لم ترتبط أسعار السوق العقاري الخليجي يوماً بالتوقعات المسبقة من قبل المراقبين والشركات المتخصصة بالشأن العقاري، ولم تسر مسارات السوق الفعلية وفق تمنيات ورغبات القائمين على السوق والمتعاملين والمستخدم النهائي للمنتجات العقارية على اختلافها، وخالفت اتجاهات السوق العقاري الخليجي الكثير من الأحداث والمعطيات المحلية لصالح ارتباطها الإيجابي والسلبي مع الأسواق الخارجية، كما استطاعت في أوقات كثيرة من جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية نتيجة قدرتها على المنافسة وتقديم منتجات على درجة عالية من الفخامة والرفاهية، وتلبية أذواق كافة أنواع الباحثين عن الاستثمار والاستقرار والملاذ الآمن لرؤوس أموالهم.
واللافت حتى اللحظة أن السوق العقاري الخليجي عصي عن التقدير والتقييم الفعلي لأسعار عقاراته وقيمها العادلة في كافة الظروف المالية والاقتصادية المنتعشة والمستقرة والمتراجعة، يأتي ذلك نتيجة الجذب الاستثماري الذي تقوم به القطاعات الاقتصادية الرئيسة وفي مقدمتها قطاع النفط والخدمات وارتفاع عدد القادمين للعمل والاستثمار من الخارج، الأمر الذي يمنح السوق العقاري مؤشرات قوة وقت التراجع ومسارات تذبذب وفقاعات وقت الانتعاش، وعند المستوى الحالي من التطور الذي يسجله السوق العقاري لدى دول المنطقة وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، يمكننا القول بأن القطاع العقاري أصبح من القطاعات التي يعول عليها عند إعداد الخطط والاستراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل وعليه تتم قياس مؤشرات النجاح والفشل للقطاعات الأخرى.
وأشار تقرير شركة المزايا القابضة الأسبوعي إلى أن التنوع الحاصل على المنتجات العقارية التي يتم طرحها في السوق لدى دول المنطقة واختلاف استهدافاتها من وقت لآخر ساهم ويساهم في الحفاظ على مستويات الأسعار عند حدود مرتفعة حتى وإن سجلت انخفاضات بسيطة هنا وهناك خلال الفترة الحالية، فيما انتجت الاستثمارات الخارجية التي ترى في السوق العقاري فرصة فردية لابد من استغلالها والتوسع فيها نظراً لما تحققه الاستثمارات من عوائد كبيرة نظراً لاستمرار مستويات الطلب عند حدود آمنه في ظروف التراجع ومستويات استثنائية في ظروف الانتعاش، يضاف إليها الطلب القادم من المستخدم النهائي والذي يتسم ببعض المرونة وبغض النظر عن الظروف الاقتصادية المحيطة والأسعار السائدة.
ويؤكد تقرير المزايا على أن المنتجات العقارية الفاخرة هي المسبب الرئيس لبقاء أسعار العقارات مرتفعة، يأتي ذلك في الوقت الذي لا يتوفر لدى أسواق المنطقة مؤشرات عقارية تستطيع الفصل بين أسعار البيع والتأجير للعقارات الفاخرة والمتوسطة والعادية، وبالتالي تبقى أسعار البيع والتأجير متصلة بآخر الأسعار المتداولة على الصفقات المنفذة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسعار البيع تختلف عن أسعار التأجير بكونها مفتوحة على الاستثمار الأجنبي، والذي تعكس في ظروف كثيرة عدم انسجامها مع الوقائع المالية والاقتصادية والاجتماعية للدول محل الاستثمار، وبالتالي يؤكد تقرير المزايا على أن المرونة السعرية للمنتجات العقارية تتناسب طردياً مع قوانين الاستثمار الأجنبي والتملك الحر لدى دول المنطقة.
وإذا ما أخذنا إمارة دبي على سبيل المثال كمقياس لمستوى التغير الحاصل على مؤشر أسعار البيع والتأجير خلال النصف الأول من العام الحالي، سنجدها متعارضة ومتداخلة فيما بينها، فأسعار البيع تراجعت تارة وارتفعت تارة أخرى تبعاً لنوع العقار ومصدر الطلب، ولم تتخذ مساراً واضحاً يتناسب وظروف السوق والتطورات المالية والاقتصادية المحيطة، أما على صعيد مؤشر الإيجارات فتشير وقائع السوق إلى أنها مازالت مرتفعة وسجلت زيادات في كثير من المواقع وانخفاضات في مواقع أخرى شهدت طلباً أقل، هذا ولم يسجل السوق كمحصلة نهائية لمجمل الحراك العقاري لدى الإمارة ما يمكننا القول إنه تصحيح على أسعار البيع على الشقق والفلل، فيما يمكننا القول بأن أسعار الإيجارات أخذت اتجاهاً صعودياً خلال نفس الفترة، في المقابل يقول تقرير المزايا إن المؤشر الخاص بعدد الاستعلامات من قبل المشترين يعد مصدراً آخر لمعلومات السوق ووتيرة نشاطه وطبيعة الطلب في كل فترة، وأظهر المؤشر تراجعاً على عدد الاستعلامات من قبل المشترين خلال فترة الصيف، يأتي ذلك انسجاماً مع التباطؤ السنوي الذي يسجله القطاع خلال فترة الصيف وشهر رمضان يضاف إليه مدى رغبة واستعداد المشترين والمستثمرين لتحمل مخاطر إضافية في ظل ظروف اقتصادية وسياسية غير مستقرة وأسواق عقارية متذبذبة على مستوى الطلب والأسعار.
