بيلي اعتقد أن الجمال ستحميه
من السطو البدوي في الصحراء
الأمير ومن حوله رفضوا رغبتي
في شراء الخيل العربية
اخترت رفاقي في الرحلة
وأبرزهم طبيبي الخاص كولوفيل
خيمتنا من الخيش وغذاؤنا
من الشوربة المقننة واللحوم والتمر
حملنا الساعة الميقاتية على ظهر
الجمال لمسافة 900 ميل
قبل البدء بالرحلة أرسلت القبطان
وارنر إلى البحرين لتخطيط الساحل
غادرنا نقطة تجمعنا وانعطفنا للجنوب الشرقي في اتجاه قلعة «المالح»
الوازع الديني وراء نهوض مرافقي القافلة المبكر كل صباح
أهل القطيف عرفوا «العدان» بطريق يمتد من بحر الكويت لرأس تنورة
البدو كانوا يسمون المناطق تبعاً للشكل السطحي لرمال المنطقة
جاءني البدو بمهر للبيع «عبيان»
وعنزة هدية لي فأعطيتهم دولارين
كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
نتواصل مع د.عيسى أمين ليفتح خزانة أدب الرحلات، ويكشف لنا عن تفاصيل مثيرة في مدونات وخرائط ورسائل وصور سرية.. وفي هذه الرحلة يواصل بيلي الحديث عن تفاصيل رحلة الرياض ويكشف عن الكثير من الأسرار التي دعته للقيام بهذه الرحلة، وفي دار الاعتماد نواصل الحديث في زيارة لويس بيلي المقيم السياسي في بوشهر « 1862 - 1873 « إلى الرياض وحدد أسباب الزيارة بقوله «إن هدف زيارتي هو إزالة سوء الفهم الناتج عن القوانين الخاصة بشأن تجارة الرقيق، ومحاولة منعها في سواحل شرق أفريقيا، والتي فرضت من بريطانيا وتأكيد حسن نوايانا في ذهن صاحب الجلالة الأمير».
العودة للكويت
يقول د.عيسى أمين، تتواصل رحلة بيلي وحديثه عنها بعد عدة أسابيع من بقائي بالكويت، يقول بيلي وصل أحد الرجال من طرف إمام نجد وبدا لي الرجل النجدي بأنه رجل مهم، وكان في طريقه إلى بغداد، وأحضر معه ثلاثة جمال تحمل علامات خاصة بالأمير فيصل، وأخبرني بأن المطلوب منه بأن ينجز ثلاث مهمات، وكل ما أنجز واحدة أرسل جملاً واحداً إلى الرياض، مما يدل على إنجازه لهذه المهمة، ولقد بقي الرجل يوماً أو يومين وأخبرني خلالهما عن العاصمة «الرياض»، وكيف كان رد الفعل في مجلس الأمير «لطلبي الأول» ورغبتي في زيارته، وأضاف قائلاً إن الأمير وكل من حوله رفضوا رغبتي في شراء الخيل العربية، وعلق الأمير ضاحكاً بالموافقة وبقي رجال الدين والأمراء الباقين مصرين على رأيهم السابق، وعرضت على الرجل أن يلغي سفره إلى بغداد وأن يرافقني إلى الرياض، لكنه وبعد مشاورات مع مرافقيه في الصباح التالي قال ربما يكون إلغاء سفره لبغداد ومرافقتي للرياض يؤدي لقتله على يد الأمير خاصة إذا لم ينفذ المهمة المطلوبة منه، لكنه عرض على أن آخذ الجمال الثلاثة معي حيث إنها ستحميني من سطو البدو أو اعتراض طريقي إلى الرياض، وبعد مشاورات عدة بيننا ترددت في قبول العرض، ذلك لأن مثل الاتفاق لم يضع في الحسبان موت الجمل أو عدم تمكن البدو من قراءة علامة الأمير فيصل، وقد عاد رسولي مؤخراً لفيصل حاملاً معه الموافقة، لكن دون دليل أو حتى ممثل عنه، ومع تقدمنا في الفصل أحببت ألا أتأخر كثيراً عن رحلتي المزعومة، خاصة بعد أن جمعت المعلومات الكافية عن طبيعة الأرض التي سأدخلها.
