الدور الإيراني في سوريا يمثل محركاً رئيساً لاستمرار القتال
طهران وحليفها بشار يعملان بقوة على توتير الساحة اللبنانية
ليس بغريب ألا يجد السياسيون، ناهيك عن المراقبين، فرصة واحدة تقنعهم بإمكانية أن تضع الحرب في سوريا أوزارها قريباً، خاصة أنها امتدت لسنوات دون أن يستطيع أي من أطرافها المتورطين ووكلائهم إنهائها لصالحه بالرغم من الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي مازالت تتوالى إلى اليوم.
وتبدو الأسباب وراء ذلك عديدة، لكن هناك اتفاق عام وسط المحللين والخبراء المتخصصين في دراسة وتقييم الأوضاع الجيو ـ سياسية لمشكلات الشرق الأوسط المعاصرة، على أن الدور الإيراني في سوريا يمثل محركاً رئيساً لاستمرار القتال هناك، وباعثاً محفزاً لكي يواصل حليف طهران في دمشق انتهاكاته وغاراته الدامية بحق مواطنيه، والتي لم تكن أولها، ولن تكون آخرها، تلك التي شهدتها مدينة دوما قرب دمشق، وأسفرت عن مقتل نحو 100 شخص.
تقول ريفا بهالا، وهي خبيرة بارزة في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأمريكا، في تحليل أعاد نشره موقع ستراتفور المعني بالدراسات السياسية والاستخباراتية، أن كل الدلائل تشير إلى أن الحرب في سوريا لن تنته، خاصة مع عدم قدرة الفاعلين الرئيسيين على التوافق حول من له الحق في التفاوض لإنهاء الأزمة التي طالت بتداعياتها كل دول العالم، وليس الشرق الأوسط فحسب، وهو ما يعد بمثابة دليل شؤم ينذر بأن الجهود الدبلوماسية قد لا تؤتي ثمارها البتة.
وتوضح الكاتبة المتخصصة فكرتها بشكل أكثر عمقا، حيث تقول إن إيران تدعم وبقوة نظام دمشق، بالمال والسلاح وبالمقاتلين، ناهيك بالطبع عن الدعم السياسي والاقتصادي والأمني، وهو ما يفسر مواصلة قوات الرئيس السوري بشار الأسد القتال من أجل استعادة الأراضي التي خسرها، ومن ثم لا يوجد سوى حافز ضئيل بالنسبة للحكومة السورية للتنازل أو حتى القبول بفكرة التفاوض مع استمرار المساندة التي تتلقاها من حليفها الأكبر في طهران، ما مكنها من خوض غمار حرب دارت وما زالت تدور رحاها وفصولها على كل أراضي المنطقة منذ سنوات.
وتعود الكاتبة بتحليلها إلى سنوات الانتداب الفرنسي على الأراضي السورية، وذلك بالتحديد خلال فترة نيل الاستقلال، والذي مازالت انعكاساته الجيوسياسية قائمة إلى الآن، مفسرة أسباب التعنت الذي تبديه دمشق حالياً بدفع وبضغط من إيران، حيث تؤكد أن القضية برمتها طائفية بالأساس، خاصة بالنظر إلى ما يمثله النظام في دمشق كأحد خطوط المواجهة المتقدمة ضد ما تسميه طهران ضمن الامتداد الأصولي الكاسح في المنطقة والمحيط المعادي لتوجهاتها.
ويغري إيران على الخوض في هذا المستنقع قناعتها بأن الميزان الطائفي في المنطقة يميل لمصلحتها وحلفائها الطائفيين، مثلما أبرز التقرير، وذلك في إشارة إلى العراق واليمن ولبنان وغيرها، بالرغم من محاولة طهران الادعاء بأن الأمر ليس كذلك، وأن الصراع ذي طابع سياسي وليس طائفي بدعوى أن دمشق حليف استراتيجي لها في المنطقة، ويرتبط بعلاقات اقتصادية معها، وأنها تحافظ على توازن القوى في المنطقة وضد محيطها المعادي لها، وتمنع وصول المد الديني المتشدد إلى الشرق الأوسط الذي تضرر كثيراً من جراء ذلك، وغير هذا من مبررات واهية.
تربط الكاتبة أيضاً بين استمرارية الصراع في سوريا والوضع المعقد في لبنان، مشيرة إلى أن الأمر لا يخلو من مفارقة، حيث إن طهران وحليفها بشار الأسد يعملان بقوة على توتير الساحة هناك، وذلك بمساعدة أحد أكبر أذرعهم اللاالتناظرية، وهو حزب الله اللبناني، المرتبط طائفياً بكلتا الدولتين، والذي يمارس دوراً سياسياً محورياً في الساحة اللبنانية، ويشارك بدوره بطريقة أو بأخرى في دعم قوات الأسد في مواجهاتها مع المطالبين بإزاحته عن السلطة، ما يعكس حقيقة وجوهر الصراع وأبعاده الطائفية.
وهناك اعتقاد سائد بأن الوضع في الساحة السورية سيبقى على ما هو عليه في ظل المعطيات المشار إليها سلفاً، خاصة مع حاجة الولايات المتحدة، الفاعل الدولي الرئيس، ومصلحتها الأساسية في المحافظة على تقدم المفاوضات مع إيران بالرغم من موقفها المعلن بضرورة ضمان عدم مشاركة بشار الأسد ـ حليف طهران ـ في أي حكومة انتقالية سورية في الفترة القادمة، وهي النقطة التي ربما تكون واحدة من نقاط المساومة بين واشنطن وإيران خلال الفترة المقبلة.
يضاف إلى ذلك انشغال الفواعل الإقليميين الرئيسيين بمشاكلهم الداخلية، خاصة في مصر وتركيا، وهي الأوضاع التي تستغلها طهران لمواصلة إقحام أنفها في شؤون المنطقة، وتأجيج النزاع مع الشقيقة السعودية بهدف التحكم في أرض المعركة الطائفية في سوريا، حسب وصف التقرير، الذي أكد على خطورة المليشيات الطائفية المتحزبة الراغبة في الحصول على الدعم اللوجيستيمن أجل إسقاط منافسيهم سواء في سوريا أو في العراق أو في لبنان أو في غيرهم، وهو ما سيبقي الساحة عرضة للتجاذبات.
ويخلص تحليل الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إلى أنه وفي ظل المعطيات الجيو سياسية سالفة الذكر وارتباطات الملفات الإقليمية والطائفية ببعضها، فإن الدولة السورية لن تنقسم لتصبح دويلات، كما إنها لن تتوحد لتصبح دولة واحدة في ظل تسوية سياسية بعيدة المنال، ونظراً لتنوع فسيفساء الولاءات القبلية والطائفية وحاجتها الضرورية للحفاظ على حدودها الساحلية وعمقها الاقتصادي، مهما كان نوع النظام المتربع على سدة الحكم في سوريا، فسوف تتمسك دمشق بوحدة البلاد ضمن هذه الحدود المتأزمة ولو شكلياً.