تقرير - محرر الشؤون البرلمانية:
أثارت أداة المقترحات النيابية برغبة جدلاً واسعاً الدور الماضي، إذ امتعض نواب من ردود السلطة التنفيذية على رغباتهم، واعتبروها «رفع عتب وليست التزاماً من الحكومة بتوفير الخدمات الواجبة بنص الدستور للمواطنين».
نواب آخرون قلصوا من استخدام الأداة، وأرجعوا ذلك إلى «الضعف بطبيعتها، الدستور ينص على أنها غير ملزمة للحكومة، كحال المقترحات بقوانين»، فيما اعتبر أحدهم، أغلبية الاقتراحات المقدمة «دغدغة لمشاعر المواطنين، ورمياً للكرة في ملعب الحكومة».
ورغم تشديد وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب على أن «المادة 68 من الدستور، أعطت الحكومة الحق في الموافقة على الرغبات أو رفضها»، إلا أن أغلب رسائل الحكومة بينت أن رغبات النواب المقدمة متحققة على أرض الواقع، ما عده مراقبون «شو إعلامي» و»إشغالاً للجهاز الحكومي عن واجبه الرئيس ومهماته ومسؤولياته».
وطالب البعض بوضع حد للممارسة الخاطئة في اللجان أو المجلس، بالموافقة على أغلب الرغبات لاسترضاء الكتل أو النواب، والتصويت من أجل لعبة المصالح المتبادلة.
واقترحوا وضع سقف لعدد الرغبات المسموحة لكل نائب، وتمرير المقترحات قبل البت فيها إلى قسم الأبحاث والدراسات في المجلس لأخذ رأيه في الرغبة المطروحة.
ولم تقتصر حلول النواب على التحسين من جانب المجلس، إذ دعوا الحكومة للمبادرة بتشكيل لجنة حكومية، تتأكد وتدرس جيداً ردود السلطة التنفيذية على الرغبات.
ردود رفع العتب
لم تكد تمر جلسة من الدور الماضي، مدرج على جدول أعمالها ردود الحكومة على المقترحات برغبة، إلا ويبدي النواب امتعاضهم وانزعاجهم منها، سواء كان لرفض مقترحاتهم أو عدم وضوح الردود بشأنها.
واشتكى النواب غير مرة من «عدم تعاون السلطة التنفيذية واستجابتها لمعظم المقترحات النيابية، وتصنيفها على أنها متحققة رغم أنها ليست كذلك».
وقال النائب أحمد الساعاتي في إحدى الجلسات «ردود الحكومة دبلوماسية لا حق فيها ولا باطل، وهي إما تعني اعتذاراً أو إجابات عمومية، كما إنها لا تتضمن تواريخ محددة للمشاريع، فالردود رفع عتب وليست التزاماً من السلطة التنفيذية بتوفير الخدمات الواجبة بنص الدستور للمواطنين».
وطلب النائب خالد المالود في جلسة نيابية، من وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل «مراجعة الردود الحكومية قبل إرسالها للمجلس، لأن بعض المقترحات في وادٍ وردودها في وادٍ آخر»، فيما علق النائب محمد العمادي على رسائل الحكومة للمجلس «ردود الحكومة على الاقتراحات تزعل، وحنا بعد نزعل».
ورد وزير المجلسين في أحد الجلسات على النواب «المادة 68 من الدستور، أعطت الحكومة الحق في الموافقة على الرغبات أو رفضها»، مشيراً إلى أن «الحكومة لم ترفض إلا 4 رغبات من 20 رغبة (..) فالتعاون شيء أساس، إلا إذا كان الغرض مغلفاً بأمور أخرى».
وذكر النائب عادل العسومي «القصور يأتي من وزارات لا تقرأ ولا تتمعن بمقترحات النواب، على سبيل المثال قدمت مقترح بشأن إنشاء دار لرعاية الوالدين في الحورة والقضيبية، وبعد مرور سنة على تقديم المقترح، اكتشفنا أن الوزارة لم تفهم أن القصد من الطلب أننا نريد بناء المقر وليس استصدار رخصة».