مقابلة شيخ الكويت
ويضيف د.أمين، يواصل بيلي «في الرابع من فبراير 1865 قابلت شيخ الكويت، وأبديت رغبتي للسفر إلى الرياض دون تأخير، وتم جمع الجمال الخاصة برحلتي، وكان عددها بين 27 أو 30 جملاً، ولا أذكر أي منها كان صالحاً للرحلة واخترت رفاقي في الرحلة وكان اختياري للملازم دوس «Ltd awes» - ضابط بحري وملحق بالمقيمية - لعلمه بالاهتداء بواسطة النجوم، وكان طبيبي الخاص السيد كولوفيل «Mr colvill» مسؤولاً عن الحالة الصحية لكل المرافقين إلى جانب مهمة جمع المعلومات عن الحياة الفطرية في الرياض، دون أن يثير أية شكوك، ربما تسبب بعض المتاعب، وكان الترجمان جورج لوكاس « George Lucas» والذي كان متمكناً من اللغة العربية، واثنان من الخدم المسلمين من شمال غربي الهند، ومراسل من كلكتا، وخادم فارسي وطباخ برتغالي، وأمرت الجميع لبس العباءة على ثيابهم تحاشياً للسرقة أو المضايقات.
التوجه إلى الرياض
ويضيف د.أمين، يقص بيلي في السابع من فبراير تحركت والفريق المرافق لي للرياض بعد توقف بسيط للتأكد من اكتمال الاستعدادات خارج الكويت، وفي تلك اللحظات راودني شعور داخلي يسخر منا جميعاً، واعتقدت لو أننا فريق مرافق لفالستاف « Falstaff « لمنعنا من المضي معه إلى كوفنتري « Coventry « لقد كانت خيمتنا من الخيش وغذاؤنا من الشوربة المقننة واللحوم إلى جانب التمر والأرز، ولولا كل هذه الأشياء لأصبحنا من الهالكين، ولم أنس أن آخذ معي ثلاثة آلاف دولار وصناديق صغيرة من الهدايا، وقد وضعنا الساعة الميقاتية وجهاز قياس خطوط العرض والمسافات في صناديقها بكل عناية ورفق وقمت بحملها معي في حقيبتي الخاصة، وكانت الساعة الميقاتية من صناعة جون بول فينجريج أستريت، وقد تم حملها على ظهر الجمال لمسافة 900 - 800 ميل في أراض غير مستوية، لكننا قمنا بضبطها بدقة قبل رحيلنا، وعند عودتنا وجد الملازم وآرنر والسيد دوس بأنها قد تخطت النقطة المطلوبة بستة أميال ونصف.
في الجهة الشرقية منها وقبل البدء بالرحلة أرسلت القبطان وارند - قائد سفينة المقيمية - إلى البحرين، وطلبت منه تخطيط الساحل النجدي وإعطائه الدرجات المطلوبة من هناك، وفي نفس الوقت كان المطلوب منه الاتصال بين فترة وأخرى بميناء العقير ليتابع أخبار تحركاتنا، وأن يكون بذلك على استعداد لمقابلتنا حين العودة من الرياض، وأرسل نسخة من تقريره، والذي يبدو فيه أنه استطاع توقع عودتنا بفارق يوم واحد فقط.
قلعة «المالح»
ويستطرد د.أمين قائلاً، يواصل بيلي «سأستخدم كراس مذكراتي لوصف التطور اليومي لمسيرتنا على أن أعطي وصف طبيعة الأرض التي نقطعها حقها في الوصف، ففي الثامن عشر من فبراير غادرنا نقطة تجمعنا خارج سور الكويت وتوجهنا لمدة ساعة واحدة في اتجاه الشرق، وانعطفنا بعد ذلك للجنوب الشرقي في اتجاه قلعة «المالح» التي كانت تقع خمس ساعات من الكويت، وسرنا على أثر الجمال في الطريق من المدينة حتى القلعة، والتي وجدنا حولها بعض الآبار وعدداً صغيراً من الأشجار وبيوت السعف وكانت نهاية الطريق المذكور، واتسمت الأرض بعد ذلك بالصحراوية والتي كانت تمتد إلى الأفق وكأنها أمواج متعاقبة من الرمال، واستطعنا أن نقطع منذ الساعات الأولى من سيرنا من القلعة أرض تغطيها الأعشاب التي حصدها الجراد تتلوها بقع أخرى يغطيها هشيم الشجر الذي يميل للخضرة مع بداية الربيع، وعند المساء توقفنا على بعد ساعة ونصف من موقع قلعة المالح، وفي مواجهة الأراضي النجدية وقرب تلة تسمى «الوره» وفي اتجاه الجنوب والغرب، وقد قمنا هناك بجمع بعض الماء المتجمع من مياه الأمطار في الليلة السابقة لوصولنا.
