دمشق - (إيلاف): حتى الآن، تبقى معادلة «الفوعة وكفريا الشيعيتين مقابل الزبداني السنية» قائمة في سوريا، وهي معادلة يقف طرفاها، أي جيش الفتح وإيران، على طرفي تعادل عسكري، خصوصاً أن الزبداني تقاوم الهجوم الكبير الذي يشنه نظام الرئيس بشار الأسد و»حزب الله» الشيعي اللبناني منذ أكثر من شهرين ببسالة منقطعة النظير، دفع بالمعارضة إلى تسميته «ستالينغراد سوريا»، إذ تدور المعارك من شرفة إلى شرفة، وبين النوافذ، تحت قصف طيران عنيف، ورمي متواصل للبراميل المتفجرة، من دون أن تستطيع القوة المهاجمة تحقيق أي تقدم يذكر.
وأتت نصرة الزبداني من جيش الفتح بحصاره قريتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب وتهديده باجتياحهما بعنف لحظة تسقط الزبداني، ما دفع بإيران إلى التدخل شخصيًا في المسألة، من خلال وفد مفاوض، تمكن من إنجاز هدنتين اثنتين، لكنهما ما صمدتا طويلاً، وانهارتا لحظة بدء الكلام عن إخراج جرحى أو نساء وأطفال من الزبداني والقريتين الشيعيتين.
لكن يبدو أن هذه المعادلة ليست مرشحة للصمود طويلاً، خصوصاً بعدما رفع جيش الفتح سقف التفاوض مطالباً بنحو ألف امرأة سورية معتقلة في سجون الأسد. الرد الإيراني أتى سلبياً، من دون هامش للنقاش، فما كان من جيش الفتح إلا أن ضيق الخناق أكثر على القريتين الشيعيتين بسيطرته على قرية الصواغية وعلى نقاط كانت لـ»حزب الله» في محيطهما، أبرزها فرن الدخان الثاني ومؤسسة الكهرباء، بالإضافة إلى كل النقاط المحيطة بالصواغية قريباً من الفوعة.
بعد هذا التقدم، قال الشيخ عبدالله المحيسني، القاضي العام لـ»جيش الفتح»، إن الحرب في القريتين بين «جيش الفتح» وإيران، ولا وجود للنظام. وأكد أن انهيار الهدنة الأولى سببه اعتقاد إيران أن جيش الفتح غير قادر على اقتحام الفوعة، «فجاء الأمر باقتحام الفوعة، فوجئوا بالاقتحام، فرضخ الإيرانيون وجاؤوا للمفاوضات من جديد، وقالوا نفاوض على إخراج 10 آلاف امرأة وطفل من الفوعة وكفريا، فقلنا نريد مقابل هذا أن تخرجوا ألف امرأة معتقلة، فقالوا إخراج النساء عندنا خط أحمر، فقلنا لهم خروج نسائكم وأطفالكم خط أحمر»، مذكراً برسالة وجهها إلى أهالي القريتين قال فيها إن إيران ترتكب مجزرة عالمية في أتباعها». وأضاف «إن وافق النظام يتوقف القصف على الفوعة وكفريا».
لكن السؤال هنا: إلى متى يستمر عض الأصابع هذا بين الزبداني من جهة وكفريا والفوعة من جهة أخرى؟ فالأمر ينذر بتصعيد كبير على جبهات مختلفة في سوريا، كما يقود الوضع نحو تعقيدات طائفية ومذهبية جديدة، تذكي نار الحرب السورية، مع قيام مجموعة من أهالي كفريا في دمشق بقطع طريق مطار دمشق الدولي بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على ما سموه «وقوف الجيش موقف المتفرج مما يحصل في القريتين الشيعيتين في ريف إدلب»، علماً أن هذا يذكر بما يفعله أنصار «حزب الله» في بيروت، إذ يقطعون طريق مطار بيروت الدولي بالإطارات المشتعلة كلما أرادوا الضغط على الحكومة اللبنانية في أمر ما.
إلى ذلك، نقلت تقارير إعلامية من الفوعة كلاماً صادراً عن الداعية الشيعي أيمن زيتون، الذي ناشد الدولة والمقاومة والجمهورية التدخل سريعاً وقصف «أعداء الله» في القرى المحيطة بالفوعة، «وإلا نتخذ خطوات تصعيدية، وقد يخرج زمام الأمور من يد المعنيين، ويحصل ما لا تحمد عقباه»، مهدداً بسلوك قد لا يوافق عليه نظام طهران أو نظام الأسد، خصوصاً أن الكل يعرف في سوريا أن ميزان القوى في ريف إدلب يميل بشكل واضح لصالح «جيش الفتح»، بينما يبقي الصمود الأسطوري في الزبداني المسألة معلقة في الشريط الحدودي مع لبنان، والذي يريده «حزب الله» خالياً من أي قوة للمعارضة السورية.
إلا أن الزبداني ليست مأزق «حزب الله» الوحيد. فالتقارير تشير إلى أنه يمر في مرحلة طرح تساؤلات جدية حول مستقبله في ظل التسويات الإقليمية والدولية، التي تجلت أخيراً في تسليم الأمن اللبناني المطلوب السعودي أحمد إبراهيم المغسل إلى السلطات السعودية سريعاً، وبموافقة إيرانية، خصوصاً أن مقربين من «حزب الله» لا ينفون أن توقيف المغسل حصل بينما كان عائداً من طهران إلى بيروت في طائرة ركاب إيرانية. والمغسل مطلوب في قضية تفجير الخبر في عام 1996، الذي ذهب ضحيته عدد كبير من الأمريكيين. وهو واحد من 5 أشخاص وضعت أسماؤهم على رأس قائمة مطلوبي مكتب التحقيقات الأميركي، وخصصت للقبض عليه جائزة قيمتها 5 ملايين دولار.
والمغسل كان يعيش في بيروت بحماية «حزب الله». وتنقل تقارير صحافية عن مصادر أمنية لبنانية قولها: «جرى الإعداد لتفجير الخبر في مقام السيدة زينب قرب دمشق برعاية الحرس الثوري الإيراني وإشراف مباشر من عماد مغنية، المسؤول عن العمليات الخارجية في «حزب الله»، الذي اغتيل في دمشق في فبراير 2008».
تسليم المغسل وتقليص الدعم المالي الإيراني وتدخل إيران مباشرة في مفاوضات مع «أحرار الشام» حول الزبداني مؤشرات تخيف «حزب الله». إلى ذلك، ثمة مؤشر آخر، وهو عدم توجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي زار بيروت قبل أسابيع، لزيارة قبر مغنية، وهي الزيارة التقليدية التي لم يحد عنها أي مسؤول إيراني زار بيروت.
ولاشك في أن طمأنة حسن نصرالله جمهوره في أحد خطاباته الأخيرة إلى أن إيران لا تتخلى عن حلفائها يصب في هذا الاتجاه. لكن تسليم المغسل كشف فعلياً صفقة أمريكية إيرانية على هامش الاتفاق النووي، تتخلى إيران بموجبها عن نشاطاتها الإرهابية وتلزم «حزب الله» بسلوك معين، من دون أن يعني ذلك تخلي «حزب الله» عن دوره الداخلي اللبناني والخارجي في سوريا بسهولة.