كسكيميت - (أ ف ب، الجزيرة نت): تمثل المجر المرحلة الأصعب في رحلة اللاجئين الفارين من الحروب في الشرق الأوسط، حيث يتمكنون من عبور اليونان ومقدونيا وصربيا بسهولة نسبية، لكنهم يواجهون صعوبات في دخول المجر والخروج منها.
وتمنع الحكومة المجرية دخول اللاجئين إليها، وعند دخولهم بأي طريقة فإنهم يمنعون من الخروج منها رغم رغبتهم في مغادرة البلاد. وقد كتبت السلطات المجرية لوحات باللغة العربية تحذر اللاجئين من مغبة المغادرة في وضع يشبه الاحتجاز.
ومما يزيد الأمر حيرة موقف الحكومة اليمينية التي تنشر دعايات كتب عليها «لا نريد لاجئين في بلدنا».
وقال مدير صحيفة «أتلاتزو» المجرية توماس بودوكي إنه لا يرى أي منطق في هذا المنع، موضحاً أن الأمر يتعلق بحسابات السياسة الداخلية، فالحكومة ترغب أن تستعرض قوتها على اللاجئين لتظهر للرأي العام أنها قادرة على حماية البلد من المهاجرين، وبالتالي تبني شعبيتها على ذلك.
ويعيش هؤلاء اللاجئون أوضاعاً صعبة للغاية في العاصمة المجرية بودابست، حيث يقيمون بمحطة قطار، ولا تقدم لهم الرعاية الصحية مما دفع إحدى السيدات لوضع جنينها - بعد أن جاءها المخاض - في المحطة بمساعدة عامة الناس.
ويبقى المستفيد الأكبر من هذا التضييق هم المهربون، فإليهم يتجه اللاجئون للإفلات من هذا الحصار، لكن النهاية لا تكون دائماً سعيدة، فكثير من اللاجئين فقدوا أموالهم دون أن يتمكنوا من المغادرة.
من ناحية أخرى، مثل 4 مشتبه بهم أمام القضاء المجري أمس بعد يومين من العثور في النمسا على جثث 71 مهاجراً غير شرعي يرجح أنهم سوريون في حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أوروبا إلى العمل المشترك لإنهاء أزمة المهاجرين.
ومثل الموقوفون وهم أفغاني و3 بلغاريين أمام المحكمة في مدينة كيسكيميت الواقعة بين بودابست والحدود الصربية. وقالت الشرطة النمساوية إنها تشتبه بأنهم «منفذون يعملون لحساب عصابة بلغارية - مجرية لتهريب البشر».
وذكرت مصادر أن النيابة المجرية طلبت أن يبقى الرجال الأربعة ويعتقد أن بينهم مالك الشاحنة والسائقين قيد الاعتقال بسبب «الطبيعة الاستثنائية للجريمة» و»الموت الناجم عن الاتجار بالبشر» ولقيامهم «بنشاط إجرامي من خلال الاتجار بالبشر كما ولو أنه متاجرة بالبضائع».
وأعلنت النمسا أنها ستطلب تسليم الرجال الموقوفين الذين قد يلاحقون كما ذكرت النيابة بتهمة القتل.
وتعقيباً على المأساة في النمسا وغرق مركب جديد قبالة ليبيا الخميس الماضي أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «صدمته» إزاء «هذه المأساة الإنسانية» التي لقي فيها 59 رجلاً و8 نساء و4 أطفال حتفهم بعد أن قضوا اختناقاً داخل شاحنة تركت إلى جانب طريق سريع قرب حدود المجر. وقالت الشرطة أنها تعتقد أنهم قتلوا قبل يومين من العثور عليهم.
ودعا بان كي مون «كل الحكومات المعنية إلى توفير حلول شاملة وتوسيع القنوات الآمنة والقانونية للهجرة والتصرف بإنسانية وعطف وبموجب التزاماتها الدولية»، فيما يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في اتخاذ موقف مشترك، ويمتنع عدد كبير من دوله عن منح حق اللجوء إلى عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين الهاربين خصوصاً من الحرب في سوريا.
وأضاف أن «الأمر لا يتعلق بتطبيق القانون الدولي فحسب، بل هو أيضاً واجب علينا باعتبارنا بشراً»، مشيراً إلى «أزمة تضامن وليس أزمة أرقام».
ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والمستشار النمساوي فيرنر فيمان إلى إصلاح قانون الهجرة الأوروبي وتقاسم المهاجرين بصورة عادلة بين الدول الـ 28 في الاتحاد الأوروبي.