الوازع الديني
ويقول د.أمين، إن بيلي يذكر «في صباح اليوم التاسع عشر استيقاظ الجميع ومع بزوغ الفجر على صوت رئيس القافلة وهو يؤذن داعياً للصلاة، وبما أن هذا أول يوم لنا في رحلتنا دون إزعاج أو مشاكل تذكر، فإني أود أن أذكر أنه كان مثل كل يوم يبدأ في خيمتنا وحزم أمتعتنا والمضي في الطريق مع صعود الشمس، وكان شهر رمضان وقام كل المرافقين لنا بالصيام ملتزمين بما يمليه عليهم دينهم، ومع شدة هؤلاء الرجال فإنهم لم يكونوا محبين للبرد، وكان الوازع الديني وحده سبباً في نهوضهم المبكر كل صباح رغم برودة الجو للصلاة التي ما إن ينتهوا منها حتى يبدؤون بتحميل الجمال ويتقرفصون بعدها حول نار المخيم بحثاً عن الدفء، ومع شروق الشمس يدب النشاط في هؤلاء الرجال، فتسير الجمال قريبة من بعضها البعض لتغطي مسافة ثلاثة أميال في كل ساعة وفي خط متعرج، إلا إذا شاهدت بعض الحشائش فإنها تتوقف عندها وتمد أعناقها الثعبانية محاولة الوصول إليها قبل غيرها، وعندما تقترب الساعة من العاشرة صباحا نسرع في السير ونسبق القافلة حيث نتوقف بعدها للإفطار وإلى أن تصل بقية أفراد القافلة بعدها نعاود السير حتى حلول المساء فإننا نتوقف قبل الظلام ونقيم معسكرنا استعداداً لقدوم الليل، وبمجرد إنزال الأحمال عن الجمال نتركها ترعى حرة باحثة عن زادها، ويقوم الرجال بعد ذلك بجمعها مرة أخرى حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة مساء لتبقى في الليل قرب خيمة الرجال، وعندما يحل الليل نقوم بنصب خيمنا في اتجاه الشمال، وبعد هدوء المعسكر نقوم باستخدام آلات القياس عن طريق النجوم أو القمر، ونحدد خطوط الطول والعرض لمسيرتنا، والتي أعتقد أننا قد قمنا بإنجازها في النهاية بدقة مع تخطيط كامل لما صادفناه في طريقنا من تلال وكثبان رملية، وكانت نتيجة ذلك رسم مثلث تقع في قمته العاصمة الرياض وذراعاه الطريق منها وإليها وقاعدته المسافة بين الكويت نقطة البداية والعقير حيث كانت النهاية، وبعدها ساعة في طريق جنوب شرقي، وفي النهاية ساعة كاملة في اتجاه الجنوب، يذكر أن مسارنا لهذا اليوم كان مختصراً حيث توقفنا في منخفض أرضي يسمى «لقيت»، ولم يكن هناك بين طبيعة الأمس واليوم عدا مرورنا بخيمة سوداء واحدة في الطريق وإقبال بدوي مع ثلاثة من الجمال علينا عند المساء.
