دبي - (العربية نت): اندلعت مواجهة كلامية في مطار بغداد أواسط أغسطس الجاري، وأطرافها كانت ممثلو إدارة مطار بغداد الدولي من جهة، وممثلو فيلق القدس، والسفارة الإيرانية من جهة أخرى.
كان موضوع الخلاف، اشتراط إدارة المطار، تفتيش طائرة إيرانية، للاشتباه أنها محملة بأسلحة.
لم تتمكن سلطات المطار من حل الإشكال، وكان لابد من تدخل ممثل فيلق القدس في السفارة الإيرانية ببغداد، ورئاسة الوزراء لتجاوز الأزمة. فلم يعتد العاملون لصالح الجنرال قاسم سليماني في فيلق القدس، أن يجري صدهم أثناء تنفيذ عمليات لوجستية في العراق، حتى لو كان فيها انتهاك للسيادة العراقية أو التعهدات الدولية للجمهورية العراقية.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمر مؤخراً بوقف ما اصطلح عليه بـ «النشاط الإيراني الحر» في المطارات العراقية.
وأناط استمرار حركة الطائرات وهبوطها وتفريغ حمولتها بالسلطات العراقية، وفسر مسؤول عراقي بارز في مكتب الدكتور العبادي القرار، بأنه «يجب على أي دولة ذات سيادة مراقبة ما يجري على أراضيها».
اليد الطولى لأنشطة فيلق القدس، خاصة لجهة استخدام أجواء العراق ومطاراته لتجاوز العقوبات الدولية ضد إيران، وكانت أطلقت إبان حكم نوري المالكي، وازدهرت مع تسلم هادي العامري لوزارة النقل العراقية، فيما بدأ العبادي في الحد منها، مؤخراً، مع إطلاقه حملة الإصلاح، التي اعتبرتها إيران تمرداً خفياً ضد أنشطتها في العراق.
ويقول نائب في البرلمان العراقي آثر عدم ذكر اسمه، تعليقاً على ذلك «سليماني يجوب العراق من المرجعية إلى العاصمة بغداد، محموما، لإنقاذ المالكي من جهة، ولضمان استمرار يده طليقة في العمل في العراق، والانطلاق من العراق نحو سوريا ولبنان».
وخصصت إيران ما يسمى بـ «الدائرة 198» التابعة لفيلق القدس، لتنظيم نقل الأسلحة والعتاد العسكري الى سوريا، بواسطة رحلات جوية تنطلق من إيران، وتحلق في أجواء العراق وتحط في مطار دمشق الدولي في سوريا. كما إنها أحياناً تحط في بغداد وتنطلق كطائرات عراقية، لتجاوز الرقابة الدولية.
المسار الجوي هذا يشكل الطريق الرئيس لنقل أسلحة وعتاد وتمويل وشخصيات من إيران إلى سوريا مما يتيح تزويد القوات السورية وحزب الله بأسلحة بشكل متواصل.
الرحلات المكوكية هذه، جاري تنفيذها بنوعين، الأولى - تجارية تخرج بمعدل 3 مرات أسبوعياً من قبل شركات الطيران الإيرانية «ماهان إير» و«إيران إير». والثانية - رحلات شحن خاصة من خلال طيران تابع لسلاح الجو السوري. وما يقلق العراق حاليا في هذا الأمر، أن نقل الأسلحة يشكل خرقاً لقرارات صادرة عن مجلس الأمن للأمم المتحدة، ما يجعل العراق تحت طائلة خرق القانون الدولي، لتسهيله عمليات غير قانونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. مثلا، القرار 2231 تم تبنيه في يوليو الماضي وصدر بشأن تعزيز الاتفاق النووي الذي وقعت عليه إيران قبل ذلك بعدة أيام، أي في 14 يوليو، وفقاً لهذا القرار يتوجب على كل الدول اتخاذ الإجراءات المطلوبة من أجل منع تزويد أو بيع أو نقل أسلحة أو نقل أسلحة أو منتجات ذات صلة من إيران.
ويبدي مكتب العبادي قلقاً من أمرين: الأول، حقيقة أن نقل الأسلحة يشكل خرقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي آنفة الذكر، أما الثاني، فان نقل هذه الأسلحة، يشكل خرقاً لقواعد المراقبة، التي تحظر استخدام طائرات أو مطارات مدنية لنقل أسلحة وسبق وأقرتها المنظمة الدولية للطيران المدني.
النظام القانوني الخاص بالمنظمة تم تحديده في وثيقة عام 2006 تسمى وثيقة ICAD 7300/9، ووفقاً لها، «بنود 4 و17 وبنود 5.1-5.2 لملحق 17» يجب على أي دولة عضو في المنظمة - بما في ذلك إيران وسوريا والعراق - عدم استخدام الطيران المدني لأهداف غير متوافقة مع الأهداف المدنية لـ «ICAD».