دغدغة المشاعر
ويرى النائب عثمان شريف أن «أغلبية الاقتراحات برغبة التي يقدمها بعض النواب، ما هي إلا دغدغة لمشاعر المواطنين، ورمي الكرة في ملعب الحكومة».
وأضاف «أداء النائب يقاس بالنوع وليس بالكم، إضافة إلى أن أداة الاقتراح بقوانين تلزم الحكومة بالرد والتفاعل معها، وبرأي أكثر جدوى من الاقتراحات برغبة، التي يكثر عددها دون فائدة في بعض الأحيان».
ويعد شريف أقل النواب استخداماً لأداة الاقتراحات برغبة، إذ تقدم بأربع رغبات، وفق إحصائية الأمانة العام لمجلس النواب.
وذكر النائب «أصب تركيزي على عملي داخل اللجنة التي أنا عضو فيها، وإذا كان النائب يريد فعلاً خدمة أهل منطقته، يستطيع ذلك عبر تقديم مرئياته عند مناقشة الميزانية العامة للدولة، لتضمن فيها احتياجات الدائرة، ويكون ذلك التزاماً كبيراً على الجهة المعنية بالتنفيذ، ويستطيع النائب مساءلة الوزير المعني في حال عدم تنفيذ المشروع الذي أدرجت ميزانيته بالموازنة العامة».
وبرر شريف تعذر الحكومة بعض الأحيان عن الموافقة على بعض المقترحات «إذا كان المقترح متعلق ببناء مدرسة أو عمل مشروع ما يحتاج إلى ميزانية، ولم يدرج ضمن ميزانية المشاريع لهذه الوزارة، يجـــبر الحكومة على رفض المقترح، لعــــدم وجـــود سيـــولة كافية».
مجاملات وتبادل مصالح
وأرجع النائب علي الدرازي، تصويت المجلس بالموافقة على مقترحات برغبة، وبيان الوزارات والجهات المعنية أنها متحققة على أرض الواقع أو قيد التنفيذ، إلى «مجاملة النواب ما بين بعضهم، إذ يتحسس النواب وأعضاء الكتل من رفض مقترح برغبة تقدم به زميل لهم»، ويواصل «إضافة لكونها أداة بسيطة، ليست كالاقتراح بقانون أو المشروع التي تستحق التداخل والتصويت بالرفض في حال ما رأى النائب ذلك، لذا فإن المجلس يمرر أغلب المقترحات التي يقدمها النواب».
واتفق النائب د.جمال صالح مع سابقه وقال «يجب وضع حد للممارسة الخاطئة في اللجان أو المجلس، بالموافقة على أغلب الرغبات لاسترضاء الكتل أو النواب، والتصويت من أجل لعبة المصالح المتبادلة».
واقترح إجراء تعديل على اللائحة الداخلية لضبط العملية «مثل وضع سقف لعدد الرغبات لكل نائب، كحال الأسئلة النيابية، إذ يحق للنائب توجيه سؤال لكل وزير في الشهر، والتأكد من فكرة المقترح قبل تمريرها للمجلس، وتمرير الرغبات قبل البت فيها على قسم الأبحاث والدراسات في المجلس لأخذ رأيه في الرغبة المطروحة، والتقليل من الرغبات البلدية وكل ما يتعلق باختصاص المجالس البلدية، والتركيز على الحاجات والسياسات والاستراتيجيات العامة للمملكة، دون الخوض في التفاصيل البلدية المناطقية».
ولوحظ في دور الانعقاد الماضي، تقديم النواب عدة مقترحات، أوضحت الحكومة في ردودها أنها متحققة على أرض الواقع، ما عده مراقبون «شو إعلامي»، و»أسلوباً ناجعاً لإقناع الناخبين في دائرتهم».