وقال مسؤول نمسوي إن رحلة اللاجئين الـ 71، انطلاقاً من سوريا الغارقة في الحرب وحتى وفاتهم أمنت للمهربين 700 ألف يورو.
وذكرت صحيفة «اوستريخ» النمسوية أن الضحايا الـ 71 حشروا في 15 متراً مربعاً وماتوا مختنقين بعد نحو 60 دقيقة من إغلاق باب الشاحنة لانعدام التهوية.
ونبه عمال كانوا يعملون في صيانة الطريق السريع الشرطة بعدما شاهدوا «سوائل جثث متحللة» تخرج من الشاحنة المتوقفة في الفسحة المخصصة للتوقف الطارىء.
والعثور على الشاحنة في النمسا حلقة في سلسلة المآسي التي تسببت في الأشهر الأخيرة في وفاة آلاف المهاجرين، وأحياناً عائلات بكاملها كانت هاربة من الحرب أو البؤس والتي سلمت مصيرها لشبكات المهربين عديمي الضمير.
فقد غرق الخميس الماضي مركب كان يقل 400 مهاجر انطلقوا من ليبيا باتجاه إيطاليا. ولم ينجح خفر السواحل الليبيين سوى في إنقاذ 198 شخصاً في حين أعلن الهلال الأحمر الليبي في مدينة زوارة غرب طرابلس انتشال 111 جثة متوقعاً وجود عشرات المفقودين في البحر.
وعبر أكثر من 300 ألف مهاجر البحر المتوسط منذ يناير الماضي، ولقي أكثر من 2500 شخص مصرعهم في البحر بعدما حاولوا الوصول إلى أوروبا، كما ذكرت المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين.
أما «طريق البلقان الغربية» الذي سلكه على الأرجح المهاجرون الذين عثر عليهم أمواتاً في النمسا، فيسلكه خصوصاً اللاجئون السوريون أو العراقيون الهاربون من الحرب، وأيضاً الألبان والكوسوفيون الساعون إلى حياة أفضل.
وتزداد كثافة تدفق المهاجرين من شرق أوروبا إلى أوروبا الغربية التي تصلها أفواجهم على متن حافلات أو سيراً أو عبر العبور تحت الأسلاك الشائكة.
وقد أقامت المجر، العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تدفق إليها أكثر من 140 ألف لاجىء منذ بداية السنة، سياجاً من الأسلاك الشائكة انتهت تقريباً من بنائه، على حدودها الممتدة على 175 كلم مع صربيا. وابتداء من سبتمبر المقبل ستفرض بودابست عقوبات بالسجن 3 سنوات على المهاجرين الذين يجتازون حدودها بطريقة غير شرعية.
وأفادت مصادر على الحدود بين اليونان ومقدونيا أن المهاجرين استمروا في العبور في مجموعات كل منها من 50 شخصاً على خطى الآلاف الذين عبروا طريق غرب البلقان إلى المجر.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ستيلا نانو «نقدر أن نحو 1500 شخص يعبرون من اليونان إلى مقدونيا كل يوم».
وقال مندوب منظمة العفو الدولية في النمسا هاينز باتسيلت «إذا اشتدت الرائحة الكريهة المنبعثة من المواقف فلربما نفهم ليس في النمسا فقط، إن الوقت حان لإقامة طرق آمنة في أوروبا للمهاجرين، وللإسراع في تسجيل اللاجئين وتوزيعهم بصورة عادلة».
وفي ألمانيا التي من المتوقع أن تستقبل 800 ألف طالب لجوء في 2015 وتزايدت فيها التظاهرات المعادية للأجانب، ينظم تجمع تضامني مع طالبي اللجوء في دريسدن بمبادرة من «تحالف ضد النازية»، في حين رفع حظر التجمع عن مدينة هايديناو الصغيرة التي شهدت تظاهرات معادية للمهاجرين.
وقررت الصحافة الألمانية أيضاً التحرك، وعلى رأسها صحيفة «بيلت» الأوسع انتشاراً في أوروبا. وكتبت هذه الصحيفة الشعبية على صفحتها الأولى «المأساة الكبيرة للاجئين.. نحن نساعد». وهي تنوي إطلاق «حملة مساعدة كبيرة» للاجئين «للتأكيد على أن الغوغائيين والمعادين للأجانب لا يتحدثون باسمنا» وأن «ألمانيا تتضامن مع من يحتاجون المساعدة».