تدور الكثير من التساؤلات في أذهان المراقبين والمتابعين، لماذا لم تتعرض إيران لعملية إرهابية واحدة تقوم بها القاعدة، ولماذا لا يهددها عناصر تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي؟! وهل هناك من صلة ما أو اتفاق ضمني يجمع الجانبين، ويقضي بتوفير المأوى والدعم اللوجيستي والاستخباري للإرهابيين في مقابل عدم تهديد الساحة الداخلية الإيرانية بعمليات على شاكلة ما يحدث في العراق وسوريا وغيرها؟
ورغم أنه لا توجد معلومات موثقة تفيد وجود مثل هذه الصلة، ولا مصادر يمكن التيقن عبرها من اتصالات تجمع بين إيران وأذرعها وامتداداتها من جهة وإرهابيين ينتمون للقاعدة عامة، و»داعش» خاصة من جهة أخرى، لكن الأسئلة لا تنتهي، خاصة مع الأنباء التي تتردد بأن التنظيم الإرهابي بالعراق ملتزم بمسافة 40 كلم بالابتعاد عن الحدود الإيرانية، الأمر الذي يعيد التساؤل مجدداً: من الذي وضع هذه المسافة، وهل تم ذلك بناء على اتفاق ما بين الطرفين؟
وتتردد الشائعات عن طبيعة المواجهة، إن كانت هناك بالفعل، التي ربما تدور بين «داعش» في كل من العراق وسوريا من ناحية، وبين إيران من ناحية أخرى التي تحارب هناك صراحة ودون مواربة، حيث تطفو على السطح أحاديث تؤكد أن طهران توطد من تدخلاتها وانتهاكاتها في كلتا الدولتين عبر دعم ومساندة «داعش» وعملياتها الإرهابية، ولو بطريق غير مباشر، وذلك حتى تبقي على وجودها الدائم هناك، وبحيث يكون لديها المبرر بالتدخل في شؤونهما بزعم مواجهة إرهاب لا يمسها ولا يقرب منها.
في هذا الشأن، أبرزت دراسة بعنوان «دور «داعش» في التأثير على السياسات الإيرانية»، وردت بـ «المجلة التركية للبحث العلمي»، المجد الثاني عام 2015، بقلم الكاتبة: رورماكنيللي، أبرزت عدة حقائق، منها: أن التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها دول الشرق الأوسط تدفع النظام الإيراني إلى استغلالها وتجييرها لصالحها، حتى لو تضررت منها على المدى القصير، لكنها على قناعة أنها ستستفيد منها على المدى الطويل، وأبرزها ظهور وتواجد «داعش» في دول المنطقة، سيما في العراق وسوريا، وذلك حتى يمكن تبرير التدخلات الإيرانية فيها.
وتدعم الباحثة مقولاتها بمخاوف إيران من نجاح الأكراد أو الجماعات الجهادية المسلحة في تحقيق انتصارات في العراق وسوريا، حيث تشير إلى أن»داعش» عامل أساسي للحد من مثل هذه الانتصارات بحيث لا تمثل خصماً لسياسة إيران ووضعها في المنطقة عموماً، وفي هاتين الدولتين بشكل خاص، مؤكدة أن النفوذ الطائفي الإيراني والمكونات السكانية التابعة لها في العراق وسوريا، توفر «داعش» الحماية لهم بطريق غير مباشر، في إشارة إلى عمليات الأخيرة ضد التنظيمات الأصولية المسلحة، والتي تجابه بدورها، كما تجابه «داعش»، بتحالف عالمي لاستئصالهما.
وأشارت الدراسة ـ ضمناً ـ إلى أنه ما دامت لم تقم «داعش» بالمساس بالمصالح الحيوية لإيران في كل من العراق وسوريا، وبالتحديد ناحية النظامين التابعين لها، والعتبات المقدسة، ووارداتهما من الأسلحة والبضائع الإيرانية «تمثل كل من العراق وسوريا سوقا رئيسية لتصريف المنتجات الإيرانية» فإن «داعش» تعمل بمثابة عون لها، ولا تمثل مصدر قلق أو تهديد لمصالحها، بل وستكون هي فرصتها الوحيدة لتكريس تواجدها في البلدين.
وتقول الدراسة: الطريقة الوحيدة لزيادة قدرة الشعب الإيراني على تحمل ما يتعرض له من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية هي عن طريق أسلوب جمع الشعب حول هدف واحد، والادعاء بحماية من تسميهم طهران الضعفاء والمضطهدين في العالم، والذين تقصد بهم طائفة معينة في مواجهة المد الأصولي، مما يتطلب الوحدة لتحقيق الهدف، وتعد «داعش» فرصة جيدة لذلك، إذ إنها إحدى بوابات طهران للزعم بأنها تقوم بحماية مريديها في المناطق الملتهبة في العالم، وبخاصة في العراق وسوريا وغيرهما من مناطق التوتر في الشرق الأوسط.
واقع الأمر، أنه توجد العديد من الأدلة والبراهين التي تثبت أن إيران تستغل «داعش» لتحقيق أغراضها الخاصة، كما توظفها، ولو ضمناً، للقيام بأعمالها القذرة في المنطقة، والاتهامات التي توجه لطهران بالقيام بعمليات إرهابية في المنطقة، وكان آخرها في البحرين والكويت بعد الكشف عن خلايا متورطة في عمليات إرهابية، دليل صارخ على قدرة طهران إلصاق ممارساتها وربما جرائمها وأعمالها العدوانية بـ «داعش» كمخرج من الاتهام بالتورط المباشر في الشؤون الداخلية للدول المحيطة بها.
ويلفت مراقبون النظر للأسباب التي ربما تدفع طهران لإدامة التوتر في المنطقة، والبواعث التي تحركها للتواجد على الساحة كقوة لها أياديها وأذرعها، حتى ولو كان ذلك عن طريق تنظيم «داعش» ودعم عملياته التي استهدفت أمن دول الخليج واستقراره، وكان آخرها ما حدث في الشقيقة السعودية، ويتساءلون: لماذا تستمر إيران في لعبتها الممقوتة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول والمجتمعات المجاورة منها وغير المجاورة، وكيف تمضي قدما فيما بات يعرف بسياسات شد الأطراف لإثارة المشكلات والفوضى بدول الإقليم بأسره؟
إن إيران لها مصلحة عليا في إبقاء علاقة ما بتنظيم «داعش»، حتى ولو لم تكن هناك مسارات وصلات تنظيمية محددة به، لكن هذا التنظيم الإرهابي يحفظ لها كيانها ووجهها الطائفي بدعوى حماية طائفة بعينها، ويكفل لها استمرارية علاقاتها ومصالحها في المنطقة، حيث يستمر التنظيم كمصدر للتهديد مما يستوجب التكاتف لمحاربته، وهو ما تزعمه إيران وباتت ترفعه كشعار لها باعتبارها رأس حربة ضد الإرهاب الأصولي الذي تمثله «داعش».