وتحظر أنظمة «ICAD» إدخال أي أسلحة أو عتاد خطر إلى أي طائرة مدنية أو مطار مدني، ويعتبر خرق ذلك، عملية غير قانونية، توجب تزويد «ICAD» بتقرير كامل عن الحدث.
وعليه، فإن القلق العراقي الحالي، ناجم عن كون الرحلات الإيرانية العسكرية، التي تجوب الأجواء العراقية، تجعل العراق شريكاً مع إيران في خرق القرارات الأممية وخرق قواعد الطيران المدني.
ويتهم نائب عراقي غاضب من حجم النفوذ الإيراني المطلق إبان حكم نوري المالكي، أن وزير النقل العراقي السابق هادي العامري ساهم في تسخير الأجواء والمطارات العراقية لصالح الأنشطة الإيرانية العسكرية غير القانونية، وجعل العراق واجهة لأنشطة محظورة دولية، بحيث أصبح العراق الجسر والمؤسسة التي تغسل أنشطة إيران، لصالح النظام السوري و«حزب الله» وذلك من خلال تنسيق الرحلات الجوية ولعب دور مركزي في نقل الأسلحة.
وخلال السنوات الأخيرة، تم كشف هذه الرحلات الجوية التي تنقل أسلحة عدة مرات في وسائل الإعلام الغربية. وتحولت الخروقات العراقية لصالح إيران، موضوع خلاف دائم بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية. وأثار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في 24 مارس 2013 الأمر مع رئيس الحكومة العراقية في حينه نوري المالكي طالباً منه حظر شحنات الأسلحة الإيرانية إلى دمشق.
نوري المالكي رضخ لأسابيع قليلة فقط، ليعيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما إثارة الملف شخصياً، مع المالكي، خلال زيارة الأخير لواشنطن 29 أكتوبر، ليتم تعليق هذه الرحلات الجوية أيضاً لفترة قصيرة ولكن بعد عدة أسابيع استأنفت إيران نقل الأسلحة أما عبر الأجواء العراقية أو عبر المطارات العراقية.
وبعد احتلال تنظيم الدولة «داعش» للموصل، وإعلان طهران نيتها دعم العراق في حربه ضد «داعش»، ازدهرت أنشطة فيلق القدس الإيراني في نقل الأسلحة إلى العراق ومن العراق أيضاً إلى سوريا، لصالح كل من الأسد و«حزب الله» الشيعي اللبناني، وذلك تحت غطاء إطلاق يد سليماني لأجل الحرب على «داعش».
فشهد العام الأخير قفزة نوعية في كل ما يتعلق بنقل الأسلحة من إيران إلى سوريا بالإضافة إلى ذلك شرع فيلق القدس بنقل أسلحة إلى العراق أيضاً بدعوى محاربة «داعش». ومن خلال ذلك بدأ منتسبو فيلق القدس العمل بحرية في المطارات والأجواء العراقية.
ويتهم مسؤولون عراقيون فيلق القدس بنقل أسلحة وعتاد وأفراد إلى العراق بدون مراقبة وبدون سيطرة من قبل الحكومة العراقية، وأصبح لفيلق القدس الإيراني، منطقة عمل خاص به في مطار بغداد، يحظر على المؤسسات العراقية السيادية دخولها أو تفتيشها.
ويدافع أنصار المالكي والعامري عن هذا الحال، وينفون أن يكون في ذلك تنازلاً عن السيادة على الأجواء والمطارات العراقية، موضحين أن الترتيبات هذه كانت مدفوعة بمصلحة العراق في استمرار الدعم العسكري الذي تقدمه لها إيران في ظل الحرب على «داعش».
إلا أن تفسيرات أنصار المالكي والعامري، لا تفسر استخدام العراق غطاء للأنشطة الإيرانية المحظورة، في إطار العقوبات الدولية، مثل شراء شركة «ماهان إير» الإيرانية في مايو 2014، 9 طائرات من العراق، لتجاوز العقوبات ومخادعة المراقبة القائمة على الطيران المدني عندما غضت حكومة المالكي النظر عن الموضوع. وفيما يسعى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى استعادة قدر من السيادة على الأجواء والمطارات العراقية، التزاماً من العراق بتعهداته فيما يتعلق بأنظمة الطيران والمعاهدات الدولية، يكثف سليماني جهوده مع السياسيين العراقيين ومرجعية النجف، لإنقاذ المالكي، وإنقاذ الترتيبات الإيرانية في العراق أيضاً، خشية أن يتجاوزها العبادي، عندما شن الحملة لأجل الإصلاح.