بيروت - (رويترز): بعد إبرام اتفاق نووي تاريخي ينهي عقوداً من العداء بين إيران والغرب يواجه الرئيس حسن روحاني تحدياً جديداً في الداخل يتمثل في الإفراج عن شخصيات سياسية بارزة أحدث سجنها انقساماً داخل إيران.
فالمرشحان الرئاسيان السابقان مير حسين موسوي ومهدي كروبي إضافة إلى زهرة رهنورد زوجة موسوي رهن الإقامة الجبرية بالمنزل منذ عام 2011.
والإفراج عن ثلاثتهم سيفي بأحد وعود روحاني الرئيسة في حملته الانتخابية قبل عامين لكن بعض الخبراء يرون أن ذلك محفوف بالمخاطر وقد يقود لمواجهة صريحة مع المحافظين.
وبرزت أهمية الأمر بالنسبة لمناصري روحاني بوضوح بعد الإعلان عن الاتفاق النووي الشهر الماضي عندما رفع المحتفلون في شوارع طهران صور موسوي وكروبي ورددوا هتافات تطالب بالإفراج عنهما.
فأعداد غفيرة باتت تنظر إلى الرجلين اللذين نافسا محمود أحمدي نجاد على الرئاسة في الانتخابات المختلف على نتائجها عام 2009 على أنهما يتصدران «الحركة الخضراء» الإصلاحية في البلاد.
أما المحافظون فيشيرون إليهما على أنهما «زعيما التحريض» ويرفضون أي تنازل يؤدي للإفراج عنهما باعتبار أنهما خطر على الأمن العام.
وبلغ الأمر ببعض رجال الدين المتشددين والسياسيين إلى التلميح إلى ضرورة إعدامهما.
وقال فراز صانعي الباحث في الشأن الإيراني بمنظمة مراقبة حقوق الانسان الامريكية «هيومن رايتس ووتش» «المخاطر السياسية كبيرة، مازال المتشددون يسيطرون على البرلمان، هم يسيطرون على قوات الأمن والمخابرات ويسيطرون على الجهاز المخول له إبقاء هؤلاء الأفراد رهن الإقامة بالمنزل».
وأضاف أن روحاني - الذي تتركز سلطته على مجلس الوزراء ومكتبه الرئاسي - يملك على النقيض من ذلك نفوذاً محدوداً فيما يتعلق بتمديد أو إنهاء الاحتجاز.
ويلقى باللائمة على موسوي وكروبي ورهنورد - وهي أكاديمية بارزة خاضت غمار الحملة الانتخابية إلى جوار زوجها - في إثارة الاضطرابات بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي أعلن فوز أحمدي نجاد بها.
لكن بعد عامين وبعد أن دعا موسوي وكروبي إلى الاحتجاج تضامنا مع انتفاضات الربيع العربي عام 2011 أودع الثلاثة رهن الإقامة الجبرية بالمنزل.
ويظل احتجازهم يحمل تذكرة بالشقاق العميق الذي طرأ على المجتمع الإيراني والذي فرق في حالات بين أبناء الأسرة الواحدة بسبب العنف والاعتقالات التي أعقبت انتخابات 2009. بل إن القضية أثارت جدالا حاميا بين السياسيين المحافظين والمعتدلين داخل البرلمان الإيراني.
حتى الآن لم تعلن أي جهة أمنية أو شخصية أنها صاحبة قرارالاحتجاز وإن كان بعض المعارضين يقولون إنه قرار مباشر من المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي صاحب أكبر سلطان في البلاد.
وعانى الثلاثة من أزمات صحية خطيرة أثناء احتجازهم بالمنزل واستدعت الحاجة نقلهم للمستشفى أكثر من مرة. ورغم الدفعة التي تلقاها روحاني من الاتفاق النووي قال محمد تقي ابن كروبي في مقابلة من بريطانيا إن من غير المرجح الإفراج عن الثلاثة في المدى القريب. وأشار إلى انتخابين مهمين خلال العام القادم، انتخاب المجلس النيابي وانتخاب مجلس الخبراء الذي يختار الزعيم الأعلى. ونظراً لما يعانيه خامنئي «76 عاماً» من مشاكل صحية - وقد أجريت له جراحة في البروستاتا العام الماضي - فمن المرجح أن يختار هذا المجلس الذي سيبقى لثماني سنوات خليفته. وقال تقي «رفع الإقامة الجبرية قد يقوي شوكة الإصلاحيين والجماعات الأخرى ويعزز وضعهم في الانتخابات، هم لا يريدون وضعاً يمكن أن يلحق بالمتشددين خسارة أكبر».
