ما زالت المخاوف قائمة بشأن تداعيات الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، سيما فيما يتعلق منها بقدرة النظام هناك على إنتاج أسلحة نووية يستطيع من خلالها تهديد أمن واستقرار المنطقة والعالم.
وفي هذا الشأن، استضاف مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أيام أحد أكبر الخبراء والمحللين السياسيين في الشأن الخليجي لبيان رؤيته حول تداعيات هذا الاتفاق، حيث ناقش كينيث بولاك، الباحث في مركز بروكنجز، خطة العمل الشاملة المشتركة مع ايران «الاتفاق النووي الأخير»، وبالأخص تداعياتها الإقليمية، وقدم شهادته أمام أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مؤكدا أنه ليس متحمساً لها، لأنها اتفاقية ليست كاملة في أفضل أحوالها.
وبالرغم من ذلك، يعتقد الخبير الأمني المتخصص الذي عمل سابقاً مديراً لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي الأمريكي، أنه كان لا بد من التوصل لهذه الاتفاقية في ظل المعطيات التي تم التعاطي بها مع إيران قبل عامين، مبدياً قلقه بشكل خاص حيال مفعول القيود الأكثر تشديداً على برنامج إيران النووي التي ستنتهي بعد 10 ـ 15 سنة.
وذكر بولاك الذي قضى سبع سنوات كاملة كمحلل عسكري في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنه ليس من المعقول الاعتقاد بأن إيران ستكون دولة مختلفة جداً في غضون العقد ونيف القادمين، أو ربما تنشأ لديها الأسباب لعدم استئناف تطوير برنامجها للأسلحة النووية في أي وقت، ومن ثم فمن المحتمل أن يواجه العالم مجددا نفس إيران القديمة التي نواجهها الآن.
وبيِّن المتخصص في الأمن القومي الأمريكي أنه سيكون من الخطأ أن يتجاوز الكونجرس الفيتو الرئاسي ومنع الولايات المتحدة من الالتزام بالاتفاقية، وذلك في ظل موجة الرفض التي يبديها بعض النواب، والتي يتوقع أن تجابه بفيتو من الرئيس أوباما، وذلك لأكثر من سبب، مثلما يوضح الخبير في شهادته، منها؛ أن الاتفاقية ليست ضارة بشكل كارثي، ومن ثم يمكن السيطرة على برنامج إيران النووي خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، كما سيكون البرنامج الإيراني محدوداً للغاية، وسيكون من الصعب على طهران ممارسة الخداع، وستكسب الإدارة الأمريكية العديد من الانتصارات لضمان وصول المفتشين إلى كل المرافق التي يريدون تفتيشها، كما ستحتفظ الولايات المتحدة في نهاية المطاف بالتلويح بفرض العقوبات الأممية من خلال التعاون مع الحلفاء الأوروبيين.
ومع ذلك، يعتبر المحلل الاستراتيجي أن القبول بالصفقة ليس أفضل حالاً للولايات المتحدة من عدة بدائل كان يمكن تبنيها لتحقيق السيطرة الكاملة على التطلعات الإيرانية، مشيراً إلى أن إيقاف إيران عن الحصول على الأسلحة العسكرية النووية من المحتمل أن يتطلب حرباً كبرى، أو غزواً أمريكياً شاملاً، أو احتلالاً لإيران، خاصة عقب انتهاء الـ 15 عاماً القادمة، ويبقى السؤال أو الرهان؛ هل ستكون إيران أكثر حنكة وذكاء وذات ميول أفضل نحونا وتجاه حلفائنا، أم ستكون أكثر عقلانية حيال الحصول على السلاح النووي من حيث قيمة العائدات من التكلفة وكيف ستتعامل الولايات المتحددة مع إيران خلال تلك السنوات الخمس عشرة؟
يتساءل بولاك مجدداً؛ هل سيكون بإمكان الولايات المتحدة تشكيل الأوضاع بالطريقة التي تظهر إيران بشكل أفضل خلال السنوات الخمس عشرة القادمة؟ ويجيب على ذلك بالقول إن إيران لن تسحب قرونها، والتخلي عن أطماعها الإقليمية في المنطقة، مدللاً على ذلك بتصريحات خامنئي المتعددة، والتي ترجح أن طهران لن تصبح أكثر تعاوناً، بل ربما ستصبح أكثر مواجهة وعدوانية كلما سعت لإظهار شعاراتها الثورية واختبار نوايا الولايات المتحدة.
وأبدى الخبير الاستراتيجي خشيته من أن يُستغل الاتفاق مع إيران لتبرير المزيد من فك الارتباط الأمريكي عن المنطقة، كون الإدارة الأمريكية المثقلة من الحرب والزاهدة في الشرق الأوسط ستزعم أنها نجحت في إزالة أكبر تهديد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وهو إيران، ومن ثم ستبرر لنفسها قرارها بمزيد من التخلي عن أمن المنطقة وحمايتها بشكل أكثر مما سبق.
كما أن الاتفاق، وفي حال إقراره دون مشكلات، سيبرر تشكيل «محور آسيوي» آخر، والذي في أفضل الأحوال كما يراه بولاك، لن يكون أكثر من مجرد عذر لبلاده للتمحور بعيداً عن الشرق الأوسط، الأمر الذي يترتب عليه نتائج كارثية واضحة في العراق وفي أماكن أخرى.
ويوضح أن الأسئلة الحقيقية لا تثار بشأن الانتشار النووي الإقليمي، وإنما حول الاضطرابات المدنية والحروب بالوكالة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط حالياً، والدور المحتمل للولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي، وهي القضايا التي ستحدد إلى أين ستؤدي الصفقة النووية مع ايران، هل إلى المزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط أم إلى العكس، وهل ستكون في نهاية المطاف لها فوائد أو أضرار على الأمن القومي الأمريكي.
يشدد بولاك على تصريحات خامنئي الأخيرة، والتي تعكس في غالبيتها قناعته بأن الاتفاق النووي مجرد صفقة بالنسبة له هدفها تخفيف العقوبات والقيود المفروضة على برنامج بلاده النووي، لا أكثر ولا أقل. كما أنه من غير المرجح أن تتغير كثيراً المصالح الإيرانية ناحية جيرانها، ومنها العراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية على الأقل على المدى القريب، خاصة بالنظر للمكتسبات التي حققتها وأذرعها الطائفية في تلك البلدان.
وحول البحرين، رأى بولاك أن «طهران تعتقد أنها تحسن صنعاً في المملكة»، في إشارة لتدخلاتها، كما تراها «حلبة أخرى لشعاراتها الثورية»، الأمر الذي يعني أنها ستواصل نفس السياسة الاستراتيجية في الإقليم بعد الاتفاقية النووية تماماً مثلما فعلت خلال السنوات الثلاثين الماضية. وهذه الاستراتيجية معادية للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بعدة طرق. والأخطر هو أن ايران ستفسر السلوك الأمريكي بعد الاتفاقية النووية بمثابة فك ارتباط أمريكي نحو حلفائها في المنطقة، وفي تلك الحالة ستصبح الأهداف الإيرانية توسعية بشكل أكبر وعدوانية أكثر،لأنها ستظن أن الولايات المتحدة ستكون غير راغبة (أو غير قادرة) على منع التحركات الإيرانية.