وتساءل المراقبون «كيف يمكن تفسير تقدم نواب باقتراحات متحققة أصلاً على أرض الواقع؟ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فهل أعضاء المجلس لا يعلمون ماذا ينفذ من مشروعات؟»، لافتين إلى أن تقديمها بكثرة دون دراسة «قد يتسبب في إشغال الجهاز الحكومي عن واجبه الرئيس ومهماته ومسؤولياته المتعددة، ويربك عمل الوزارات».
لجنة حكومية لدراسة الرغبات
ويرى النائب علي العطيش، أن «الحكومة تخطأ بحق السلطة التشريعية خطأ جسيماً، عندما تأتي الردود على الرغبات بهذه الطريقة غير المدروسة أو المدققة»، مشيراً إلى أن «يمكن استخدام إجابات الحكومة على المقترحات ضدها، لأنها جاءت بطريقة رسمية للمجلس».
واقترح العطيش حلاً لتفادي ما اعتبره مشكلة، تشكيل لجنة حكومية، تتأكد وتدرس جيداً الردود الحكومية على الرغبات، ومنح صلاحيات أكبر للجنة النيابية المعنية بمتابعة الاقتراحات برغبة، لمساعدتها في تشديد الرقابة على الحكومة، والتأكد من تنفيذ الرغبات الموافق عليها، منها مقترحات معلقة من الفصل التشريعي الأول.
وحددت التعديلات الدستورية الأخيرة، فترة 6 أشهر لإبداء الحكومة أسباب تعذر الأخذ بالاقتراحات برغبة التي يبديها مجلس النواب، إذ نصت المادة (127) من اللائحة الداخلية للمجلس «لمجلس النواب إبداء رغبات مكتوبة للحكومة في المسائل العامة، وعلى الحكومة أن ترد على المجلس كتابة خلال 6 أشهر، وأن تعتذر عن الأخذ بهذه الرغبات ويجب أن تبين للمجلس أسباب ذلك»، ما أعطى للمجلس، حق اتخاذ أحد الوسائل الرقابية في مواجهة الحكومة، إذ جاء التعديل كضمانة لتفعيل دور الرغبات المكتوبة التي يبديها النواب.
أداة ضعيفة
وقال د.جمال صالح، إن «أداة الاقتراح برغبة في حد ذاتها، لا تلزم السلطة التنفيذية بالموافقة عليها وهذا سبب ضعفها، إلا أنه بالإمكان، سن عرف الموافقة تقديراً من السلطة التنفيذية لرغبات ممثلي الشعب، وجعل هذه الرغبات ملزمة أدبياً».
ورأى أن «الإمعان في كثرة الرغبات أفقدها مكانتها، وبين رغبة النواب في تحقيق إنجازات لناخبيهم أو للوطن، وعدم قدرة الجهاز التنفيذي على تحقيق كافة تلك الرغبات، وبرزت للعيان الفجوة الواسعة بين الرغبات والمنجزات».
واعتبر أنه «بين كثرة الرغبات، وعدم قدرة السلطة التنفيذية على إنجازها، تبرز الحاجة لآلية، أو تفاهمات جديدة للتعامل مع هذا الملف المتضخم».
لجنة المقترحات برغبة
وشهد دور الانعقاد الثاني، تقديم عدد كبير من الاقتراحات برغبة، ما حدا بالنواب تشكيل لجنة مؤقتة للنظر في الاقتراحات التي وافقت عليها الحكومة، منذ بدء أعمال الفصل التشريعي الأول وحتى تاريخه، والتأكد من مدى التزام الحكومة في تنفيذ هذه الاقتراحات برغبة، كما تستوضح اللجنة من الجهات المختصة السبل التي اتخذتها الحكومة لتنفيذ الاقتراحات برغبة، مع التحقق من أسباب حالت دون تنفيذ بعض الاقتراحات برغبة رغم موافقة الحكومة عليها.
