تنتاب العالم الهواجس الآن بشأن تداعيات الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية الكبرى، ويتساءل كثير من المراقبين ما هو الموقف إذا ما رفض الكونجرس الأمريكي الاتفاق، وهل سيغرد الرئيس باراك أوباما وحده خارج السرب، أم أنه سيتمكن من إزالة المخاوف من استغلال نظام طهران وتوظيفه للاتفاق سياسياً للاستمرار في سلوكياته وممارساته المستفزة تجاه جيرانه، وبالذات مملكة البحرين التي عانت الأمرين من جراء تدخلاته.
حاول روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الإجابة عن هذه التساؤلات في تحليل له نشر قبل يومين على موقع المعهد، مؤكداً أنه في حال تصويت الكونجرس الأمريكي برفض الاتفاق، خاصة أن كثيراً من المؤشرات ربما تؤدي إلى ذلك، فإنه يمكن أن يحبط النواب الأمريكيون -بمرجعياتهم المختلفة وجماعات الضغط التي تحركهم- الآمال التي يعقدها البعض على الاتفاق لإنهاء سنوات من التوتر في المنطقة والعالم، الأمر الذي سيتيح للبيت الأبيض الوقت الكافي لإعادة دراسة الاتفاق مجدداً، ومن ثم اتخاذ إجراءات أخرى لطمأنة الحلفاء وتبني سياسات وتدابير إضافية، بحيث تضمن المصالح الأمريكية والغربية ولحلفائهم بشكل أفضل.
ويبدو أن ثمة غيوم عديدة سوداء تحيط بالاتفاق، الذي وصفه الكاتب بأنه ليس كذلك، وإنما مجرد تفاهمات اختيارية طوعية تم إبرامها فيما بين الأطراف الثمانية؛ إيران، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكي والاتحاد الأوروبي، موضحاً أن الاصطلاح الفني لذلك هو أنها لا ترقى لمستوى «اتفاقية تنفيذية» لكونها ليست لها أطراف موقعة، وليست لها أية وضعية قانونية، حسبما أكد.
لذلك لم يكن غريباً أن يقرر الكونجرس النظر فيما يشبه هذا الاتفاق، الذي يعتبر بمثابة مسودة قانون، حيث يحق لمجلس الشيوخ الإدلاء بالنصح والموافقة عليه من عدمه، وذلك بناء على تشريع ينظم هذه الوضعية، ويعرف بشكل غير رسمي بتشريع «كروكر ـ كاردان»، ومن ثم فإنه بعد التوقيع على هذا التشريع أو مسودة القانون من قبل الرئيس أوباما سيصبح قانوناً يتيح للمجلسين التشريعيين، النواب والشيوخ، التصويت عليه إما بالموافقة أو بالرفض.
ورغم أن من حق الرئيس الأمريكي الاعتراض عن طريق ممارسة (حق الفيتو) على قرار الكونجرس إذا ما رفض الاتفاق، فإن أوباما سيواجه معضلة إضافية، ويتعين عليه وقتها الحصول على أغلبية الثلثين من أعضاء المجلسين التشريعيين لإبطال فيتو الرئيس مع التأكيد على أن دعم الكونجرس لـ «الاتفاق» سيكون أقل بالمقارنة بـ «المعاهدة»، بمعنى أنه سيحتاج تصويت ثلث الأعضاء في الكونجرس ضد قرار الرفض وحتى يعتبر «الاتفاق» مجازا، في حين أن «المعاهدات» تتطلب دعم ثلثي الأعضاء في مجلس الشيوخ.
ومع أن احتمالية رفض الاتفاق داخل الكونجرس لم تتأكد بعد، لكنها ستقيد من صلاحيات الرئيس أوباما في تطبيق مبادئ الاتفاق، سيما منها ما يتعلق بصلاحياته هو شخصياً في رفع العقوبات المفروضة على ايران، والتي تتوقف بدورها على مدى التزام طهران بتنفيذ المسؤوليات المترتبة عليها بموجب الصفقة، وهو أمر مشكوك فيه بالنسبة لبعض المحللين، مثلما يوضح الكاتب.
وتشمل هذه المسؤوليات المطلوبة من إيران قبل تنفيذ بنود الاتفاق ورفع العقوبات: استيفاء متطلبات الوكالة الذرية حول مسألة (الأبعاد العسكرية الممكنة) وتعطيل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي وتقليص المخزون الضخم لليورانيوم العالي التخصيب ليصبح 300 كيلوجرام وتفكيك مفاعل أراك الذري، وهي أمور تأخذ ما يتراوح بين ستة وتسعة أشهر قبل أن تتأكد منها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولا شك أنه خلال فترة التأكد من الالتزام الإيراني بمسؤولياتها تلك، سيكون الرئيس الأمريكي مكبل اليدين في ملف رفع العقوبات عن إيران، خاصة إذا لم تستوف المطلوب منها برقابة فاعلة من الوكالة الذرية المختصة، الأمر الذي قد يزيد من احتمالية الرفض، ومن ثم إفشال الصفقة.
ويؤكد الكاتب أن إيران ستعمل جاهدة على استيفاء المتطلبات الأساسية لتكسب رفع العقوبات الأممية والأوروبية عليها والحصول على شهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي يعني أنها ربما تحد من شططها وسياساتها المستفزة حتى تضمن رفع العقوبات عنها، ما يؤكد أنه سيظل للعقوبات بعض التأثير اللاذع على إيران وسلوكياتها الخارجية. ويبدو مهما هنا الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي بمقدوره تحسين الصفقة مع طهران إذا ما جابه معارضة عليها داخل الكونجرس، ويمكن له ذلك إما بشكل مباشر من خلال إعادة فتح المفاوضات مع الأطراف الأخرى، أو بشكل غير مباشر من خلال التصرفات الأحادية أو المتعددة الأطراف مع حلفاء الولايات المتحدة، وفي أي منعطف يمكن للرئيس أن يرجع إلى الكونجرس ووضع صيغة للمراجعة والسعي للحصول على موافقته. ومن بين التصرفات الأحادية التي يمكن أن تتبناها الإدارة الأمريكية لتحسين الصفقة من أجل الحصول على رضا الكونجرس، مثلما يبرز الكاتب، وهي أساليب استرضائية للنواب والشيوخ، وردعية بالنسبة لإيران، وذلك من قبيل؛ اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع ايران من تكديس اليورانيوم المخصب بعد رفع القيود المفروضة على التخصيب بعد خمس عشرة سنة من الدخول في الاتفاقية، والتنسيق مع الجانب الأوروبي بشأن ايران، وربط العقوبات بالتجاوزات الإيرانية.
بمعنى آخر؛ فإن الإدارة الأمريكية بمقدورها تبني وتنفيذ استراتيجية لردع السلوك العدواني الإيراني الذي يزعج حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وخلق الانطباع بأن الولايات المتحدة لن تتراجع عن حماية أمن الإقليم، علما بأن التصويت بالرفض هو الطريقة الوحيدة التي يسمح بها النظام الأمريكي لأعضاء منتخبين التعبير عن رفضهم للاتفاقية وإجبارالإدارة على أخذ وجهات نظرهم في الحسبان.