في غرفة الطبيب رقم 1: أبو فلان، هذه المواقف دائماً ما تصعب علينا مع كل الخبرة التي نملك، أنا آسف لإبلاغك بأنك مصاب بالسرطان، والسرطان عندك قد بلغ مرحلة متقدمة والعلاج لن يكون ذا فائدة في هذا الوقت، تبقت لك 6 شهور......وفي الغرفة المجاورة.. تحبس دمعتها بكل جهد لتسأله: بالله عليك يا دكتور.. سأموت؟ فيجيبها: أتعرفين، من عنده مثل هذا الورم سيموت، نعم.. لأنه مصيرنا كلنا، ولكنه قد يموت من حادث سير أو سكتة قلبية أو أو ...إلخ.
فمن المهارات الأساسية المطلوبة من الطبيب، وبالأخص طبيب الأورام، الأمانة وهي مطلوبة دائماً في التعامل مع المرضى، وكذا التواصل الفعال وذكر أدق التفاصيل للمريض، ...إن عماد الأمانة الواقعية تكمن في التحدث مع المريض، دون أن نمده بتفاؤل يعميه عن الحقيقة أو إحباط يمنعه من إبصار الأمل.
الكثير من المرضى إن لم يكن أغلبهم، ممن يقعون تحت التسمية المؤسفة «حالات ميئوس منها» قد يودون فعلاً معرفة الزمن المتبقي لهم قبل الوفاة، وهو أمر يقدره الطبيب من واقع خبرته والأبحاث المتوفرة، بل وإن الباحثين قد عملوا ومايزالون على وضع أنظمة لأنواع السرطانات المختلفة لتمكنهم من تحديد الزمن المتبقي للمريض لكل نوع من السرطان لتكون مرجعاً دقيقاً للأطباء لتقييم الحالات لديهم. ولكن لنقف قليلاً عند قوله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون)، فهل أوكلت إلينا مهمة ملك الموت؟ ألا ينقص هذا من التوكل الحق على الله؟
مثل هذه الأرقام ليست مشكلة بحد ذاتها. فإنما وجدت هذه الأرقام والإحصائيات لتقييم جودة الخدمة والرعاية الصحية ومن حق المريض أن يعرفها، ولكن المشكلة تكمن في تعلق المريض بها وفي معاملة الطبيب لمريضه استناداً على هذه الأرقام. فلا ننسى أن المريض يثق في كلمات طبيبه وقد يذهب البعض من فرط ثقته إلى الإيمان بها. لم علينا أن نعامل المرضى كأرقام أو حالات مكتوبة في الملفات؟ هل علينا أن نلتزم بكل ما نستورد من علم وكل ما نحفظ من رقم؟ وبالأخص إذا كان ذلك سيؤثر على جودة الرعاية الصحية التي نقدمها له، متعذرين بأن هذا المريض مصيره الموت وبحجة ندرة الموارد ومحدوديتها متناسين بأنه إنسان وأن لكل مريض متسع. قد يرى الطبيب في يومه مئات المرضى ولكن هذا المريض الذي هو أحد مرضاه إنما هو لابنه أو ابنته أو زوجته: كل شيء.
يقول صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل معه دواءً، علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام، قيل يا رسول الله: وما السام؟ قال: الموت، وفي رواية: الهرم. وهو قول أؤمن به حد اليقين، كيف لا؟ وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟ أعود إلى قوله وقد ذكرت الهرم أي الشيخوخة، فكثير من العلماء يعرفونها على أنها مجموعة من التغيرات في جسم الإنسان والتي يتعذر عكسها وبالتالي ستؤدي إلى الموت فهذا ما أثبتته الأبحاث، وبالفعل هذا مصداق لقوله. إذاً بقيت الكثير من الأمراض والأسقام التي تنتظر من يوجد لها علاجاً، وهذا يتم بالبحث العلمي والذي فيه نحن مقصرون ومتأخرون، وقبل أن نحاول أن نجد العلاج ونبحث عنه علينا أن نهدم حاجزاً يقف أمامنا في علاج الكثير من الأمراض وفي مقدمتها السرطان: فهم سلوك المرض وتعقيده، فالإنسان عدو ما يجهل. فالدواء موجود.. ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب ونخلص النية لله في العمل حتى نكافأ باكتشافه.
وأنت يا من ابتليت بهذا المرض أو أي مرض، لا تنسى أن لك رباً هو أقرب إليك من وريدك، كم يحب أن تقبل عليه، وقد يبعد عنك حاجة لتعود إليه وتلح في دعائك، وهو الذي يقول: (ادعوني أستجب لكم) ويقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان). انس كل شيء وأقبل عليه ويكفيك أن تتذكر قوله: (وإذا مرضت فهو يشفين)، (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت إن الله عليم خبير).
روان عبدالرحمن الهرمي