وبين د.جمال صالح «اللجنة التي أنا عضو فيها، اجتمعت مراراً بالوزراء للتحقق من تنفيذ الرغبات في بادرة جيدة للمتابعة، لكن ذلك يشير مرة أخرى إلى الخلل الأساس، وهو الفجوة بين التطلعات الشعبية وقدرة الجهاز التنفيذي على القيام بها، ويطرح تساؤلات عديدة عن الآليات الأفضل لتحفيز الحكومة، لأداء دورها وفقاً لرغبات الشعب».
واختفت اللجنة قبل فض دور الانعقاد الماضي، بعد أن اجتمعت مع وزارة التنمية الاجتماعية يناير الماضي، واستعرضت معها عدداً من المقترحات المهمة، سبقها اجتماع مع وزير البلديات د.جمعة الكعبي. وبينت اللجنة خلال الاجتماع أن هناك بعض الاقتراحات لم تنفذ بعد تعود لعام 2006، كما اجتمعت اللجنة أيضاً مع وزارة الصحة.
وتساءل العسومي «أين هي لجنة متابعة ردود الحكومة على الاقتراحات برغبة؟ اختفت ولم نر لها أي تحرك»، ورأى أن «اللجنة لا تحتاج أي صلاحيات، فهي شكلت لمتابعة ردود الحكومة، ومتابعة المقترحات بشكل دوري ومستمر، وأن تخطر المجلس في حال عدم تجاوب أي وزارة أو جهة، ليفعل المجلس أدواته الرقابية ويحاسب الجهة المقصرة».
ويرأس اللجنة حالياً د.علي أحمد، بعضوية كل من ابتسام هجرس، ود.جمال صالح، وحسن بوخماس، وخالد المالود، وخالد عبدالعال، وسلمان الشيخ.
201 مقترح نظرها المجلس
ووافق مجلس النواب خلال الدور الماضي، على 188 مقترحاً برغبة من أصل 201، إذ رفض 3، وأرجع 10 مقترحات إلى اللجان لمزيد من الدراسة.
وتنص المادة (128) من اللائحة الداخلية للمجلس «لكل عضو أن يقدم إلى الرئيس اقتراحاً برغبة يتعلق بمصلحة عامة ليبديها المجلس للحكومة في الأمور الداخلة في نطاق اختصاصه، ويقدم الاقتراح كتابة لرئيس المجلس مرفقاً به مذكرة إيضاحية توضح موضوع الرغبة واعتبارات المصلحة العامة المبررة لعرض الاقتراح على المجلس، ويحيل الرئيس الاقتراح فور تقديمه إلى اللجنة المختصة لدراسته وتقديم تقرير عنه إلى المجلس، وللجنة أن تأخذ رأي مقدم الاقتراح قبل وضع تقرير بشأنه، وللمجلس في حالة الاستعجال أن يقرر نظر الاقتراح برغبة دون إحالته إلى اللجنة المختصة، وفي هذه الحالة يكون للحكومة أو الوزير المختص طلب تأجيل مناقشة الاقتراح لمدة أسبوع على الأكثر، فيجاب هذا الطلب، ولا يكون التأجيل لأكثر من هذه المدة إلا بقرار من المجلس».
وتنص المادة (129) من اللائحة ذاتها «لا يجوز تقديم اقتراح برغبة موقع من أكثر من خمسة من أعضاء المجلس، ولا يجوز أن يتضمن الاقتراح أمراً مخالفاً للدستور أو القانون، أو إضراراً بالمصلحة العليا للدولة، أو عبارات غير لائقة أو ماسة بكرامة الأشخاص أو الهيئات، أو يخرج عن اختصاص المجلس، ولرئيس المجلس حفظ أي اقتراح يخالف أحكام الفقرة السابقة، وإخطار مقدم الاقتراح كتابة بقراره وأسبابه، وله أن ينبه عليه بعدم التكلم فيه، فإذا أصر العضو على وجهة نظره، عرض الرئيس الأمر على المجلس ليبدي رأيه فيه دون مناقشة».
وتشير المادة (131) إلى أنه «في حالة رفض المجلس الاقتراح برغبة، لا يجوز إعادة تقديمه قبل مضي 4 أشهر على الرفض».