الطريق إلى زلفي
ويقول د. أمين، يواصل بيلي الحديث عن رحلة الرياض «اشتريت اثنين من الجمال احتياطاً للحوادث، أما عن الجو فقد كان صحواً ولا أعتقد أننا قد طمعنا بأقل منه، لقد كان الهواء عليلاً وهشيم الشجر ينبض حيوية والرمال تغطيها بعض الأزهار البرية، ومن موقع معسكرنا ينعطف الطريق إلى زلفي المدينة التي في أقصى الشمال من سدير، ونقطة لقاء لقوافل حجاج البصرة وهي في طريقها إلى مكة - على الشمال من الموقع يقع طريق آخر من الكويت إلى الرياض - في الحقيقة توجد هناك ثلاثة أو حتى أربعة طرق من الكويت إلى الرياض تستخدمها القبائل في انتقالها السنوي من الكويت لمرتفعات نجد وهي طبيعة متوازية بشكل أو بآخر ويحددها موقع آبار المياه وطبيعة الرمال الصحراوية فيها، في العشرين من الشهر غادرنا موقع « لقيت»، وبعد ثلاث ساعات وصلنا إلى موقع يسمى «خور القرين»، ويبدو أن المنخفض يتصل بمياه الخليج، وعلى مسافة بضعة أميال وعلى اليمين تقع تلة أطلق عليها نفس الاسم، وبعد مسير ثماني ساعات وصلنا لموقع آخر يسمى الحجر أو « تلة وتلة» - هذه المناطق غير مسكونة وتشتق أسماءها من أراضي منطقة الوبرة التي تقع في الجهة الشرقية، وعلى مسافة قصيرة من الموقع وفي الصباح التالي التقينا ببعض البدو من أعالي نجد، وأثاروا في نفسي العجب من تصرفاتهم وخاصة الفضول الذي اتسموا به، وما إن اقتربوا من معسكرنا حتى نزلوا عن خيولهم وطلبوا منا أن نعطيهم الدخان مقابل خناجرهم - عندما أخبرناهم بعدم وجود الدخان في حوزتنا أبلغونا دون مبالاة بأنه في الغد سوف يكونون في الكويت ويدخنون ما فيه الكفاية ومع هذا القول اختفى الجميع مرة أخرى.
حدود «العدان»
ويواصل د.أمين الحديث عن رحلة بيلي للرياض «أخبرنا أهل الكويت بأن التلال المنخفضة والتي تأخذ في الاستدارة أمامنا مع الطريق ما هي إلا حدود منطقة العدان، ولكن يعارض ذلك أهل القطيف حين يقولون بأن العدان هو ما يطلق على الطريق الذي يمتد من بحر الكويت إلى رأس تنورة والذي يحد القطيف شمالاً، ويبدو لي بأن البدو يطلقون الأسماء على المناطق تبعاً للشكل السطحي لرمال المنطقة، لذلك يطلق العدان على المنطقة التي يميل فيها الشكل السطحي للرمال في اتجاه التلال المذكورة، وذلك في اتجاه شرقي ومن ثم شمال غربي، ويقال بأنه عندما يشتد الحر وتختفي معالم الطريق أو تحتجب عنه الرؤية «لتشبع الجو بالبخار» فإن البدوي يكفيه أن يحفر حفرة صغيرة في الرمال ليتعرف على موقعه الجغرافي، وفي الحادي والعشرين من الشهر غادرنا وبره وعبرنا تلال « التلة وتلة « ودخلنا منطقة « شج أو شق « تقابلنا تلال صغيرة منحدرة في اتجاه الشمال وإلى نقطة من تلال صحاح وصفوان قرب الزبير - يتبع الشكل السطحي لمنطقة « شق « انحناءات التلال التي تحدد حدود المنطقة، وارتفعت الأرض اليوم في طريقنا، وابتدأت في الانحدار كلما اتجهت شرقاً مع وجود تلال مخروطية على بعد أربعة أميال تسمى تلال كبريت مع وجود الكبريت في اثنين منها فقط، وفي هذا اليوم أقمنا معسكراً في تل الكبريت في شق، وفي اليوم الثاني والعشرين وبعد ركوبنا مسافة خمسة أميال، وفي اتجاه الشرق من أكبر تلال الكبريت، وبعدها التوجه جنوباً ولعدة أميال ثم جنوبي غربي وجنوب هذا التل، وفي اتجاه تلال أخرى تقع في الاتجاه الغربي، والشمال غربي وعددها جميعاً خمسة تلال أخرى تقع في الاتجاه الغربي، والشمال غربي وعددها جميعاً خمسة تلال وكانت وكأنها قوس يقع على طريقنا المذكور، وبذلك نجد أن كل جبال الكبريت تقع في «الشق «، أما طبيعة الأرض اليوم فهي مختلفة عن الأمس حيث تتناثر التلال الصغيرة هنا وهناك مع انبساط الأرض واتساعها واختفاء هشيم الأشجار، وفي بعض المناطق وجدنا الصخور الرملية تتساوى مع مستوى الأرض، وبدت لنا الطبيعة وكأنها ترتفع على الجهة اليمنى منا، وتهبط تدريجياً على الجهة اليسرى.
