كتبت – فاطمة عبدالله خليل:
أفادت بعض التقارير المحلية رصد مراقبين بحرينيين من خلال معلومات أولية، لكلفة العمليات الإرهابية والتخريبية الممنهجة التي تعرضت لها البحرين في السنوات الأخيرة، تزامن ذلك مع إحباط مملكة البحرين لعدد من عمليات تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة القادمة من إيران، وإلقاء القبض على عدد من الخلايا الإرهابية، آخرها الخميس الفائت، والتي سجل عدد من المتورطين فيها اعترافاتهم بدعم إيران وتدريبها وتمويلها لتلك العمليات وكشف معلومات تفصيلية عن كلفة بعض العمليات الإرهابية والتخريبية.
التدخلات الإيرانية في البحرين والخليج العربي
أبدى محللون وسياسيون خليجيون موقفهم من التدخلات الإيرانية في البحرين والخليج العربي، واعتبر د. عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن «إيران تنظر إلى البحرين كونها النقطة الضعيفة في المعادلة الخليجية، وعندما ترغب في إرسال رسائل تخريبية ومزعجة ترسلها عبر البحرين»، مشيراً أنه قبالة ذلك أكدت البحرين دائماً أنها عصية على التحرشات الإيرانية».
فيما أكد د. عبدالله الغيلاني، الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، أنه و»بعيداً عن ردود الأفعال الانفعالية والأحداث الفرعية هنا وهناك، ينبغي أن ننظر إلى المشروع الإيراني في سياقه الاستراتيجي، تلك المقاربة فقط هي التي يمكن أن تنبئنا بحجم ذلك المشروع وأبعاده وتداعياته على الأمن القومي الخليجي، إذ لم يعد خافياً أن ما حدث في إيران عام 1979، لم يكن مجرد إزاحة لنظام الشاه الذي جثم على صدر الشعب الإيراني سنين عدداً، بل كان تحولاً جوهرياً في المرئيات السياسية الإيرانية، وقد حملت الثورة معها نظاماً يتوفر على رؤية استراتيجية وهوية مذهبية وتكييف عقائدي لطبيعة المشروع السياسي الذي ينبغي أن تنجزه الثورة»، ويشير الغيلاني أن هذا «ما يبرر الانصراف عن البناء الداخلي والتنمية المجتمعية، إلى تعزيز التموضع الاستراتيجي للمشروع على المستوى الإقليمي، من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة، منذ أبو الحسن بني صدر، مروراً بمحمد علي رجائي، وهاشمي رافسنجاني، وصولاً إلى محمد خاتمي وأحمدي نجاد، و أخيراً روحاني».
واسترسل الغيلاني: «مضى نحو أربعة عقود على اختبار المشروع الإقليمي الإيراني، وتراكمت خلال هذه الفترة جملة من القرائن تكفي للقطع بوجود أطماع إيرانية في إقليم الخليج، تتجاوز صراع المصالح المعهود بين الدول في المحيط الإقليمي الواحد، إذ يبدو أن المشروع الإيراني بنكهته الطائفية اللاذعة يتكئ في هذه المرحلة على استيعاب الكتلة الشيعية في المنطقة عبر استقطابها وجدانياً وعقائدياً وحقنها بجرعات زائدة من الشعور بالإقصاء والاضطهاد، وتكريس الإحساس بالاغتراب لديها، ثم تعبئتها سياسياً للانخراط في المشروع العقائدي / السياسي الذي تمسك بمفاصله القيادة المركزية في طهران»
واتفق مع ما ذهب إليه د. محمد بن صقر السلمي، خبير في الشؤون الإيرانية، والذي أشار لمشروع إيران السياسي بقوله: «يمكن قراءة التدخلات الإيرانية في إيران على مسارين رئيسين، أحدهما المسار الطائفي الذي تتبناه إيران منذ وصول الملالي إلى السلطة في البلاد بعد ثورة 1979، ومزاعم الدفاع عن الشيعة أو ما تطلق عليه في دستورها «حماية المستضعفين»، أما الثاني فهو المسار القومي الذي يزعم زوراً أن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وفي كلا الحالتين تأتي هذه التدخلات لخدمة مشروع إيران السياسي ومطامعها في بسط الهيمنة على المنطقة، وعليه لا يمكن فصل التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي البحريني عن تلك التي تقوم بها طهران في لبنان والعراق واليمن وغيرها».
وأردف بهذا الشأن د. عبدالهادي العجمي، أستاذ التاريخ بجامعة الكويت، بقوله: «انتهجت إيران سياسة نشر نفس الحالة الإيرانية التي تسبب القلق في كل المنطقة لكي يصبح الوباء الإيراني حالة وليس استثناء، ولكي تبدو على الصعيد الدولي مصدر لنهاية عقدة المنطقة»، مشيراً من جانب آخر إلى الدور المهم والفاعل الذي تلعبه دول الخليج العربي في مجابهة المشروع الإيراني، معبراً عن ذلك بقوله: «يبدو الواقع البحريني مرتبطاً بقضية وجود وليست قضية صراع لمكاسب، وعليه فإن قبح الإجرام الإيراني كامن في تشويه أي حراك شعبي طبيعي للمطالبة بأي إصلاح اجتماعي أو سياسي، وتحويله لطريق عبور يمدهم بمرض الطائفية الوظيفية التي تعمل لهدم الدولة والمجتمع، ولذلك فالدور البحريني للنجاح في رفض الصفة الطائفية للدولة أو لأي حركة إصلاحية».
