواحل جنوب الهند، ويتبادل تجار الكويت مع بدو البادية الأصواف والخيول مقابل القهوة والأرز والأشياء الأخرى».
الدخول دون أسلحة
ويضيف د.أمين «يسمح للبدو بدخول الكويت بشرط ترك أسلحتهم عند مدخل بوابتها، حيث يعقد الشيخ والقضاة كل يوم مجلسهم لتلقي الأخبار والفصل في بعض القضايا، يقدم العشاء كل ليلة من قبل شيخ الكويت لغير التابعين له وهم في زيارة للكويت، ويتعامل الناس بعملة ماريا تيريزا والتومان الفارسي وعمله نحاسيه تركية. وتتداول في بعض الأحيان العملات الإنجليزية، ويمكن سحب السندات المالية في البصرة وبوشهر وبومي والرياض، ويتمتع سكان الكويت بما فيهم من اليهود بحرية العبادة والشعائر ولا تفرض أية ضريبة على المواطنين، ولكن يستطيع الميسورون من الناس تقديم هدية للشيخ كل عام ولا تتدخل الحكومة بصورة عامة في أمور الناس وليس هناك داعٍ لذلك، يتميز أهل الكويت بتجارتهم الواسعة وهم أحسن من صنع السفن في الخليج، ورغم حرارة الصيف يعتبر جو الكويت صحياً بصورة عامة والأمراض فيها قليلة، والعلاج فيها قليل عدا الكي بالنار لكل الأمراض، وهناك طريقة أخرى للعلاج أود أن أذكرها لأنني بلغت أن الشيخ يوسف بن بدر أصيب بالكوليرا بعد مغادرتي الكويت وقد شفي منها بعد أن وضع ألف دولار تحت وسادته في الليل ووزعت على هيئة صدقة للفقراء في اليوم التالي، ولقد لاحظت أن فقراء الكويت كانوا يجتمعون قرب بابه كل جمعة وينالون من الصدقة ما يريدون، وقد أثارني هذا الأمر إلى حد أن سألته هل هذه الصدقات سبب قوته في عمره المتقدم، وأما بالنسبة إلى الطعام والشراب فهما كما في كل مكان يتناول التجار من الناس حسب الموضة أما فقرا ء الساحل فإن وجبتهم الرئيسة السمك المجفف والتمر، ويتناول سكان البادية التمر والذرة وحليب النياق. ويعتبر حليب الجمال مصدراً للطاقة المطلوبة وفيه شفاء للعيون وغذاء للمهر ويعتقد أهل البادية أن المهر يحتاج حليب الناقة وهواء الصحراء، وحدثني أحد سكان الكويت قرب الجهرة بأنه ينزل في مخيم في الصحراء في موسم الربيع ، وذلك لتوافر حليب الجمال حيث تأتي الأخيرة لترعى العشب الأخضر، وأكد لي نفس الشخص أن بدانته سببها حليب الناقة، ولكنني اعتقدت أن صاحبي يذهب إلى الصحراء في شهر رمضان حيث يعفيه ذلك من الصيام! يتناول أهل الكويت في المدينة والصحراء الجراد ويعتبرونه غذاء فاخراً. وأذكر أني شاهدت أهل المدينة يهللون لأن الله قد أرسل لهم المطر والجراد معاً، ويمتاز أهل ساحل الكويت بعدم التزمت والتسامح الكامل، فهم يدخنون النارجيلة الفارسية والتي تحتاج إلى التبغ المستورد من لار عن طريق «لنجة»، وفي نفس الوقت يستخدمون الشيشة التركية وتبغها المستورد عن طريق نهر دجلة من الموصل، أو حتى من اليمن عن طريق ميناء مخا. أما عرب البادية منهم يدخنون الغليون «السبيل» وذلك لسهولة حمله، وساد الاعتقاد في الكويت بأنه كانت هناك قناة اصطناعية تنقل مياه الفرات إلى الكويت ومنها إلى القطيف، ولقد بحثت عن آثار هذه القناة ولم أوفق في العثور عليها لغاية الآن، ولكنني أذكر أن في سفرة سابقة في رأس خور الزبير وعلى نقطة تبعد عشرة أميال من البصرة وجدت قناة صغيرة تصل خور الزبير بنهر البصرة، وبالمناسبة أستطيع أن أذكر الآن أن خور عبدالله هو المسار المناسب للسفن التجارية والمتجهة إلى البحرأ وذلك لأن كلاً من عمقه وعرضه مناسبان لذلك. ولقد انتقلت منه في تلك الزيارة إلى خور الزبير ورست سفينتان في رأس الخور، وكان مستوى الماء هناك على عمق قدره أربعة أذرع، ومن رأس خور الزبير يمكن مد خط حديدي إلى البحر المتوسط وعلى مسافة طولها 800 ميل، وأكد لي الأعراب بأنه يوجد هناك خطان حديديان يتوجهان إلى الغرب من الفرات ويخترق أحدهما الصحراء. أما الثاني فإنه يمر بالمدن التي تقع على الطريق». هذه الخطوط تحتاج دراسة في المستقبل.

السبت القادم نتواصل مع د.عيسى أمين في «أدب الرحلات»