ولذلك وجدنا أنفسنا بأننا نرتفع كلما سرنا في الاتجاه الجنوب الغربي، ومع تغير الطبيعة الأرضية وجدنا أن الأجواء تزداد برودة وخاصة في الصباح، قابلنا اليوم في طريقنا عائلة بدوية على بعد تسعة أميال من نقطة البدء، واشترينا منهم قربة ماء، لكنهم رفضوا بيعنا ناقتهم الحلوب، وقبل توقفنا في اليوم شاهدنا بعض التلال الهرمية، وكانت تبدو وكأنها أهرام من رمال أما المنطقة الواقعة بين «الشق « والمنطقة التي نحن بصددها والمسماة «وريه» فإنها تسمى «الردايف» أو تلال الرمال.
الردايف والسمان
ويواصل د.أمين الحديث عن رحلة بيلي «في الثالث والعشرين من فبراير، وبعد مضي ساعة واحدة في الطريق دخلنا منطقة تسمى «وريه» تاركين خلفنا أرض الردايف، أما أرض «الوريه» فإنها موزعة لقطع صغيرة من التشكيلات الصخرية الصغيرة، والأحجار الرملية وعلى مسيرة ست ساعات أو ثمانية عشر ميلاً إلى الجنوب الغربي بعدها وصلنا السمان، هذه المنطقة تختلط بها الأشكال الرملية، فهي تتكون من تلال رملية صغيرة، وصخور رملية تشققت بفعل مياه الأمطار - تتسع الوديان هنا وتستوي قيعانها مع تواجد بعض الأعشاب والزهور البرية وهشيم الشجر، بعدها ترتفع الأرض وتتعرج كلما اتجهنا إلى السمان « أو السمن « وبعد مضي ثمان ساعات توقفنا قرب خيام سوداء - ووجدنا أن رجالها قد ذهبوا إلى السواحل لبيع الدهن - وطلبنا من النساء بعض الحليب - سألتنا النسوة عن جنسيتنا حيث إنه ورغم ملابسنا فإن هيئتنا لا تدل على أننا من البدو وأجابهم الشيخ عبدالعزيز بأننا جنود ولذلك نختلف في الشكل - فسألته النسوة لماذا إذا يقدم الحليب الجيد إلى الجنود، فأجابها رغم أننا جنود فإننا مسلمون، فأعطتنا النسوة بعض الحليب، وتوقفنا في الليل على مسافة ساعة من وبره، وقرب خيام أفراد من قبيلة السودان - جاءني البدو بمهر للبيع « عبيان « وعنزة هدية منهم لي فأعطيتهم دولارين هدية مني مقابل العنز فطلبوا نصف دولار ثمن الصوف، ويقال إن السمان تقع ضمن مسافة ثمانية أيام من السفر شمالاً، وإنها تنتهي عندما تتحول الصخور الرملية إلى صخور سوداء، وهنا تبدأ هجر وتتصل هجر «بصونج الشيخ».
الربع الخالي
ويختم د.عيسى أمين حديثه عن تلك الرحلة على لسان بيلي «لقد اضطربت الجمال اليوم وتناثرت، حتى إن بعض حاجياتي تكسرت من شدة الاضطراب لدى الجمال، وبالحديث عن السمان فإنها تمتد إلى مسافة أبعد من شملا من الدهناء، ولذلك نجد أن الدهناء تمتد أكثر من الجنوب وتتصل بصحراء الربع الخالي أو اليمامة القديمة، هذه المنطقة التي كانت في يوم ما مأهولة بالسكان تغطيها الرمال اليوم بعد أن هجرها سكانها بعد دخول الإسلام إليها، وفي المساء جاءت بعض النسوة وحاولن الحصول على الأزرارالمعدنية من معطف مترجمي ومنديله الحريري فرفض ذلك الطلب فما كان منهن إلا أن باغتنه وخلصن منديله من رقبته وأزراره من معطفه، وتفرع الطريق قرب الآبار وعلى بعد ساعة من السدير كنت راغباً في طريق آخر غير الطريق الذي اختاره رئيس القافلة، وكان رأيه بأن الطريق الذي قمت باختياره لا يصلح لسير القافلة...