من جهته عبر الإعلامي والمحلل السياسي البحريني سعيد الحمد عن موقف الشعب البحريني قائلاً: «الشعب البحريني لا يقف موقفاً سلبياً من الشعب الإيراني، ولكنه يسجل أعلى درجات الاحتجاج وربما الغضب من موقف المرشد تحديداً والحكومة وأعضاء مجلس الشورى الإيراني اللذين يصعدون في تدخلاتهم بالبحرين وخصوصاً ما يسمى بالحرس الثوري».
التمويل الإيراني ودعم الإرهاب في البحرين والخليج العربي
وحول الدعم الإيراني السخي للإرهاب في البحرين على وجه التحديد، أشار السلمي إلى أن «التورط الإيراني في العمليات الإرهابية في المنطقة، ومن بينها البحرين، لم يعد تخميناً أو توقعاً أو نتاج نظرة سلبية تجاه إيران بل حقيقة مدعومة بكثير من الشواهد والاعترافات بغض النظر عن الكلفة المادية للنظام الإيراني والحرس الثوري تحديداً»، وهو ما أيّده الحمد مستشهداً بالاعترافات التي قدمها المتورطون بالعمليات الإرهابية الكبيرة، اللاحقون منهم والسابقون، والتي «كشفت دور النظام الإيراني في التخطيط والتمويل والتدريب لمثل هذه الأعمال الإجرامية»، مشيراً إلى أنه لا يجد فائدة من جدل البعض حول سؤال «هل تتدخل إيران أم لا»، فالاعتراف سيد الأدلة، ويكفينا -حسب قوله- أن نذكر بما قاله المرشد خامنئي في خطبة عيد الفطر وما تحدث به أحد أعضاء مجلس الشورى في الفترة الأخيرة حول الترتيب بما أسماه بكفاح مسلح في البحرين، ناهيك عن تصريحات سابقة لمسؤولين إيرانيين كشفت جميعها عن أطماعهم التوسعية في المملكة».
وقد حلل د. عبدالخالق تلك التدخلات بأن «البحرين ودول الخليج تدفع ضريبة الجيرة وتدفع ثمن القرب الجغرافي من الجار الإيراني الصعب»، وإلى أن «دول الخليج العربي أقرب الدول إلى إيران ولذلك فهي من أكثر الدول تأثراً بتقلبات مزاج الجار الإيراني العصب والمتقلب»، وأردف قائلاً: «إن الجيرة الإيرانية صعبة،أحياناً تزداد وأحياناً تقل صعوبة لكنها تظل دوماً صعبة، ومع توقيع الاتفاق النووي أعتقد علينا توقع المزيد من السنوات الصعبة».
وأردف الغيلاني في تحليل موسع أن «السعودية والبحرين والكويت هي الدول الأكثر اصطداماً مع المشروع الإيراني، نظراً لحجم الكتلة الشيعية فيها، غير أن هذا لا يعني أن الدول الأخرى (عمان، قطر، والإمارات) بمنأى عن ارتدادات ذلك المشروع؛ فالمشروع الإيراني يعد مصدر تهديد للأمن القومي الخليجي برمته، والشاهد على ما نذهب إليه هو وصول الأذرع الإيرانية إلى اليمن، رغم أن اليمن بتكوينها الديمغرافي ومعطياتها الجغرافية والاقتصادية والسياسية ليست حالة مغرية ولا تتوفر على عوامل جذب، فإن قيادة المشروع في طهران -رغم استنزافها على الجبهتين العراقية والسورية- لم تكترث لكل تلك المعيقات، بل سارعت إلى تحريض حلفائها الحوثيين ودفعت بهم إلى خيارات لا قبل لهم بها».
واستطرد قوله: «لقد ثبت يقيناً أن السلوك الاستراتيجي الإيراني لا تحكمه الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، والحالة السورية تشي بمستوى الانحدار البراجماتي الذي يمكن أن تصل إليه الخيارات الإيرانية، وبيان ذلك أن إيران تتحين اختلالاً في موازين القوى القائمة لتنجز مزيداً من الاختراق الاستراتيجي في الخواصر الخليجية الضعيفة، وعلى رأسها البحرين». ويعود د. عبدالخالق لبرهنة ذلك بقوله: «لا تقتصر تدخلات إيران على البحرين وحدها؛ فإيران التشدد والتمدد لا تحترم الجيرة عموماً واحتلالها لجزر الإمارات على مدى أكثر من 40 سنة أكبر دليل على ذلك، لكن إيران تعطي الشأن البحريني أولوية حالياً، وأبرز شواهد ذلك الحملة الإعلامية التحريضية ضد البحرين التي تقودها قيادات دينية وسياسية وأمنية إيرانية، هذا السلوك التحريضي المشاهد في المنابر الإيرانية هو استثمار إيراني غير مكلف يصاحبه إصرار على مساندة عمليات إرهابية عن بعد وبالريموت كنترول».