ويؤكد تقرير المزايا أن المؤشر العام لأسعار السوق العقاري لدى دول المنطقة غالباً ما يتأثر بالمواسم وبالتالي لا يمكن أخذ فترة الصيف كمقياس حقيقي لمستوى تراجع أو ارتفاع أسعار العقارات المعروضة، الأمر الذي يرجح أن السوق العقاري مازال متوازناً على مستوى أسعار الشراء، فيما يرجح أن تكون مؤشرات قطاع الإيجارات أكثر استقراراً ونمواً مدعوماً من الحراك السكاني الكبير والذي يدعم بقاء السوق عند مستويات سعرية مرتفعة إذا ما قيست بالتوقعات السابقة التي أخذت أسعار النفط بالاعتبار كأحد المسببات للتراجع، الأمر الذي لم يحصل حتى اللحظة، وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن أسعار العقارات اتسمت بعدم المرونة السعرية تجاه المتغيرات المحيطة سواء كان ذلك نتيجة الطلب المتواصل أو تنوع المنتجات أو عدم رغبة الملاك والشركات العقارية بتخفيض الأسعار، وفي السياق فقد تجاهلت أسعار السوق في دبي تراجع الطلب على العقارات الفاخرة وتراجع أسعار النفط وصرف الدولار الأمريكي، وبقيت نسب الانخفاض على أسعار الإيجارات ما دون 5%، فيما تراوحت نسب الارتفاع على الإيجارات في مواقع أخرى بين 5و10%، تبعاً للمواقع والمساحة والجودة.
وعلى صعيد قطاع العقارات المكتبية فقد أظهر نشاط السوق تسجيل ارتفاعات وصلت لدى كثير من المواقع 5%، هذا وسجلت مؤشرات السوق العقاري لدى إمارة أبوظبي ثباتاً واضحاً عند مستويات مرتفعة نتيجة عدم رغبة الملاك في انخفاضها حيث يسيطر الملاك على حجم المعروض من المنتجات العقارية بشكل كامل.
ولاحظ تقرير المزايا المؤشرات التي أظهرها سوق البيع والتأجير لدى دول المنطقة، ليظهر السوق العقاري القطري ارتفاعاً متواصلاً خلال الفترة الماضية وحتى نهاية النصف الأول من العام الحالي، حيث تصنف أسعار العقارات في قطر أنها الأعلى بين أسواق الدول العربية والأوروبية بنسبة تصل إلى 40%، في المقابل فقد جاءت قطر في المركز العاشر عالمياً على مستوى كلفة السكن حيث تستحوذ تكاليف السكن على نسبة كبيرة من التكاليف المعيشية تصل في أحيان كثيرة إلى ما يزيد عن 50%، ومن شأنه الارتفاع الحاصل على تكاليف أسعار المنتجات العقارية وتكاليف المعيشة، تخفيض الميزة الاستثمارية للعقارات القطرية بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، إضافةً إلى تأثير ذلك على حركة الاستثمارات القطرية والتي ارتفعت خلال الفترة الماضية بسبب القوانين المحفزة للاستثمار لدى الدول الأوروبية وانخفاض سعر اليورو وانخفاض أسعار العقارات، وعلى الرغم من حركة الاستثمارات الخارجية إلا أن السوق القطري يظهر قدرة على النمو والانتعاش على كافة المنتجات العقارية وميزة استثنائية قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات المتنوعة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قطاع البناء والتشييد قد سجل معدل نمو وصل إلى 21% خلال الربع الثاني من العام الحالي، ويأتي ذلك نتيجة الزيادة الحاصلة على قيمة الاستثمارات العقارية المباشرة، ومن المتوقع أن يصاحب هذا النمو ارتفاعاً على قيم وأسعار الإيجارات وارتفاع الطلب على الوحدات السكنية الفاخرة.
وبالنظر إلى معدلات التضخم الشهرية والربعية الصادرة عن الجهات ذات الاختصاص لدى دول المنطقة، لاحظ تقرير المزايا أن مجموعة السكن والمياه والكهرباء قد شهدت ارتفاعات متباينة خلال شهر مايو الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام 2014، لتسجل الإمارات العربية المتحدة نسبة ارتفاع وصلت إلى 9.38%، وبنسبة ارتفاع وصلت إلى 7.7% لدى مملكة البحرين، وبنسبة 6.35% لدى دولة الكويت تلتها المملكة العربية السعودية وبنسبة ارتفاع وصلت إلى 3.1%، فما وصلت نسبة الارتفاع لدى دولة قطر إلى 2.27%، وما نسبته 0.16% لدى سلطنة عمان.
في المقابل فقد أظهر التقرير الصادر عن مركز دبي للإحصاء أن مؤشر التضخم للرقم القياسي لأسعار المستهلك قد ارتفع بنسبة 4.33% خلال النصف الأول من العام 2015، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2014، فيما سجلت مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز نسبة ارتفاع وصلت إلى 7.52% نتيجة الارتفاع المسجل على أسعار الإيجارات بنسبة 9.22%، هذا وترجح مؤشرات السوق القطري ارتفاع معدل التضخم خلال العام الحالي لتصل إلى 2.5 وإلى 3.2% في العام 2016، على خلفية ارتفاع وتضخم أسعار الإيجارات، فيما يتوقع أن يؤدي تزايد عدد السكان إلى رفع معدل التضخم المحلي، هذا وواصلت أسعار إيجارات المساكن ارتفاعها لدى السوق السعودي خلال أبريل من العام الحالي لترتفع بنسبة 4.2%، وتؤكد مؤشرات السوق العقاري لدى دول المنطقة التأثير الكبير الذي تحمله الارتفاعات المسجلة على أسعار البيع والتأجير لدى السوق العقاري على معدل التضخم السائد لدى كل دولة وبكافة الظروف.