والأسبوع الماضي زاد الخطر السياسي الذي يمثله الإصلاحيون - وكثير منهم تعرض للاحتجاز أو لمضايقات من قبل قوات الأمن بعد انتخابات 2009 - حين انعقد أول اجتماع لحزب سياسي جديد.
فعشرات من الإصلاحيين البارزين الذين كانوا خارج دائرة الضوء منذ انتخابات 2009 حضروا الاجتماع الافتتاحي لحزب «اتحاد شعب إيران الإسلامي» المتوقع أن يتقدم بمرشحين في الانتخابات البرلمانية العام القادم.
ولم يتطرق أي من الحاضرين للثلاثة المحتجزين في الكلمات التي ألقوها في الاجتماع لكن بعض من شاركوا في الاجتماع الذي انعقد يوم الخميس من الأسبوع الماضي ضغطوا على روحاني فيما يتعلق بهذه القضية خلال اجتماع عقد في يونيو الماضي حسبما ذكر موقع «كلمة» الناطق بلسان المعارضة.
وتحدث سياسيون بارزون آخرون ورجال دين عن المسألة علانية. وتم استهداف بعض مؤيدي الثلاثة في الشهور الأخيرة.
ففي مارس الماضي، هاجمت مجموعة على دراجات نارية في شيراز البرلماني على مطهري الذي أثار القضية في البرلمان عدة مرات وحطم المهاجمون نوافذ سيارته.
وحين عاد أحد المتحدثين السابقين باسم كروبي وهو إسماعيل جيرام مقدم إلى إيران في يوليو الماضي بعد أن أمضى 6 سنوات في منفى اختياري ألقي القبض عليه في مطار طهران وأودع سجن إيفين وفقا لتقرير من الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران.
ويقول خبراء إنه نظراً لأن الاتفاق النووي سيزيد من تعامل إيران مع العالم فمن المرجح أن تشهد طهران ضغوطاً أكبر للإفراج عن موسوي وكروبي ورهنورد.
لكن المفتاح في يد خامنئي، ويقول الخبراء إنه عندما تعرضت مصالح إيران الأمنية والاقتصادية للخطر من قبل - مثلما حدث عندما فرضت العقوبات بسبب البرنامج النووي الإيراني - أظهر خامنئي نفسه في صورة الزعيم البراغماتي. ويمكن لروحاني أن يلعب على وتر البراغماتية هذه بالترويج لفكرة أن الإفراج عن الثلاثة يمكن أن يساعد في تخفيف التوتر الدولي وفي إشاعة الاستقرار بإيران.
من جانبه، قال إيرواند أبراهاميان أستاذ التاريخ الإيراني وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة سيتي في نيويورك «خرج روحاني من قلب المؤسسة، وهو يرى أنه إذا حدث انفتاح في النظام فسيكون أكثر قدرة على التحمل». وتابع «وكي يحدث هذا فإن من المنطقي أكثر أن يحدث انفتاح وإدماج للإصلاحيين داخل النظام، لا جعلهم في المعارضة».
ويقول الخبراء إنه ما لم تحل مسألة احتجاز أبرز سجناء سياسيين بإيران فستستمر الانقسامات العميقة التي نجمت عن الاضطرابات في2009.
وقال صانعي «هؤلاء الأفراد في عقول الإيرانيين، إذا لم تحل تلك المسألة وإذا استمرت حالة انعدام اليقين المحيطة بهؤلاء الناس فأظن أن ذلك الجرح المفتوح سيظل متقيحا سواء بالنسبة للمتشددين أو الإصلاحيين أو الإيرانيين العاديين الذين لا شأن لهم بالسياسة».