الخروج من عنق التدخلات الإيرانية في المنطقة
وقد قدم المحللون عدداً من التدابير التي من شأنها أن تخرج البحرين والخليج العربي من حالة التهديد الدائم بالإرهاب الإيراني وتبعاته في المنطقة، إذ اقترح السلمي نقل الملف إلى الهيئات والمنظمات الدولية واطلاعها على حقيقة هذه التدخلات الإيرانية، معبراً عن ذلك بقوله: «أعتقد أن بث التلفزيون البحريني لاعترافات المتورطين في عملية سترة الإرهابية خطوة ممتازة ولكن ليست كافية، الأمر أيضاً قد يحتاج إلى تقديم مشروع عربي وخليجي إلى الأمم المتحدة تحديداً للخروج بمواقف دولية في هذا الصدد»، ويؤكد على ضرورة المشاركة الدولية والعربية تحديداً في اتخاذ مواقف جادة لوقف الإرهاب في المنطقة ما تطرق إليه الحمد بأن البحرين قد «بذلت أقصى محاولات ضبط النفس والوصول إلى حل مع هذه التدخلات الخطيرة، دون اللجوء إلى المهاترات أو التصعيد في معالجتها، ولذلك فإن البحرين تتحرك على مستوى مجلس التعاون والجامعة العربية وعلى مستوى المجتمع الدولي لوقف هذه التدخلات، ولكنها تتطلع إلى موقف أكثر حزماً من النظام العربي ومؤسساته تجاه التدخلات الإيرانية في البحرين».
يرى العجمي بهذا الشأن أن هناك جهوداً متعددة مبذولة في الداخل البحريني والخليجي لمواجهة تلك التدخلات السافرة، ولكن «لا يجب أن تنتهي المحاولات للتصالح الاجتماعي، وأن محاولات الإصلاح واحتواء المعارضة تبدو للبعض أنها غير مجدية ولكن الواقع أنها دليل قوة، خاصة في ظل الانتصار الداخلي القوي»، وأكد على أن «الازدهار ونجاح مؤسسات الدولة الخليجية، ورفاهية الفرد الخليجي، شكلت دائماً النموذج المثبت لفشل دولة الملالي، ولذلك فإن المؤسسات الخليجية مطالبة بالعمل باستمرار لنجاح المجتمعات الخليجية في التعامل مع تحديات التحديث».
وهو ما أيده د. عبدالخالق بقوله: إنه «لا يجب على دول الخليج مجاراة إيران في تدخلاتها وفي أفعالها العدائية. فالرد الخليجي العاقل هو تحصين الجبهة الداخلية عبر احترام حقوق المواطن وتحقيق العدالة وتعزيز المشاركة علاوة على ترتيب البيت الخليجي من خلال رفع مستويات التنسيق الأمني والتعاون السياسي والاندماج الاقتصادي وتحقيق هدف الاتحاد الخليجي».
من جهته يرى الغيلاني أن منظومة التعاون الخليجي -بما فيها البحرين- تتعاطى مع المهدد الإيراني بردود الأفعال والانفعالات العارضة التي لا تلبث أن تخبو جذوتها ويذهب ريحها، في حين أن الحراك الإيراني يبدو محكوماً بموجهات استراتيجية، ولذلك قدم جملة من المقاربات التي يمكن للبحرين أن تلجأ إليها، يأتي في مقدمها اقتراح الدفع باتجاه الاتحاد الكونفدرالي الخليجي، ومزيد من الاستيعاب للكتلة الشيعية البحرينية، وخاصة أجزائها الوطنية التي لا تتماهى مع المشروع الطائفي الإيراني، بدمجها في النسيج السياسي وتمكينها اقتصادياً ومجتمعياً على النحو الذي يعكس أوزانها النسبية.
وأضاف: من الضروري «إجراء مزيد من الإصلاحات الدستورية، سعياً إلى تمتين البنية الداخلية، وسداً لمنافذ التحريض والإثارة»، مشيراً إلى أن الجهد الشعبي في التصدي للمشروع الإيراني يبدو ضئيلاً جداً، إن لم يكن مفقوداً، يعني بذلك الرسالة الفكرية التي ينبغي أن تصل إلى المثقف الخليجي، إذ يحسن بالمثقفين البحرينيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية وتلاوينهم السياسية أن يلتقوا على مشروع فكري وطني يرمي إلى تشكيل الوعي وتعبئة الوجدان الخليجي لصالح التصدي للمشروع الإيراني، حسب تعبيره.