أعادت بريطانيا افتتاح سفارتها في طهران، الأحد الماضي، في مؤشر واضح على مدى تحسن علاقات الغرب مع إيران منذ قيام محتجين باقتحام مجمع السفارة قبل نحو أربع سنوات.
وتابع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند رفع علم بريطانيا في حديقة المقر الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرن التاسع عشر في العاصمة الإيرانية أثناء عزف السلام الوطني البريطاني، وفي عام 2011 أحرق المهاجمون علم بريطانيا ونهبوا مقر السفير.
وقال هاموند «تمثل مراسم اليوم نهاية مرحلة في العلاقة بين بلدينا وبدء مرحلة جديدة، مرحلة أعتقد أنها تبشر بالأفضل».
وقال إنه بعد فترة تدنت فيها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى منخفض تحسنت العلاقات «تدريجياً» منذ انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني عام 2013 .
وقال هاموند إن الاتفاق النووي الذي أبرمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع القوى العالمية الست الشهر الماضي كان أيضاً معلماً بارزاً.
وبعد الاتفاق استقبلت طهران عدداً من الزائرين الأوروبيين بينهم وزراء ألمان وفرنسيون بهدف إنهاء عزلة إيران الاقتصادية الطويلة.
وأغلقت السفارة البريطانية لدواع أمنية منذ أن داهم محتجون إيرانيون مقرين دبلوماسيين رئيسيين في طهران في 29 نوفمبر عام 2011، ومزق المحتجون صور ملوك بريطانيين وأحرقوا سيارة وسرقوا معدات إلكترونية.
ومازالت عبارات «الموت لإنجلترا» مكتوبة على أبواب غرفة الاستقبال الكبرى في تذكرة بالاقتحام.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، الهجوم بأنه «مشين»، وأغلق السفارة البريطانية وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين من لندن.
وأفادت أنباء بأن مجموعة محدودة من المحتجين تجمعت قرب مبنى السفارة الذي أعيد افتتاحه بطهران والذي يتولى حراسته عشرات من أفراد الأمن الإيرانيين.
وبعد ساعات من افتتاح السفارة البريطانية بطهران أعادت إيران افتتاح مبنى سفارتها في لندن، وقال هاموند إن قائماً بالأعمال من البلدين سيتولى إدارة شؤون كل من السفارتين في بادئ الأمر قبل الاتفاق على إرسال سفراء في غضون بضعة أشهر.
وهاموند هو ثاني وزير بريطاني فقط يزور طهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي أطاحت بشاه إيران المدعوم من الولايات المتحدة، وآخر زيارة كانت تلك التي قام بها جاك سترو عام 2003.
ورافقت هاموند مجموعة محدودة من رجال الأعمال بينهم ممثلون من رويال داتش شل وشركة أميك فوستر ويلر وشركة وير جروب الأسكتلندية.
عودة الثعلب
وبعد أكثر من عقد من وصف الجمهورية الإسلامية بأنها قوة مارقة تسعى لإشاعة الفوضى في الشرق الأوسط سعت بريطانيا إلى تحسين علاقاتها مع طهران التي ثبت أن احتياطيها من الغاز الطبيعي كبير مثل روسيا.
وقال هاموند «في المقام الأول سنسعى لضمان نجاح الاتفاق النووي بما في ذلك عن طريق تشجيع التجارة والاستثمار بمجرد رفع العقوبات».
وبمقتضى الاتفاق النووي سترفع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على إيران مقابل موافقة إيران على قيود طويلة الأمد لبرنامجها النووي الذي يشتبه الغرب أنه يهدف إلى تصنيع قنبلة نووية.
وقال هاموند متحدثاً إلى ولي الله سيف محافظ البنك المركزي الإيراني خلال اجتماع في طهران «أعتقد أن من المفيد والإيجابي جداً لو استطعنا البدء في حوار بشأن سبل توفير الظروف الملائمة للسماح للبنوك البريطانية والمؤسسات المالية البريطانية بالانخراط في تمويل التجارة والاستثمار في إيران».
وقال هاموند إن البنوك كانت تتوخى الحذر في ظل العقوبات الأمريكية للتأكد من امتثالها الكامل عندما تعود إلى إيران.
وقال «توجد شهية ضخمة لشركاتنا الصناعية والتجارية لانتهاز فرصة انفتاح إيران، وهناك شهية ضخمة من جانب مؤسساتنا المالية لدعم ذلك النشاط، لكن بالطبع ينبغي أن يجري ذلك بالطريقة الصحيحة».
وقال سيف إن العلاقات بين البلدين كانت إيجابية في السابق وإن ذلك يصلح كقاعدة انطلاق. ورغم أن الاتفاق النووي ينظر إليه البعض، وبينهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على أنه فرصة إلا أن متشددين في واشنطن وطهران يعارضونه، ومازال الشعور بعدم الثقة عميق بين الجانبين. وكان معارضون داخل إيران يصفون بريطانيا بأنها «الثعلب العجوز» أو «الشيطان الأصغر» الذي ينفذ رغبات «الشيطان الأكبر» الولايات المتحدة.
ووصفت نشرة أرسلتها وكالة فارس للأنباء بالبريد الإلكتروني إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران «بعودة الثعلب».
السفارة الشريرة
بعد اقتحام مقر السفير عام 2011 الذي جاء احتجاجاً على العقوبات التي فرضتها لندن على طهران جراء برنامجها النووي، وصفها علي خامنئي «بالسفارة الشريرة».
ونهب المحتجون السفارة وهشموا بعض المقتنيات الثمينة. ومزقت صورة للملكة فيكتوريا إلى نصفين وقطعت رأس الملك إدوارد السابع من صورته، كما سرقت صورة للملكة إليزابيث.
وحطم المحتجون في عام 2011 تمثالين حجريين كبيرين لأسد ولحيوان خرافي على بوابات مقر السفير، حيث أقيمت مأدبة عشاء لونستون تشرشل وجوزيف ستالين وفرانكلين روزفلت في أول اجتماع بين زعماء بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة لبحث استراتيجيتهم لتحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية.
ولا توجد سفارة للولايات المتحدة في طهران منذ أن نهبت في الأيام الأولى من الثورة الإيرانية عام 1979 على يد طلبة كانوا يخشون تكرار انقلاب عام 1953 عندما أدارت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق.
واستمرت أزمة احتجاز رهائن أمريكيين داخل السفارة 444 يوماً ولم تستأنف واشنطن وطهران العلاقات الدبلوماسية قط، لتصبح بريطانيا في طليعة المواجهة للمشاعر المعادية للغرب من جانب متشددين ممن يديرون الجمهورية الإسلامية ومؤيديهم.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن من السابق لأوانه التحدث عن إعادة افتتاح السفارة الأمريكية متهماً واشنطن بتبني موقف «غير منطقي» نحو طهران.